أفريقيا برس – المغرب. من بين كل التهم الموجّهة للحكومة، تبدو تهمة “زواج المال بالسلطة” الأكثر تداولًا وانتشارًا سواء من طرف المعارضة أو عموم الرأي العام. ورغم بعض التصريحات الصحافية لوزراء حاولوا من خلالها نفي ذلك، فإن آخر ظهور إعلامي لعزيز أخنوش زاد الطين بلة، عندما دافع عن فوز إحدى الشركات التابعة له بصفقة لتحلية مياه البحر في الدار البيضاء.
الجديد بخصوص “زواج المال بالسلطة” لدى حكومة عزيز أخنوش أن المسألة مست هذه المرة فئات هشة، وهي عمال الحراسة الخاصة أو “الأمن الخاص” كما يحلو للبعض تسميتهم. هؤلاء موجودون في العديد من المرافق العمومية مثل المستشفيات، حيث يمارسون “صلاحيات” أوسع مما هو مخوّل لهم.
الحديث عن تأسيس شركات للحراسة الخاصة من طرف وزراء أو مقربين منهم تجاوز مواقع التواصل الاجتماعي ووصل الى البرلمان، من خلال سؤال للنائبة عن حزب “فدرالية اليسار الديمقراطي” المعارض، فاطمة التامني، موجّه إلى وزير الإدماج الاقتصادي، يونس السكوري، طلبت فيه توضيحات تتعلق بتأسيس مقربين من بعض الوزراء لشركات حراسة، وحصول هذه الشركات في زمن قياسي على صفقات ضخمة خاصة في قطاع الصحة، ومحاولتها التمدّد لقطاعات أخرى كالتعليم، مستغلة شبكة علاقات نافذة وهو ما يكرّس، بحسب تعبير النائبة، “زواج المال بالسلطة”.
وأضافت قائلة: “إذا صحت المعطيات المتداولة، فإننا لا نكون أمام مجرد خروقات عابرة، بل أمام عصابة إجرامية منظمة تتاجر في البشر وتحوّل قطاع الحراسة إلى ما يشبه البقرة الحلوب التي يتقاسمها النافذون”، وهو ما وصفته البرلمانية بكونه “زواجا مشبوها بين السياسة والمال على حساب أعوان الحراسة البسطاء الذين يشتغلون في ظروف غير إنسانية: 12 ساعة عمل يوميا، بأجور هزيلة وبدون كرامة أو حقوق”.
وشدّدت فاطمة التامني على استفسار الوزير حول التدابير المزمع اتخاذها بتنسيق مع باقي القطاعات “لوضع حد لشبهة المحاباة والفساد التي تحيط بصفقات الحراسة في الصحة والتعليم وغيرها من القطاعات العمومية”.
ولم تنس النائبة البرلمانية التطرّق إلى التحديات المطروحة في القطاع، داعية الوزير إلى توضيح أسباب تغييب ممثلي عمال الحراسة عن مسار المشاورات المتعلقة به، والإجراءات الملموسة المزمع اتخاذها لضمان إشراكهم كشريك أساسي.
الموضوع نفسه تناوله الصحافي مصطفى الفن، لكنه ذهب أبعد من البرلمانية حين أشار إلى أن وزراء لديهم شركات للمناولة، بما فيها الحراسة الخاصة، مسجّلة بأسماء مقربين منهم، ويتعلق الأمر بوزيرين من حزب رئيس الحكومة “التجمع الوطني للأحرار”.
وعاد الصحافي في مقاله إلى شهر آذار/ مارس الماضي، حين اتخذ بعض الوزراء “وبدون سابق إنذار” قرارات وصفها بـ “غامضة”، ويقصد هنا قضية إلغاء عقود كانت قائمة مع شركات للمناولة في الحراسة وفي النظافة تحديدا.
ويستطرد الفن في مقاله مؤكدا أن الخبر الذي أوردته جريدة “الصباح” بخصوص تورّط الوزيرين في شركات “سرية” مسجّلة بأسماء مقربين منهم يزيد “الخل على الخميرة”، وأن هذه الشركات استطاعت الحصول على صفقات للحراسة الخاصة “في ظروف غامضة”.
وبعد أن أكّد عدم معرفته بمدى صحة هذا الخبر، استدرك قائلًا: “لكن على الوزيرين المعنيين والمنتميين معًا لحزب (الأحرار) أن يخرجا عن صمتهما حول هذا المنسوب إليهما، عوض أن يتعاملا كما لو أن لا شيء قد وقع”.
كما تفاعل مع القضية عمال شركات الحراسة الخاصة المنضوون تحت لواء “التنسيق النقابي الجمعوي لحراس الأمن الخاص”، حيث طرحوا سؤالا يحتوي على اتهام مبطّن: “من يمتلك شركات الحراسة بالمغرب؟”
وتحدّت صفحة على “فيسبوك” تعود لـ “الهيئة الوطنية لحراس الأمن الخاص” أي جهة أن “تنشر لائحة أسماء أصحاب الشركات المأذون لهم باستغلال قطاع الأمن الخاص، بمن فيهم المسؤولون وأبناؤهم وزوجاتهم وأصهارهم وأقرباؤهم الذين يعيثون في قطاع الأمن الخاص فسادا”، وفق تعبيرها.
الحساب المذكور يعج بالعديد من التدوينات التي تركز في مجملها على الوضعية الاجتماعية “المزرية” لعمال الحراسة الخاصة، ويبدو أن الغضب تأجّج إلى حد إعلان التنسيق النقابي “التصويت العقابي ضد الأحزاب المشاركة في الحكومة في الانتخابات المقبلة”، وذلك بعد أن “فقدوا الثقة في وعود الوزراء”، لدرجة أن “مليون حارس أمن خاص سيخوضون رفقة عائلاتهم أضخم حملة انتخابية تحت شعار: صفر ورقة للأحزاب المشاركة في الحكومة الحالية”.
وخاطب التنسيق النقابي الأحزاب الحكومية بقوله: “كما تجاهلتم معاناتنا سنصوّت عقابيا ضدكم، والكراسي التي تهمكم سنهبها بأصواتنا لخصومكم”.
القرار الذي اتّخذه حراس الأمن الخاص أو – التنسيق النقابي الذي يمثل معظمهم – جاء بعد تراكم الشكايات من طرفهم، ويظهر ذلك جليا من خلال عدد التدوينات في هذا الاتجاه، ومنها تلك التي سألت وزير الشغل: “هل ما زلت على الوعد؟” لأنه في كل لقاء صحفي أو جواب شفوي في البرلمان يقرّ بالوضعية غير الطبيعية لحراس الأمن الخاص والتعسف الممارس عليهم، ويؤكد أنه سيعمل داخل وزارته على إصلاح هذا الاعوجاج التشريعي؛ فمتى ذلك؟ تتساءل الهيئة النقابية.
وفيما يشبه التحذير، قالت الهيئة: “لا ترهنوا مستقبلنا بولاية ثانية في الانتخابات المقبلة وتحاولوا ربح الوقت، خصوصا أننا مقبلون على الانتخابات التشريعية صيف 2026 وتسخيناتها بدأت للتو”، وطالبته بأن يكون عند كلمته.
وتحدّثت النقابة في تدوينة سابقة عن “تفريخ مجموعة من شركات المناولة المهتمة بقطاع الحراسة لما تدرّه من أرباح خيالية ودون مراقبة الدولة في ظل غياب قانون منظم، وهو ما يعطي هذه الشركات اليد الطولى في استغلال هذه الفئة، لينجم عن ذلك واقع معاش يتسم بالهشاشة والاستغلال الفاحش من طرفها”.
ووجّهت أصابع الاتهام بالتخلي عن ضبط تلك الشركات وإلزامها بمدونة الشغل إلى كل “الحكومات المتعاقبة”، التي تخلّت عن هذا الدور، “وبالتالي أصبحت هذه الشريحة مستغلة وتعيش تحت القهر والتعذيب النفسي، ويُرفع في وجه كل من أراد التكلم عن حقوقه بطاقة الطرد” وهو ما زاد من درجة المعاناة والتحقير والتهميش.
هذا الوضع، تضيف الهيئة، دفع حوالي مليون حارس أمن خاص وعائلاتهم عبر مدن وأرياف المغرب إلى تشكيل تنظيمات نقابية وجمعوية ومهنية في محاولة لإثارة الانتباه لما يحصل.
وكشفت الهيئة عن بعض ملامح الوضع الصعب الذي يعيشه حراس الأمن الخاص، بما في ذلك الساعات الـ 12 الطويلة والمرهقة و”فوق الطاقة” التي يداومونها، والأجور الهزيلة التي لا تضمن العيش الكريم، وغيرها من تفاصيل واقع اجتماعي قاسٍ.
وحسب الهيئة النقابية، فإن “الحكومات المتعاقبة على اختلاف مشاربها السياسية كانت تكتفي بالوعود، بل تتواطأ أحيانا مع أرباب العمل داخل قطاع الحراسة لأنهم جزء منها”، وذلك بعدم أخذ الشكايات الموجّهة إليها بعين الاعتبار.
وشدّدت النقابة على أن “مليون حارس خاص يجب أن يراجعوا حساباتهم خصوصا عند التعامل مع الفاعل السياسي المثقل بالوعود الكاذبة والشعارات الرنانة أثناء الحملات الانتخابية، ويجب عليهم الاتحاد والالتفاف حول بعضهم البعض في مواجهة دكاكين الانتخابات، ورفع صوتهم والدفاع عن حقوقهم”.
وتساءلت: “ألم يحن الوقت للتأمل في كيفية التعاطي والتعامل مع من أعطيناه صوتنا ليتركنا نتجمد في غرفة الانتظار؟ أي باب سنطرق، وأي طريق سنسلك للتخلص من نير العبودية الجديدة؟”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس