أفريقيا برس – المغرب. اتّخذ احتفال المغاربة، يوم الخميس 6 تشرين الثاني/ نوفمبر، بالذكرى الخمسين لانطلاق “المسيرة الخضراء” طابعاً مختلفاً هذا العام، إذ تزامن مع مصادقة مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الأمريكي الذي يدعم مقترح الحكم الذاتي الذي قدّمه المغرب منذ سنة 2007، باعتباره حلاً جاداً وواقعياً وذا مصداقية للنزاع حول الصحراء، في إطار السيادة المغربية الكاملة.
ويخلّد المغرب، من طنجة إلى الكويرة، ذكرى هذه “الملحمة الوطنية التي دوّنت إحدى أبهى صفحات التاريخ المغربي الحديث، وجسدت أسمى صور التلاحم بين العرش والشعب في سبيل استرجاع الأقاليم الجنوبية وصون وحدة التراب الوطني”، وفق تعبير محللين.
وتأتي هذه الذكرى في ظرفية تاريخية استثنائية، عقب صدور القرار رقم 2797 عن مجلس الأمن الدولي، الذي جدّد التأكيد على مغربية الصحراء وأيّد مقترح الحكم الذاتي المغربي كحلّ سياسي متوافق عليه. ويُعد هذا القرار تتويجاً للجهود الدبلوماسية المتواصلة التي يقودها العاهل المغربي الملك محمد السادس، وترسيخاً للزخم الدولي المتنامي الداعم للموقف المغربي في هذا الملف.
وفي هذا السياق، أكد المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستافان دي ميستورا، أن القرار الجديد يشكل “إطار عمل وخارطة طريق” لمرحلة من “العمل الحقيقي” نحو تسوية متفق عليها بين الأطراف. وأوضح أن خطة الحكم الذاتي ستكون الأساس المرجعي للمفاوضات المقبلة، مشدداً على أن القرار يحمل “إشارة واضحة إلى السيادة المغربية” في سياق البحث عن حلّ نهائي للنزاع، كما يمنح القرار تفويضاً موسعاً للأمم المتحدة لإدارة الحوار بين الأطراف الأربعة، المتمثلة في المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو.
وشهدت مختلف أقاليم المغرب احتفالات جسدت مظاهر الفرح والانتماء. ففي العاصمة الرباط، نزل المواطنون إلى الشوارع حاملين الأعلام الوطنية وصور الملك محمد السادس، فيما نظّمت سيارات الأجرة مسيرات رمزية تزينها الأشرطة الحمراء والخضراء، رمز الراية المغربية. كما شارك الأطفال والطلاب في عروض فنية وأناشيد وطنية بمختلف المؤسسات التعليمية، استحضرت روح المسيرة الخضراء التي انطلقت سنة 1975 بمشاركة 350 ألف متطوع ومتطوعة.
وفي مدينة العيون، العاصمة الاقتصادية للأقاليم الجنوبية، انطلقت دينامية استثنائية احتفالاً باليوبيل الذهبي للمسيرة الخضراء، حيث تزينت الشوارع والساحات العامة بالأعلام الوطنية وصور الملك. كما احتضنت العاصمة الرباط ندوة وطنية نظمها حزب “التجمع الوطني للأحرار” القائد للائتلاف الحكومي، خُصصت لمناقشة مضامين القرار الأممي الجديد وانعكاساته على ملف الصحراء المغربية.
وخلال الندوة، استشهد أحد المتدخلين بقول العاهل الراحل الحسن الثاني عقب تنظيم المسيرة الخضراء: “حررنا الصحراء لكن دون أن نحصل على شهادة الملكية”، مضيفاً أن “الملك محمد السادس اليوم حصل على هذه الشهادة بفضل حكمته وبعد نظره الدبلوماسي”.
وأوضح المتحدث ذاته أن الحديث عن “ثغرات” في القرار الأممي لا أساس له من الصحة، لأن فقراته تؤكد أن خيار الاستفتاء قد انتهى بلا رجعة، وأن الحكم الذاتي هو التعبير الحقيقي عن تقرير المصير في صيغته الواقعية والعصرية.
وفي إطار الحركية الدولية التي واكبت هذه المناسبة، تستعد الجالية المغربية المقيمة في الخارج لإحياء الذكرى الخمسين بأسلوب يعبّر عن ارتباطها العميق بالوطن الأم. ففي العاصمة الفرنسية باريس، ينظّم مركز التفكير “Damlij” تجمعاً جماهيرياً يوم الأحد المقبل في ساحة تروكاديرو – ساحة حقوق الإنسان، تحت شعار: “المغرب يوحّدنا، والمسيرة تجمعنا.”
وسيشارك في هذا الحدث آلاف من أبناء الجالية المغربية المقيمين في فرنسا وبمختلف الدول الأوروبية، في مسار رمزي ينطلق من ساحة حقوق الإنسان وصولاً إلى ساحة “شامب دو مارس” قبالة برج إيفل. وتُجسد هذه التظاهرة، وفق مراقبين، عمق التشبث بوحدة الأراضي المغربية، واستمرار روح “المسيرة الخضراء” في قلوب المغاربة داخل الوطن وخارجه، في أجواء من الفخر والانتماء والوفاء للوطن الأم.
واليوم، وبعد مرور نصف قرن على انطلاق المسيرة الخضراء، يؤكد المغاربة أن المسيرة لم تتوقف، بل تحولت إلى “مسيرة تنمية واستثمار وبناء”، حيث أصبحت الأقاليم الجنوبية نموذجاً للتنمية المتكاملة، خصوصاً في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر والتعاون الإفريقي.
وتشهد أقاليم الصحراء المغربية نهضة تنموية شاملة بفضل المشاريع الكبرى التي تُنفَّذ في مختلف القطاعات، من أبرزها “الطريق السيار” تيزنيت – الداخلة، ومشاريع الطاقة الريحية والهيدروجين الأخضر، ومشروع تحلية المياه، وميناء الداخلة الأطلسي، إضافة إلى برامج تطوير القطاعين السياحي والزراعي.
وبحسب التعداد السكاني للعام المنصرم (2024)، يبلغ عدد سكان أقاليم الصحراء المغربية مليوناً و119 ألفاً و678 نسمة، موزعين على النحو التالي:
جهة الداخلة – وادي الذهب: 219,965 نسمة
جهة العيون – الساقية الحمراء: 451,028 نسمة
جهة كلميم – واد نون: 448,685 نسمة
كما سجلت هذه الأقاليم أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، في مؤشر على اندماجها الكامل في الحياة الوطنية المغربية وعلى عمق انخراط سكانها في مسار التنمية والديمقراطية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس





