أفريقيا برس – المغرب. لم تحقق خطوة حكومية أقدمت عليها وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور، مثل هذا الإجماع “الفيسبوكي والتويتري والانستغرامي” الذي تحالف من أجل تقديم السياط على طبق من سخرية لمختلف المغاربة من أصحاب الصفحات والحسابات في منصات التواصل الاجتماعي.
الغرض من تلك السياط ليس جلد الوزيرة ولا الفكرة، بل جلد الذات التي لم تفهم بعد فلسفة وروح العمل الحكومي الذي يبدو أنه يستند في ترويج إشراقه الخفي إلى ما يسمون اليوم بـ”المؤثرين” الذين يفقهون في كل شيء من طريقة لبس الجلباب ووضع الماكياج وطبخ المعجنات وتهييء طبق التحلية والحديث عن بنت الجيران ومشاكل اليومي، إلى الإفتاء في أمور الدين والدنيا ومنها حتى التعليم، فقد استقبلهم الوزير الوصي على القطاع مؤخراً، بالضبط قبل فاتح نيسان/ أبريل، لكنه ليس سمكة الشهر الشهيرة، بل هو حقيقة سارت بذكرها المواقع الإخبارية.
المؤثرون والمتأثرون بينهما مسافة “لايك” وزرّ تشغيل “اللايف” وارتفاع نسبة المشاهدة والمتابعة، و “يوتيوب” يرسل درعه لمن ارتفعت أرقامه، فهل نعرف نحن أفضل من الكائن الذكي المسمى الإنترنت؟ هو الذي ألهم الحكومة لتستعين بهؤلاء الذين باتوا أمراً واقعاً ولم يعودوا مجرد تسلية لتمضية الوقت وكسر الروتين اليومي، بل صاروا من المسموعة أصواتهم والمنفذة اقتراحاتهم والموثوقة فتواهم، هم اليوم سيقبضون من المال العام لأجل إخراج المغاربة من ظلمات عدم فهم “فرصة” إلى الإقبال عليها، كما لو كان الشباب في حاجة لمن يقنعهم بضرورة الشغل والحصول على قرض لإنجاز مشروع والدخول إلى الحياة العملية.
يبقى أجمل تعليق قيل في الفيسبوك عن استعانة الحكومة بالمؤثرين لـ “الترويج” لبرنامج “فرصة”، هو ما كتبه مغربي في تدوينة “فاش تكبر شنو بغيتي تولٖي؟؟ – بغيت نولي مُؤثٖر”. أي (ماذا تريد أن تكون حين تكبر؟ يجيب: أريد أن أصبح مؤثراً).
تلك هي السخرية المرة والقاسية التي ستحول مجتمعاً يؤمن بالعمل والكد إلى مجتمع مؤمن بالفرص والرقمي والكثير من التفاهة والقليل من الجودة وإدخال الجمل في سم الخياط بضغطة زر دون أي عناء حتى في لغة التواصل، فالفم يقول ما يريد دون كوابح، لكن الأمر أكبر من ذلك، فهو حسب ما توارد من تدوينات ومقالات أيضاً يسير في اتجاه سد الطريق على الصحافة، وخبراء التواصل الذين تعبوا وكدوا من أجل شهاداتهم وتجاربهم لفائدة المستحدثين من أصحاب “اللايفات” في مواقع التواصل الاجتماعي ورفع الفيديوهات أيضاً.
من المقالات التي سارت على هذا الدرب الكاشف، ما كتبه محمد بكار السباعي في أحد المواقع الإلكترونية، ونكتفي هنا بذكر العنوان فقط، الذي هو أكثر من دال على مضمون المقال “(المؤثرون الجدد): ناشروا التفاهة… خبراء التواصل لدى الحكومة”.
طبعاً، الحكومة ليست بتلك السذاجة حتى تشرك كثيراً من التافهين في عملية تواصلها الجديدة، ولن تقدم على إشراك صاحبات “روتيني اليومي” مثلاً، لأن الأمر لا علاقة له بالمطبخ وتنظيف البيت بملابس خفيفة، بل له علاقة بتنظيف المجتمع من شيء اسمه الإيمان بجدوى الصحافة والتواصل كتخصص مهني.
لذلك، فقد جاءت تدوينة الصحافية والقيادية الاشتراكية حنان رحاب، لتضع النقاط على الحروف، وتسمي العملية برمتها “برنامج فرصة أو فرصة للمؤثرين”، وهي كذلك بالفعل؛ لأن “المضحك المبكي أن الحكومة تفتتح البرنامج بدعوة لما يسمى بالمؤثرين لافتتاحه، وستمنح جزءاً من ميزانية التواصل البالغة 23 مليار لهؤلاء “المؤثرين”!
إذن، باختصار، هي “دجاجة بكامونها” أي جاهزة للأكل، ليس على المؤثرين سوى وضع المنديل حول العنق بعد غسل الأيدي والجلوس إلى طاولة “فرصة” لتناول وجبة طويلة الأمد من الإقناع والاقتناع حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر.
رحاب أشارت في تدوينتها إلى مسألة مهمة جداً، وهي أن برنامج “فرصة”، “شبيه ببرنامج (مقاولتي) الذي تم إطلاقه منذ سنوات، وكانت نتيجته دخول شباب للسجن بسبب تعثر برامجهم، وعدم قدرتهم على تسديد ديون البنوك. هذا التعثر كان مرتبطاً بعاملين أساسيين: الأول: غياب المواكبة، والثاني عدم القدرة على المنافسة أمام الشركات الكبرى”. وهما العاملان المرجح استمرارهما، تضيف رحاب في تدوينتها، “فقد تم تكليف الشركة المغربية للهندسة السياحية التابعة لوزارة السياحة بمواكبة المشاريع المنتقاة، رغم وجود وزارة للتشغيل والإدماج الاجتماعي والمقاولات الصغرى”.
خلاصة القول، إن المغاربة من اليوم فصاعداً، لن يصبح همهم أن يصبح أبناؤهم أطباء أو صحافيين أو محامين أو مهندسين أو موظفين في قطاعات حكومية أو أصحاب شركات ومشاريع، بل فقط أن يصبح ابنهم أو ابنتهم مؤثراً، فذلك أعز ما يُطلب ويُتمنّى!
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس