المعارضة المغربية تطالب المحكمة الدستورية ضد “فيتو” الوزير

1
المعارضة المغربية تطالب المحكمة الدستورية ضد
المعارضة المغربية تطالب المحكمة الدستورية ضد "فيتو" الوزير

أفريقيا برس – المغرب. تصاعدت حدّة التوتر بين وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي وفئة واسعة من المهنيين في قطاع الإعلام، الذين عبّروا صراحة عن رفضهم للقانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة. وانضمت إلى هذا الرفض أحزاب سياسية معارضة، حين قررت سحب نوابها من جلسة التصويت التي شهدها مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي)، وهددت باللجوء إلى “المحكمة الدستورية” للطعن في المشروع الذي قالت إنه “يمسّ بمبدأ التنظيم الذاتي واستقلالية مهنة الصحافة”، وهو الموقف نفسه الذي عبّرت عنه أيضا “الفدرالية المغربية لناشري الصحف”.

وسادت جلسة التصويت في البرلمان أجواء متوترة، بعدما انسحبت فرق ومجموعات نيابية معارضة، احتجاجا على ما وصفته بـ “تجاهل” الحكومة والأغلبية البرلمانية لمقترحات التعديل التي تقدمت بها، ورفض إعادة فتح النقاش التفصيلي حول عدد من المواد الخلافية. وشمل الانسحاب كلًّا من الفريق الحركي (الحركة الشعبية)، والفريق الاشتراكي (الاتحاد الاشتراكي)، وفريق الاتحاد المغربي للشغل، ومجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، بالإضافة إلى مستشاري الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب.

ولم يقتصر احتجاج المعارضة على الانسحاب من الجلسة، بل تجاوزه إلى المطالبة بإحالة مشروع القانون على “المحكمة الدستورية”، بمبرر وجود شبهة عدم انسجام بعض مقتضياته مع الدستور، خاصة تلك المتعلقة بضمانات حرية التعبير، واستقلالية المجلس الوطني للصحافة، وطريقة تشكيله، وتمثيلية الصحافيين والناشرين داخله.

واحتدت المواجهة داخل الغرفة الثانية للبرلمان، أكثر مما حصل بالغرفة الأولى (مجلس النواب)، بعد استعمال الوزير محمد المهدي بنسعيد لما وصفته بعض التقارير الإعلامية بـ “الفيتو” في مواجهة تعديلات المعارضة، وإعلانه الصريح رفضها، إذ تمسكت الحكومة في ما يتعلق بانتخابات “المجلس الوطني للصحافة” بالصيغة التي تقضي باعتماد الاقتراع الفردي المباشر بالنسبة للصحافيين، مقابل آلية الانتداب لفئة الناشرين، رافضة مقترحات اعتماد الاقتراع باللائحة (كما حصل في الولاية الأولى للمجلس المذكور).

ويبقى التأكيد على اعتماد نمط الاقتراع الفردي في انتخاب ممثلي الصحفيين سيؤدي إلى إقصاء ممثلي بعض الفئات المهنية من الصحفيين وقد يفتح المجال أمام هيمنة فئة واحدة خلافا للانتخاب باللائحة وبالتمثيل النسبي الذي يسمح بضمان تعددية في تمثيلية مختلف أنواع الصحافة من الورقية والإلكترونية، والسمعية البصرية والجهوية وصحافة وكالة الأنباء الرسمية.

وحاول وزير الثقافة نفي تهمة كونه ينتصر لجهة واحدة هي “الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين” التي يقودها ناشر مثير للجدل، وقال: “الحكومة ليست لها أجندة أو توجه سياسي يخدم طرفا على حساب طرف آخر، وأن الهدف الوحيد هو الخروج بمجلس وطني للصحافة يعزز حرية المهنة ويقوي استقلاليتها”، لكن فئة واسعة من الصحافيين تقول عكس ذلك، وتستشهد بمضامين المشروع، خصوصا ما يتعلق بتمثيلية الهيئات المهنية وطريقة اختيارها.

وكتب الرقاص محتات مدير صحيفة “بيان اليوم” افتتاحية، انتقد فيها “تمسك الوزير برفض الانتخاب لفئة الناشرين واستبدال ذلك بتعيين الحواريين والشلة وأبطال فضيحة الفيديو” (في إشارة إلى الفيديو المسرب حول مداولات لجنة الأخلاقيات في شأن قضية الإعلامي حميد المهداوي”. كما انتقد تمسك الوزير بـ “بإبعاد فئة الصحافيين عن أي تنظيم نقابي وإغراق العملية كلها في لعبة فردانية من شأنها تيسير الهيمنة والتحكم في كل شيء”.

وأوضح محتات الذي يرأس فدرالية ناشري الصحف أن مشروع القانون الحالي “ترفضه معظم المنظمات المهنية للصحفيين والناشرين عدا تنظيم جمعوي واحد لأسباب معروفة ومفضوحة، كما ترفضه أغلب منظمات حقوق الإنسان وعشرات الجمعيات المدنية”، مضيفا أن المشروع “انتقده خمسة وزراء اتصال سابقين وأحزاب ونقابات، كما سجلت مؤسستان دستوریتان انتقادات قوية في حقه، وتعددت الاحتجاجات ضده، وكل هذا رسخ رفضا مهنيا ومجتمعيا واسعا ضد هذا التشريع الحكومي”، ومع ذلك ـ يقول الرقاص محتات ـ “بقي الوزير وحده شاهرا سيفه الخشبي وعناده الغريب في وجه الجميع، وأصر على تمرير قانونه بلا أي تعديل أو مراجعة مهما حصل”.

وصدر بيان مشترك يحمل توقيع كل من النقابة الوطنية للصحافة المغربية والفدرالية المغربية لناشري الصحف والجامعة الوطنية للإعلام والصحافة والاتصال والنقابة الوطنية للإعلام والصحافة والكونفدرالية المغربية لناشري الصحف والإعلام الإلكتروني.

وأكد البيان استنكار هذه الهيئات الشديد تصويت الأغلبية الحكومية ضد جميع التعديلات التي تقدمت بها مكونات المعارضة في مجلس المستشارين، واعتبر أن “عدم تقديم أي تعديل في الموضوع إعلان صريح وفاضح عن الانخراط المباشر في مخطط بلقنة قطاع الصحافة، عبر الإجهاز على مؤسسة التنظيم الذاتي للمهنة، وجوهرها القائم على الانتخاب والاستقلالية والديمقراطية والتعددية والعدالة التمثيلية”. وقررت الهيئات المذكورة “التنفيذ الفوري والعاجل لبرنامج احتجاجي تصاعدي”، لمواجهة ما وصفته بـ “المشروع المشؤوم الجائر والتكبيلي”، مؤكدة أن المعركة ستأخذ “كل الأشكال والصيغ النضالية والكفاحية وطنيا، إضافة إلى الترافع أمام المؤسسات الدولية والقارية ذات الصلة”.

ورأى الإعلامي توفيق ناديري أن إصرار الحكومة على تمرير القانون دون تعديل، مقابل انسحاب المعارضة، يحمل دلالات قوية، معتبرا أن “معركة كسر العظام اشتدت”، ومشيرا إلى أن القانون في طريقه إلى المحكمة الدستورية.

أما محمد كريم بوخصاص، أستاذ الصحافة والإعلام في جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، فقد تحدث عن “تشييع التنظيم الذاتي للصحافة”، معتبرا أن المشروع “مفصّل على مقاسات معينة ويتراجع عن مكتسبات أساسية”.

بدوره، أكد الإعلامي محمد سراج الضو أن المشروع “غير توافقي ومرفوض من أغلبية المهنيين، صحافيين ومقاولات”، معتبرا أنه تجاهل توصيات هيئات دستورية، من بينها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.