
أفريقيا برس – المغرب. عشية عيد العمال العالمي الذي يصادف الأول من أيار/ مايو من كل سنة، قررت الحكومة المغربية زيادات مهمة في أجور الموظفين بالقطاع العام وعموم الأجراء في القطاع الخاص، وجرى التوقيع على الاتفاق مع المركزيات النقابية التي تُنعت بـ”الأكثر تمثيلية”.
الزيادة التي وصفت بـ”المهمة” لدى موظفي القطاع العام، تمثلت في 1000 درهم (98 دولارا)، على دفعتين، لكن خلافا وقع بين الحكومة والنقابات حول تنفيذ هذه الزيادة، ففي وقت طالبت فيه النقابات أن يتم تفعيل الشطر الأول من الزيادة، والمحدد في 500 درهم (49 دولارا) ابتداء من تموز/ يوليو المقبل، ثم الشطر الثاني في نفس الشهر من السنة المقبلة، تمسكت الحكومة على أن تكون الزيادة الأولى في تموز/ يوليو 2025، ثم الزيادة الثانية في الشهر نفسه من سنة 2026، بمعدل 500 درهم في كل دفعة، وفق ما ذكر مصدر إعلامي. زيادة أخرى غير مرئية لكنها ملموسة، تجلت في تخفيض ضريبي يضيف إلى راتب الموظف حوالي 400 درهم (39 دولارا) والحذف الضريبي بالنسبة للموظفين أصحاب الأجر الذي يقل عن 6000 درهم (593 دولارا)، أما عموم الأجراء في القطاع الخاص، فقد تقررت الزيادة في أجورهم بنسبة 10 في المئة على دفعتين أيضا.
الاتفاق الموقع أعقبته موجة من النقاش بين الفرح والتوجس من هذه الزيادة التي يبدو أنها توجت بداية الشوط الجديد من الحوار الاجتماعي، بعض الموظفين في القطاع العام اعتبروها ظرفية، والبعض الآخر صفق لها وبدأ يكيف نفسه مع مستجدات الراتب الجديد، في حين انتقد بعض السياسيين تأخر حكومة أخنوش في إقرار ذلك.
لكن الغائب الأكبر عن النقاش بعد إعلان هذه الزيادة، هو استعداد النقابات المركزية لتخليد عيد العمال العالمي، وحسب بعض المتتبعين، فإن الأمر سيقتصر على الاستعراض السنوي وبعض الشعارات التي تتردد كل سنة، والمزيد من الملفات المطلبية، لكن بعيدا عن الاحتقان الذي نفّسته قليلا زيادة الأجور.
حدث تاريخي
بالنسبة لرئاسة الحكومة، فقد وصفت الاتفاق على لسان عزيز أخنوش بـ “الحدث التاريخي” و”مكسب جديد لتحسين أوضاع الطبقة الشغيلة”، وفي بيانها قالت أيضا إن “هذا الاتفاق يشكل ثمرة للجهود التي بذلتها كل الأطراف، من خلال ما تم تقديمه من مقترحات ومقاربات للوصول إلى حلول مقبولة للملفات المطلبية المطروحة لتحسين أوضاع الأجراء والحفاظ على تنافسية المقاولة الوطنية والتزاماتها الاجتماعية، وكذا استكمالا لتنزيل الالتزامات المتضمنة في اتفاق 30 نيسان/ أبريل 2022 الذي أرسى أسس الحوار الاجتماعي”.
وأجمعت المركزيات النقابية على أهمية الاتفاق الذي يتعلق بالزيادة العامة في أجور الموظفين بالقطاع العام وأيضا الخاص، مؤكدة حرصها على “انتزاع” هذه المكسب الذي يوجد على رأس ملفها المطلبي.
أما عموم الرأي العام، فقد تابع عن كثب تفاصيل الاتفاق وتداول على منصات التواصل الاجتماعي الزيادات بالنسب والدفعات والتواريخ المحددة لذلك، واجتهد البعض في الاحتفال، لكن البعض الآخر رفض “تسبيق العرس بليلة” كما قيل في تدوينة. بعض الذين لا يرون من الكأس إلا الجزء الفارغ، انهالوا على النقابات قبل الحكومة بسياط النقد، ومنهم مَن اعتبر الاتفاق مجرد “ذرا للرماد في العيون” إلى حين مرور عيد العمال، وتخفيف حدة الاحتقان الذي يشمل عدة قطاعات، وبالتالي فهو طارئ واضطراري. الرد كان جاهزا من أصحاب الجزء الممتلئ للكأس، حين أكدوا أن تظاهرات عيد العمال ليست مصدر قلق للحكومة، حتى الاحتجاجات المتوالية في عدد من القطاعات يمكن التعامل معها بطريقة أو بأخرى، ويختصر بعضهم المسافة بالقول، إن الحكومة قررت اختيار التوقيت المناسب فقط.
لكن حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي المعارض، كان له رأي آخر مغاير تماما لمجريات الأمور، ولم يتردد رئيس مجموعته في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) عبد الله بوانو، في التساؤل بصيغة الاتهام الموجه للحكومة عما إذا كان إقرار هذه الزيادة الآن “نوعا من الرشوة لانتخابات 2026؟”.
وتحدث بوانو مخاطبا وزير الشغل يونس سكوري، خلال جلسة الأسئلة الشفوية في مجلس النواب، عن إقصاء الحكومة في حوارها لنقابات وازنة، واقتصارها على البعض فقط، كما وصف الاستثناءات التي همت بعض الفئات من الزيادة بـ”غير منطقية، بل غير عادلة داخل القطاع الواحد”. وفيما يشبه الوعيد، قال عبد الله بوانو، إن موقف مجموعته البرلمانية من الاتفاق المعلن عنه بين الحكومة وبعض النقابات سيتم التطرق إليها بتفصيل قريبا، ولم يفته تسجيل التأخر في إقرار الزيادة في الأجور لمدة سنتين.
كلمة “الارتشاء” أثارت حفيظة الفريق النيابي لحزب “التجمع الوطني للأحرار” وطالب بعدم إدراجها في محضر الجلسة العمومية المخصصة للأسئلة الشفوية. وفي رده على اعتبار الزيادة في الأجور بموجب الاتفاق الاجتماعي الجديد، الموقع بين الحكومة والمركزيات النقابية، إرشاء للمواطنين في الانتخابات المقبلة، طالب يونس السكوري، وزير الشغل، المعارضة بالتحلي بخصال الاعتراف وتهنئ 4 ملايين و250 شخصا من موظفي القطاع العام وأجراء القطاع الخاص بالزيادة في الأجور ومراجعة الضريبة على الدخل.
«اتفاق الغموض»
أما نقابة “الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب”، الذراع النقابي لحزب “العدالة والتنمية”، فقد قررت التحفظ، وأعلنت عن مخالفتها ورفضها للصيغة والمقاربة والمنهجية التي تدير بها الحكومة الحوار مع هذه النقابات، ووصفتها بـ”اتفاق الغموض” الذي تضمن الكثير من النوايا والقليل من الإجراءات المجدولة زمنيا وماليا.
وأعلنت النقابة في بيان تلقت “القدس العربي” نسخة منه، رفضها المساس بحقوق الشغيلة المغربية ومكتسباتها في الملفات الاجتماعية الكبرى كالتقاعد، والحق في الإضراب وإقصاء المتقاعدين وبعض مكونات الشغيلة المغربية من الزيادة العامة في الأجور والالتفاف على حقوقها.
كما رفضت ترحيل الزيادة في الأجور بالنسبة للقطاع الخاص إلى السنوات المقبلة، بما يمثل التفافا غير مبرر لحق شغيلة القطاع الخاص في زيادة مباشرة حقيقية في أجورهم.
وبعدما سجلت بإيجابية الإجراءات الرامية لتحسين دخل الأجراء، من قبيل الزيادة العامة في الأجور وزيادة الحد الأدنى للأجر في القطاعات الزراعية وغير الزراعية، اعتبرت أن هذه الإجراءات “تظل غير كافية ولا تعالج بالشكل المطلوب إشكالات الوضع الاجتماعي المرتبطة بنزيف القدرة الشرائية للشغيلة، جراء استمرار غلاء أسعار المحروقات والمواد المعيشية الأساسية والارتفاع المتواصل لنسبة التضخم.” كما اعتبرت أن برمجة التخفيض الضريبي ومنهجيته الانتقائية، على أهميتها، لن تحقق العدالة الجبائية المنشودة.
واستنكرت نقابة “الاتحاد الوطني للشغل” عدم الوضوح في الاتفاق فيما يخص المحور التشريعي، حيث لم تقدم بنود الاتفاق أي رؤية مندمجة موحدة تحدد الخطوط العريضة للقانون المنظم للحق في الإضراب وقانون النقابات ومراجعة قانون مدونة الشغل، ولا أي جدولة صريحة لإصدارها. في الساحة الرقمية، توالت التدوينات، ومنها ما نشره رئيس الحكومة على صفحته الرسمية بالفيسبوك، الذي أكد أن الاتفاق الموقع مع المركزيات النقابية في إطار جولة نيسان/ أبريل من الحوار الاجتماعي “تاريخي وهام” سيساهم في تحسين أوضاع الطبقة الشغيلة، التي لطالما حظيت باهتمام العاهل المغربي محمد السادس.
بينما اختار الأكاديمي والمحلل السياسي، عمر الشرقاوي، أن يطل على متابعي صفحته بتدوينة في رد مبطن على تهمة “رشوة الانتخابات” التي وجهها البرلماني بوانو للحكومة، وقال في مطلعها “أنا متيقن أن هذه الأرقام، ولو كانت مثلا في عهد حكومة عبد الاله بنكيران، لظل يتحدث عنها حتى تقوم الساعة وتشرق الشمس من مغربها. لكن للأسف هناك من يخاف من إنجازاته، أو يقول في نفسه دع الإنجازات تتحدث عنا”.
ولاحظ مدون أن “الحكومة تستثني التعليم والصحة من الزيادات الأخيرة”، بينما اعتبر آخر الخبر “سارا لموظفي الإدارات العمومية والمجالس المحلية والمؤسسات العمومية”، وبعض النقابات التي شرعت في الإعداد لعيد العمال منذ نيسان/ أبريل المنصرم، هيأت لافتات كتبت عليها شعارات من قبيل “التزام دائم لحماية الحقوق وصيانة المكتسبات”.
الحق في الإضراب
في سياق متصل، كشفت مضامين الاتفاق الذي وقعه رئيس الحكومة عزيز أخنوش مع زعماء المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا، عن اتفاق الطرفين على إخراج مشروع القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب قبل اختتام الدورة البرلمانية الربيعية لسنة 2024، أي قبل نهاية تموز/ يوليو. ولاحظت صحيفة “صوت المغرب” الإلكترونية أن هذا الاتفاق يكشف للمرة الأولى تخلي النقابات الأكثر تمثيلا عن أحد أبرز مطالبها والمتمثل في سحب المشروع المذكور وإعادته لطاولة الحوار، حيث رفضت خلال الولاية السابقة عرض حكومة سعد الدين العثماني بإدخال تعديلات عليه داخل لجنة البرلمان. وأضافت أن النقابات لم تقدم أي تفسير لتراجعها عن هذا المطلب، لكن مصادر مطلعة كشفت أن حكومة عزيز أخنوش أكدت للنقابات أن سحب هذا المشروع غير ممكن، نظرا لكونه تمت المصادقة عليه في المجلس الوزاري برئاسة العاهل محمد السادس، وبالتالي من غير المقبول عُرفيا إعادته إليه مرة أخرى، وفق المصدر المذكور الذي رجح أن تكون الحكومة المغربية ربطت بين تمرير مشروع الإضراب والدفعة الأولى من الزيادة العامة في الأجور.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس