أفريقيا برس – المغرب. هل ستكرّس إصلاحات القانون الانتخابي مبدأ التمثيل والتصويت المباشر للمغاربة حول العالم من بلدان إقامتهم؟ في سياق المشاورات الجارية بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية، ترك الاجتماع المنعقد يوم الجمعة الماضي هذا السؤال مفتوحًا. ففي هذه المرحلة، يظل الموضوع مثار جدل إلى حدّ أن الوزارة أبقته ضمن جدول أعمالها باعتباره محورًا ما زال النقاش حوله قائمًا.
ورغم أن الاجتماع تطرّق لمسألة المشاركة، فإن خيار زيادة عدد مقاعد البرلمان أو اعتماد تقسيم جديد مغاير جذريًا للمعمول به حاليًا لم يُطرح بعد. وتبقى الأسئلة قائمة حول الصيغة التي ستتيح للمغاربة المقيمين بالخارج المشاركة في الاستحقاقات المقبلة. ومن بين الأفكار المتداولة: تبسيط إجراءات التصويت بالوكالة، أو توفير دعم مالي للأحزاب التي تُدرج مرشحين من مغاربة الخارج على رأس لوائحها المحلية.
بعبارة أخرى، حتى مذكرات الأحزاب السياسية ما زالت تعكس مواقف غير محسومة. ومع ذلك، فإن فكرة المشاركة المباشرة عبر التصويت في بلد الإقامة أو من خلال إدراج ممثلين في القوائم الوطنية وردت في مواقف عدد من الأحزاب، بينها التقدم والاشتراكية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والعدالة والتنمية، والاستقلال، والحركة الشعبية، وفيديرالية اليسار، واليسار الأخضر، والاشتراكي الموحد. غير أن حزب التقدم والاشتراكية يظل الحزب الوحيد الذي يدعم بوضوح التصويت من الخارج، عبر التمثيليات القنصلية، على غرار ما جرى في استفتاء 2011.
آراء موحدة ومسارات متباينة: الفجوة بين الأحزاب
يؤكد سالم فكري، رئيس ومؤسس جمعية “كاب سود مغاربة العالم”، في حديثه مع “يابلادي”، أن هناك فجوة بين المواقف المعلنة والمبادرات الفعلية. فمنذ دستور 2011، وقّعت جمعيته اتفاقيات التزام لصالح المشاركة السياسية المباشرة لمغاربة العالم مع أربعة أحزاب كبرى: اثنان من الأغلبية الحكومية واثنان من المعارضة، وهي التقدم والاشتراكية، والعدالة والتنمية، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال.
وترتكز النقطة الجوهرية في مقترحات الجمعية، الموقّع عليها من قبل هذه الأحزاب، على “الدفاع الأفضل عن مصالح المغاربة المقيمين بالخارج” من خلال تفعيل المواد 16 و17 و18 و163 من الدستور، وذلك عبر إحداث هيئة خاصة بمغاربة الخارج داخل مجلس المستشارين، “أو إحداث دائرة انتخابية جديدة تمثلها القارات الخمس، بحيث يُراعى، قدر الإمكان، التناسب بين عدد الممثلين وعدد أفراد الجالية المغربية في كل منطقة”.
اليوم، يشدد فكري على أن “جميع الأحزاب السياسية، باختلاف توجهاتها، عبّرت دائمًا عن دعمها لمبدأ التصويت والتمثيل المباشر لمغاربة العالم، حتى أن غياب هذه المشاركة يبدو غير منطقي”. غير أن هذا الموقف “لم يُترجم بالقدر نفسه في المذكرات المرفوعة أو القرارات المتخذة، باستثناء حزب التقدم والاشتراكية الذي التزم بهذا التعهد بندًا بندًا”، على حدّ تعبيره.
“لا أعرف الأطراف أو المسؤولين عن هذه اللامبالاة، لكن هذا هو الخطاب الذي يُوجَّه إلينا بخصوص هذه المسألة. حتى الآن، ظل موقف حزب التقدم والاشتراكية منسجمًا مع التوجه الذي ندافع عنه، ويبدو أنه الحزب الوحيد الذي يتبنى هذا الملف كما ينبغي، ويعكس الاهتمام الحقيقي الذي يوليه المغاربة المقيمون بالخارج.”
سالم فكري – كاب سود مغاربة العالم داخل المجلس المدني الديمقراطي للهجرة المغربية، يعبّر صلاح الدين المنوزي بدوره عن استيائه من التأجيل المتكرر لملف المشاركة المباشرة. وهو صاحب مذكرة في هذا الموضوع، حيث استعرضت منظمته العراقيل التي تحول دون تفعيل هذا الحق، وذلك منذ أبريل الماضي خلال ندوة صحفية بالرباط.
ويقول المنوزي: “من جهة، يؤكد وزير الداخلية، في رده على سؤال برلماني، أن هذه القضية تدخل ضمن اختصاص الأحزاب السياسية، لأنها صاحبة القرار في التصويت على القانون الانتخابي. لكن في الوقت نفسه، جرى اللجوء إلى شكل من أشكال الفيتو في كل محطة انتخابية، كما حدث في انتخابات 2015 ثم في 2021. مع ذلك، تبقى وزارة الداخلية وزارة سيادية، والتوجيهات الملكية في هذا الباب واضحة.”
ويضيف المتحدث أن بعض الأحزاب السياسية تجد صعوبات في ترشيح أبناء الجالية. “قدمت ترشيحي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لخوض الانتخابات التشريعية بدائرة الدار البيضاء–أنفا. كان خيارًا طبيعيًا في حي نشأت فيه، مع امتداد عائلي لعائلة المنوزي، وشبكة جمعوية، ودعم من التجار، فضلًا عن الحافز المالي الذي يتيحه القانون الانتخابي في حالة ترشيح مغاربة العالم… لكن، للأسف، فضّل الكاتب الأول للحزب شخصية أخرى بارزة، متجاوزًا كل هذه المؤهلات.”
وفي هذا السياق، يحمّل الناشط الأحزابَ مسؤولية واضحة، معتبرًا أنها “لا تُظهر استقلالية وتفتقر إلى الإرادة السياسية، في حين يركّز بعض قادتها على مصالحهم الشخصية إلى درجة الادعاء بأن مغاربة العالم يريدون أخذ مكانهم”.
“مع استمرار المشاورات حول انتخابات 2026، يجب أن يسود منطق العقل. ففي خطابه الأخير، تحدث جلالة الملك عن المخاطر التي تهدد المغرب مستقبلًا في ظل نظام بسرعتين. لذلك، لا ينبغي القبول بمواطنة بسرعتين.” صلاح الدين المنوزي – المجلس المدني الديمقراطي للهجرة المغربية
من جانبه، يأمل سالم فكري “ألا تتحول الترتيبات والمقترحات المتعلقة بتصويت وتمثيل المغاربة المقيمين بالخارج إلى مجرد ورقة للتفاوض بشأن ملفات أخرى في السياسة الوطنية، إذ إن هذا الملف جزء لا يتجزأ منها”. ويضيف: “منذ دستور 2011، نحن أمام رابع انتخابات تشريعية، وحان الوقت لوضع حد لهذا الجمود.”
الاستفادة من تجارب متعددة لتنزيل مناسب
يرى صلاح الدين المنوزي أنه لا يوجد “نموذج وحيد للتمثيل البرلماني للمواطنين المقيمين بالخارج”. وإلى جانب النقاط التسع التي تضمنتها مذكرة المجلس المدني الديمقراطي للهجرة المغربية والمقدمة إلى وزارة الداخلية، يطرح وجهة نظر شخصية تدعو إلى “إحداث دائرة انتخابية واحدة بالخارج تضم ثلاثة عشر نائبًا”.
يقترح الناشط أيضًا تحديد شروط دقيقة لقائمة المنتخبين لضمان تمثيلية فعلية، من بينها: “الإقامة الفعلية لمدة لا تقل عن خمس سنوات، تمثيل ثلاث قارات وست دول على الأقل، وعدم الجمع بين هذا الانتداب وأي ولاية انتخابية في بلد الإقامة أو مسؤولية حكومية.” كما يشير إلى إمكانية “الاستفادة من تجارب فرنسا والبرتغال وتونس والسنغال… من أجل خوض تجربة مغربية ثانية بعد الأولى”، مذكّرًا بأن “انتخابات مباشرة لمغاربة الخارج جرت فعلًا سنة 1984”.
من جانبه، يرى الأستاذ الجامعي والباحث المتخصص في قضايا الهجرة، عبد الكريم بلقندوز، أن تلك التجربة السابقة يمكن أن تكون مصدر إلهام لتطوير ترتيبات جديدة تتيح التصويت والتمثيل المباشر للمغاربة المقيمين بالخارج، بشكل ينسجم مع التطورات السياسية والمؤسساتية التي شهدها المغرب. ويؤكد: “برأيي، بعض الحجج التي تُستعمل اليوم ضد هذه المشاركة متجاوزة. إذ لا يزال هناك من يعتبر تلك التجربة فاشلة على جميع المستويات، بينما أرى أنها قدّمت دروسًا ينبغي الاستفادة منها لتفادي تكرار الأخطاء نفسها.”
في ذلك الحين، كانت مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج ممكنة عبر خمس دوائر انتخابية خارجية: باريس، ليون (التي شملت باقي فرنسا)، بروكسل (لبلجيكا والبنلوكس وصولًا إلى الاتحاد السوفيتي السابق)، مدريد (لإسبانيا والبرتغال وإيطاليا والأمريكيتين وأفريقيا)، وتونس (لتونس وبقية المنطقة العربية). “القول بأن التجربة كانت سلبية بشكل عام يرتبط بعوامل عديدة، خصوصًا على المستوى التنظيمي. واليوم، تقع مسؤولية استخلاص الدروس على عاتق المنظمين لضمان عملية أنجع”، يوضح بلقندوز.
“غالبًا ما يُصدر حكم قاسٍ على أداء النواب الخمسة الذين انتُخبوا سنة 1984 لتمثيل مغاربة الخارج، لكن ينبغي الاعتراف بأنهم قاموا بأدوار مهمة في العمل البرلماني الموازي، من تواصل مع مختلف الوزارات، وتوعية، ومشاركة في وفود متنوعة، الأمر الذي ساهم في بلورة العديد من الأفكار على المدى الطويل، مثل إحداث الشباك الوحيد أو الوزارة المنتدبة.” عبد الكريم بلقندوز
ويعتبر الباحث أن هذه كلها مسارات للتفكير ينبغي النظر إليها في سياقها السياسي آنذاك، مع استحضار تطور الظروف لاحقًا، من أجل المضي نحو مشاركة مباشرة وفعّالة. ويشدد: “لا تُلغى الدوائر الانتخابية لمجرد أن ممثليها تعرضوا لانتقادات، تمامًا كما لا يتم إلغاء السلطة التنفيذية بسبب أوجه قصورها؛ بل المطلوب هو تغيير في الملفات الشخصية مع إيلاء الأولوية للكفاءات.”
ويؤكد عبد الكريم بلقندوز على “ضرورة الحفاظ على الرابط مع الأمة والوطن”. ويضيف: “لقد تناول الملك محمد السادس مسألة الانتماء إلى الأمة في خطبه، وهي رؤية استراتيجية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، ليس فقط في إطار الإصلاح المؤسسي المتعلق بتمثيلية مغاربة العالم، بل أيضًا ضمن رؤية شمولية تجعل البعد الديمقراطي والسياسي في صلبها.”
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس