بعدما تبخر «كابوس» الرقابة البرلمانية: المعارضة المغربية تمنح «هدية» ثمينة لحكومة أخنوش

1
بعدما تبخر «كابوس» الرقابة البرلمانية: المعارضة المغربية تمنح «هدية» ثمينة لحكومة أخنوش
بعدما تبخر «كابوس» الرقابة البرلمانية: المعارضة المغربية تمنح «هدية» ثمينة لحكومة أخنوش

أفريقيا برس – المغرب. لا شك في أن رجل الأعمال المغربي ورئيس حزب «التجمع الوطني للأحرار»، عزيز أخنوش، تنفس الصعداء، وهو يتلقّى خبر فشل المعارضة في التوافق على تقديم «ملتمس الرقابة» لإسقاط الحكومة التي يرأسها. بدا وكأن العاصفة مرت من فوقه دون أن تمسه، فالمعارضة التي لوّحت، وترددت، ثم تراجعت، منحته ما لم يكن يتوقعه: هدنة سياسية مجّانية وسط بحر من الانتقادات الاجتماعية والاقتصادية.

في تلك اللحظة، ربما أحس الرجل الثاني في البنية الهرمية للدولة، بعد الملك، بأنه استعاد زمام المبادرة دون أن يحرّك ساكنًا، وكأن خصومه أهدوه، عن قصد أو عن غير قصد، دفعة جديدة من الثقة، أو على الأقل، فرصة لينام ملء جفونه قرير العين، وقد تبخر «كابوس» الرقابة البرلمانية.

وتتشكل المعارضة البرلمانية في المغرب من أربعة أحزاب أساسية، هي «العدالة والتنمية» و»الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» و»الحركة الشعبية « و»التقدم والاشتراكية «، لكنها لم تنجح في بلورة موقف موحد، بسبب غياب التنسيق الفعلي، والتردد السياسي، والحسابات التنظيمية، مما أدى إلى تجميد مبادرة «ملتمس الرقابة» في مهدها.

إلى جانب تلك الأحزاب، يتموقع «الحزب الاشتراكي الموحد» في موقع معارض مستقل وجذري، لكن دون أي تنسيق يُذكر مع باقي مكونات المعارضة. ورغم قوة خطابه الإعلامي والنضالي، فإن تمثيليته البرلمانية المحدودة (نائبتان فقط)، لا تمكّنه من التأثير الملموس داخل المعادلات التشريعية الكبرى. ويُفضل الحزب أن يغرد خارج السرب، متمسكًا بمواقفه الخاصة، حتى وإن كان ذلك يقلّص من قدرته على التأثير المشترك أو صياغة مبادرات جماعية.

فشل في تفعيل أداة دستورية

وينص الفصل 105 من الدستور على إمكانية تقديم ملتمس رقابة من طرف خُمس أعضاء مجلس النواب، وهي أداة رقابية دستورية بالغة الأهمية، كان من شأن تفعيلها أن يعيد الاعتبار للعمل البرلماني، حتى دون إسقاط فعلي للحكومة. لكن الخلافات، والتباعد الإيديولوجي، وغياب هيئة قيادية تنسيقية مشتركة حال دون بلوغ النصاب السياسي والمعنوي المطلوب. وبذلك، خرجت الحكومة رابحة من المعركة دون أن تخوضها، مستفيدة من ضعف خصومها أكثر من قوة مواقفها.

وفي المقابل، برزت انقسامات واضحة داخل صفوف المعارضة، خاصة عقب قرار حزب «الاتحاد الاشتراكي» التراجع عن تقديم «ملتمس الرقابة» ضد حكومة عزيز أخنوش، ما أثار موجة من الغضب والاتهامات المتبادلة بين مكونات المعارضة. فبينما اعتبر حزب «التقدم والاشتراكية» ما حدث تراجعًا عن «محاكمة الحكومة»، رأى فيه حزب «العدالة والتنمية» «نقضًا للعهود»، في حين تساءل حزب «الحركة الشعبية» عمّن «اختلس» هذا الملتمس، مشددًا على أن المبادرة كانت جماعية ولا تخصّ طرفًا دون غيره.

نبيل بنعبد الله، أمين عام حزب «التقدم والاشتراكية»، اتهم شركاءه في المعارضة بالسعي وراء تسجيل النقاط و»الظهور بمظهر الزعامة»، عوض تغليب المصلحة الوطنية. أما عبد الله بووانو، القيادي في حزب «العدالة والتنمية»، فأعرب عن استغرابه الشديد لما وصفه بخيانة الالتزام، متسائلًا إن كان القرار نتيجة صفقة أو ضغط. أما محمد أوزين، أمين عام حزب «الحركة»، فرأى في قرار حزب إدريس لشكر مفاجأة غير مفهومة، متهمًا إياه بمحاولة توجيه التهم لباقي أطراف المعارضة دون وجه حق.

هذا الجدل أعاد طرح مسألة وحدة المعارضة على المحك، حيث بدا أن الصراع الانتخابي بدأ يلقي بظلاله على مكوناتها، تمامًا كما يحدث داخل صفوف التحالف الحكومي. ورغم بعض التفاعلات الفاترة على منصات التواصل الاجتماعي، فقد عبّر عدد من النشطاء عن استيائهم من قرار الانسحاب، ووجه بعضهم انتقادات حادة للكاتب الأول (الأمين العام) لحزب «الاتحاد الاشتراكي»، إدريس لشكر، معتبرين أن مواقفه لا تتسم بالثبات، وذهب البعض إلى القول إن الانسحاب قد يشكل فرصة لباقي مكونات المعارضة لإعادة ترتيب أوراقها وتطوير خطاب أكثر انسجامًا ومصداقية. أما المعني بالأمر، لشكر، فقد دافع عن موقفه خلال الدورة العادية للمجلس الوطني للحزب، مشددًا على أن قراره ناب عن رغبة في «عدم تضليل الشعب»، معتبرًا أن الواقع السياسي والمؤسساتي الحالي لا يوفر الظروف الملائمة لاستخدام أدوات الرقابة، بسبب «تغول الحكومة» وتعطيل آليات المساءلة منذ انتخابات 2021.

معارضة رقمية قوية

في مقابل هذا الارتباك داخل المعارضة الحزبية، برزت معارضة رقمية موازية، تنشط بقوة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ويتزعمها إعلاميون بارزون ومؤثرون رقميون ونشطاء حقوقيون ومثقفون مستقلون. هذه «المعارضة» تمارس تأثيرًا متناميًا عبر تدوينات نقدية حادة على فيسبوك وإكس (تويتر سابقًا)، وبرامج «بودكاست» و»يوتيوب» تحظى بمتابعة كبيرة، وتحليلات سياسية حية ترافق النقاش العام وتؤطره خارج الرقابة الحزبية.

لقد تحولت هذه المنصات إلى ساحة حقيقية لمساءلة السياسات العمومية، وأصبحت تشكل، بشكل غير مباشر، سلطة مضادة للرأي الرسمي، وغالبًا ما تبادر في التعبير عن هموم المواطنين قبل الأحزاب.

لقد وجدت أحزاب الأغلبية الثلاثة (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال) نفسها في وضع مريح، إذ لم تواجه أي تهديد جدي داخل البرلمان. ويبدو أنها استفادت سياسيًا من تشرذم المعارضة، لتكرّس صورة «الاستقرار»، في حين لا تملك المعارضة إلا لغة التنديد المعزولة وغير المصحوبة بأدوات ضغط فعالة.

وبالتالي، فإن ما حدث ليس مجرد فشل تقني في التنسيق، بل مؤشر على أزمة أعمق في المشهد السياسي المغربي، حيث تُعاني المعارضة من تشتت الرؤى، في حين تواصل الحكومة الدعاية لـ»منجزاتها»، بأريحية أكبر، رغم الانتقادات المتصاعدة، وعينها على انتخابات 2026.

وإذا استمر هذا الوضع، فإن البرلمان مهدد بأن يفقد جوهره كفضاء للمحاسبة، لصالح الفضاء الرقمي ومواقع التواصل، التي أصبحت بديلًا موازيًا لصوت الشارع، وإن كان بلا شرعية مؤسساتية.

ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع المعارضة، بحساسياتها المختلفة، أن تُرمّم الثقة في نفسها وفي العمل السياسي، أم إنها ستترك الحكومة تواصل طريقها بلا عوائق، تحت أنظار مجتمع غاضب، لكنه بلا صوت ممثل؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس