تسريع ملفات الفساد يثير قلق السياسيين قبل 2026

1
تسريع ملفات الفساد يثير قلق السياسيين قبل 2026
تسريع ملفات الفساد يثير قلق السياسيين قبل 2026

أفريقيا برس – المغرب. يثير موعد أيلول/ سبتمبر 2026 سؤالاً جوهرياً حول مدى استعداد الأحزاب المغربية، أغلبية ومعارضة، للانتخابات التشريعية المقبلة، وهو سؤال مرتبط من جهة بتقييم أداء الائتلاف الحكومي الثلاثي (التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال) ووضع وعوده الانتخابية السابقة وبرامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية على مجهر المُساءلة. ومن جهة أخرى، تُسلَّط الأضواء الكاشفة على أحزاب المعارضة ومدى قدرتها على التفاعل مع انتظارات المواطنين في مراقبة السياسات العمومية.

نقاش الانتخابات ينحصر في النخبة، سواء المثقفة أو الحقوقية أو تلك المعنية بالأمر بشكل مباشر وهي فئة السياسيين، أما المواطن فهو المرتكز الذي تستند عليه الدولة والأحزاب في إنجاح العملية الانتخابية، لذلك فإن رأيه يكتسب أهمية قصوى من هنا حتى موعد وقوفه أمام صندوق الاقتراع.

لكن للرأي العام زاوية نظر مختلفة نوعاً ما، فهو يركز على اختلالات مالية وتدبيرية على مستوى المنتخبين من مختلف الأطياف السياسية. وتساهم في ذلك الأخبار والتقارير الإعلامية التي تنشر في الصحافة المحلية، مسلطة الضوء على وقائع فساد أو قضايا تتداولها المحاكم بتهم تبديد المال العام وسوء تدبير الشأن المحلي.

تصفية الملفات المتراكمة

فهل تكون ملفات الفساد سبباً في جعل اقتراب موعد الانتخابات هاجساً مخيفاً لدى بعض المنتخبين؟ الجواب جاء في أنباء تفيد بأن هشام بلاوي، الوكيل العام للملك (المدعي العام) لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة، أعطى تعليمات مباشرة إلى الوكلاء العامين المكلفين بمحاكم جرائم الأموال، بضرورة التسريع في تصفية الملفات المتراكمة وتقليص مدة معالجتها، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية.

وحسب صحيفة «العمق» الإلكترونية، فإن توجيهات رئيس النيابة العامة جاءت في لقاء جمعه بالوكلاء العامين، أكد فيه أهمية التفاعل السريع مع التقارير التي ترد على النيابات العامة من المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة لوزارة الداخلية، باعتبارها تقارير رقابية ذات طابع استعجالي، وتتضمن عناصر قد تستوجب تحريك المتابعة القضائية. كما شدد على ضرورة إعطاء الأولوية لهذه القضايا حفاظاً على نزاهة المال العام وتعزيزاً للثقة في المؤسسات، مشيراً إلى أن بطء معالجة بعض الملفات يسيء إلى صورة العدالة ويعيق جهود محاربة الفساد.

تعليمات رئيس النيابة العامة تأتي عقب المشاورات التي دشنتها وزارة الداخلية مع الأحزاب السياسية استعداداً للانتخابات المقبلة، وتؤكد الرغبة في تنقية الأجواء من أي ضبابية قد تلف الاستحقاقات المرتقبة في موعدها الدستوري، مثلما أعلن عن ذلك العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب العرش. كما تأتي بناءً على الأهمية التي يوليها الرأي العام لقضايا المال العام وربط المسؤولية بالمحاسبة، وهي مواضيع كانت محل جدل ونقاش واسع، خاصة بعد القضايا العديدة التي تتداولها المحاكم المغربية حالياً.

الدولة، من جهتها، تعمل على أن تظل ثقة المواطن متواصلة في العملية الانتخابية، كما هو الحال بالنسبة للأحزاب السياسية أغلبيةً ومعارضة. غير أن المعارضة نشطت في الآونة الأخيرة ووجهت اتهامات مباشرة إلى الأحزاب الحكومية بشأن ما سمته استغلال إمكانات عمومية في حملات انتخابية سابقة لأوانها، وتوظيف برامج تشغيلية لجلب أصوات الناخبين.

فهل يدخل تسريع البت في ملفات تقارير المجلس الأعلى للحسابات ومفتشية وزارة الداخلية في صلب تعزيز ثقة المواطن المغربي في العملية السياسية؟

«بطبيعة الحال»، يقول عبد الحكيم قرمان، المحلل والباحث في العلوم السياسية، في تصريح لـ «القدس العربي»، لأن «تسريع البت في هذه الملفات ليس إجراءً إدارياً عادياً، بل هو خطوة جوهرية لإعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وفي صلبها العملية السياسية. حين تُعالج هذه الملفات بسرعة وشفافية، ويُربط كل تقصير أو تجاوز بمحاسبة حقيقية، يشعر المواطن أن المال العام مصان، وأن القانون فوق الجميع. أما التأخير أو الانتقائية، فيغذي العزوف السياسي ويضعف مصداقية العملية الديمقراطية. نحن في حزب البديل الاجتماعي الديمقراطي نعتبر أن تفعيل التقارير الرقابية وتحويلها إلى قرارات وأحكام نافذة هو أساس تأسيس دولة القانون، ومحرك لاستعادة ثقة المغاربة في السياسة كمجال لخدمة الصالح العام».

ربط المسؤولية بالمحاسبة

ورداً على سؤال حول كيف يمكن لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، المنصوص عليه في دستور البلاد، أن يسهم في تحسين صورة المنتخبين في أعين الناخبين ويعزز المصداقية في الاستحقاقات المقبلة؟ يؤكد الباحث نفسه أن «ربط المسؤولية بالمحاسبة هو العمود الفقري لأي ديمقراطية حقيقية، وهو ما أكده دستور المملكة بشكل واضح. حين يدرك المواطن أن المنتخب الذي منحه صوته سيُسأل عن قراراته ووفائه بوعوده، تتحسن صورة العمل السياسي وتتعزز الثقة في المؤسسات». وبالنسبة لقرمان فإن «غياب المحاسبة هو ما صنع الفجوة بين الناخبين ومن يمثلونهم، وأدى إلى فقدان الاحترام للمنتخبين. إذا طبقنا هذا المبدأ بصرامة وشفافية، فإننا سنفتح الباب أمام نخب سياسية نزيهة وكفؤة، وسنمنح للعملية الانتخابية مضمونها الحقيقي كعقد ثقة بين الناخب والممثل المنتخب. هذه هي المصداقية التي نحتاجها لإعادة الروح للمشاركة السياسية».

وفي سياق الحديث عن المال العام، الذي هو جوهر المتابعات القضائية لعدد من المنتخبين ما زالت ملفاتهم تتداولها المحاكم حتى اليوم، يبرز الحديث عن استعمال المال في استمالة الأصوات، وهي تهمة توجهها المعارضة للأحزاب الحكومية. كما تبرز مقترحات أخرى طرحتها أحزاب المعارضة، كما هو حال حزب «الاتحاد الاشتراكي» الذي دعا إلى استعمال التواصل الرقمي والذكاء الاصطناعي في الانتخابات المقبلة، وهو موضوع كان محور مائدة مستديرة نظمها حزب «التقدم والاشتراكية» (معارضة) تحت عنوان «استعمال الذكاء الاصطناعي في العمل السياسي.. الفرص والتحديات».

بعض الظرفاء تساءلوا: هل تستنجد المعارضة بالذكاء الاصطناعي في مواجهة قوة المال لدى الأغلبية؟ لكن حقيقة الأمر أن حتى أحزاب التحالف الحكومي، وعلى رأسها «التجمع الوطني للأحرار»، تستعمل التواصل الرقمي بشكل واسع، فهل الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في الانتخابات المقبلة ستحقق مبتغى الفرقاء في المشهد السياسي المحلي؟

في رأي عبد الحكيم قرمان: «الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة فعالة لدعم الشفافية والنزاهة إذا استُخدم في إطار إرادة سياسية حقيقية للإصلاح، لا كزينة تقنية»، لأن «في إمكانه تحديث اللوائح، ورصد المخالفات، وتحليل المعطيات بدقة وسرعة، مما يسهل مراقبة الإنفاق ويحد من التلاعب بالأصوات». لكنه يستدرك قائلاً: «إذا غابت الضمانات القانونية والرقابة المستقلة، فلن تتجاوز نتائجه الشكل». ويرى أن التكنولوجيا، بما فيها الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تكون حليفاً للديمقراطية، شرط أن توضع في خدمة النزاهة والمصداقية، وأن تظل وسيلة لتعزيز الثقة بين المواطن وصندوق الاقتراع، لا أداة لتكريس الشكوك أو تغطية العيوب القائمة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس