أفريقيا برس – المغرب. قضت غرفة الجنايات الاستئنافية في الرباط بخفض الحكم على النقيب ووزير حقوق الإنسان الأسبق محمد زيان إلى ثلاث سنوات سجناً نافذاً في التهمة التي يحاكم بموجبها والتي تتعلق بـ»اختلاس وتبديد أموال عمومية»، حيث من المنتظر أن تنتهي ويغادر السجن في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، إلا إذا حصل على عفو ملكي قبل هذا التاريخ.
وفي تموز/ يوليو 2024، كانت غرفة الجنايات الابتدائية في محكمة الاستئناف في الرباط أدانت وزير حقوق الإنسان الأسبق بالسجن خمس سنوات بتهمة «اختلاس وتبديد أموال عمومية»، علماً أنه يقضي ثلاث سنوات سجناً في قضية أخرى، ارتبطت بمساره اللافت منذ انطلاق حراك «20 فبراير»، عام 2011، واتسم بتوجيهه انتقادات حادة للسلطات.
ويتابَع محمد زيان، 83 سنة، في حالة اعتقال منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، بعد أن أيّدت محكمة الاستئناف في الرباط الحكم الابتدائي الصادر ضده في شباط/ فبراير 2022 في نحو 11 تهمة وجهت له تصفها هيئة دفاعه أنها «مرتبطة مباشرة بحقه في حرية التعبير وأنشطته باعتباره محامياً وسياسياً معارضاً».
ونقلت جريدة «الحياة اليومية»، عن محمد زيان قوله أثناء المحاكمة، إن «الشكاية التي تقدم بها إسحاق شارية في نيسان/ أبريل 2021 تم حفظها من قبل النيابة العامة، وأُحيلت على رئاسة النيابة العامة دون تسجيلها إلى غاية تموز/ يوليو 2021، أي بعد ثلاثة أشهر من تقديمها. والسبب أن إسحاق لم تكن له الصفة القانونية وقت وضعه الشكاية ولا وقت الاستماع إليه من طرف الشرطة القضائية، بموجب حكم قضائي».
وقال زيان من خلف القضبان: «كنت أتوفر على حكم قضائي، ورغم ذلك قيل لي إنه لا يُعتدّ به، وهذا ما يُعد خرقاً للقانون، بل جريمة ترتكب في دولة يفترض أنها تحتكم إلى المؤسسات والحقوق».
مسلسل محاكمة الوزير الأسبق، والحكم الصادر في حقه، أثارت جدلاً وانتقادات واسعة من قبل ناشطين وهيئات حقوقية محلية ودولية، ووجه فرع «المنظمة العالمية للدفاع عن ضحايا الإرهاب بكندا»، ملتمساً إلى رئاسة «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» ووزارة العدل المغربية، من أجل التدخل لإطلاق سراح وزير حقوق الإنسان السابق والنقيب محمد زيان.
وأوضح ملتمس المنظمة أن هذا الطلب جاء مراعاة لكِبر سن النقيب زيان، وتدهور حالته الصحية، وهو ما يعد «مُنافياً لقانون حقوق الإنسان» وفق تعبير الوثيقة، وأضافت أنه «إذا كان الاتهام يوجب الاعتقال، فمن الممكن فرض الإقامة الجبرية عليه في منزله». وفي خطوة تحمل الكثير من التناقض، قام إسحاق شارية، الأمين العام لـ «الحزب المغربي الحر»، والذي أطاح بمحمد زيان من على رأس الحزب، وقدم ضدّه شكايات تتعلق بتهم «اختلاس وتبديد أموال عمومية»، بتوجيه رسالة إلى العاهل المغربي محمد السادس، ملتمسا للعفو عن محمد زيان، قائلاً: «نلتمس عفوكم الكريم، ورحمتكم الفياضة، النظر بعين الرحمة والشفقة في أمر السيد محمد زيان، الذي تقدم به العمر، وأحاطت به مصاعب الصحة وأثقلت كاهله الأمراض إلى جانب من معه في الملف من أعضاء الحزب السيد ميلود شطاط ورشيد بوروة».
وتابعت الرسالة: «لقد بادر الحزب المغربي الحر إلى القيام بواجبه الوطني، فأدى كافة ديونه المستحقة للخزينة العامة، وأعلن في اجتماع مجلسه الوطني عن اعتذاره الرسمي لكل المؤسسات الدستورية والشخصيات الوطنية والعمومية التي قد تكون تأذت سابقاً من تصريحات أو بيانات صدرت باسمه، إقراراً منه ببعض التجاوزات وإيماناً منه بضرورة إشاعة قيم التصالح والتسامح والاعتذار».
وكان النقيب محمد زيان ووزير حقوق الإنسان الأسبق، قد حمل مسؤولية المحنة التي يمر منها إلى زميله السابق في الحزب إسحاق شارية الذي أوضح بأن وضعه شكاية لدى النيابة العامة في مواجهة مسؤولي المكتب التنفيذي السابق للحزب، بمن فيهم زيان، كانت على خلفية «توصله بمطالبات واستفسارات من وزارة الداخلية بضرورة إرجاع مبالغ الدعم العمومي برسم انتخابات 2015 بناء على تقارير المجلس الأعلى للحسابات»، مشدداً على أن مبالغ الدعم العمومي التي طالبت مصالح الداخلية بإرجاعها لا يتحمل فيها المكتب السياسي الجديد أي مسؤولية، وأن الشكاية التي قدمت في مواجهة زيان، والتي تم التراجع عنها لاحقاً، لا علاقة لها بأية أحقاد شخصية أو رغبة في الانتقام».
إلى ذلك، أطلق عدد من النشطاء والإعلاميين نداءً للمطالبة بإطلاق سراح النقيب زيان، نظراً لتقدمه في السن وتدهور حالته الصحية، وقال الإعلامي توفيق بوعشرين، إن الحكم على النقيب محمد زيان بثلاث سنوات حبساً ليس خبراً مفرحا، ولو أن خفض الحكم الابتدائي الذي قضى بخمسة سنوات سجناً نافذاً لكن الأمر لا يخلو من رسالة.
واستطرد مدير النشر السابق لجريدة «أخبار اليوم»، قائلاً ضمن تدوينة على صفحته الرسمية: «كنت أنتظر البراءة وكنت خائفاً من رفع العقوبة، خاصة بعد تدخل النيابة العامة للمطالبة بتشديدها ولو لأسباب غير قانونية وغير منطقية وغير إنسانية»، وتابع: «الذي يقرأ الرسائل من وراء الأحكام يفهم أن الاتجاه في نازلة الحال للتهدئة ولمحاولة إيجاد مخرج قانوني وليس سياسياً لملف النقيب الذي ما عاد يحتمل تصعيداً جديداً، وهذا التخفيف كان أيضاً نوعاً من الاستجابة لصوت المطالبين بالإفراج أو العفو عن الشيخ النقيب، الصوت الحر وصل وإن بالطريقة المغربية التي نعرف»، وفق تعبيره.
من جهتها، اعتبرت المحامية والقيادية في حزب «العدالة والتنمية» أمينة ماء العينين، أن تخفيض عقوبة النقيب محمد زيان كان يمكن أن يكون حكماً آخر ينهي وجوده في السجن بما قضاه بداخله، على الأقل مراعاة لسنه وظروفه الصحية، ومع ذلك فالقرار الاستئنافي يظل إيجابياً إذا ما قورن مع إمكانية متشائمة بتأييد الحكم الابتدائي أو تعديله برفع العقوبة السجنية كما طالبت بذلك النيابة العامة.
وكتبت ماء العينين، على حسابها الرسمي على «فيسبوك»: «كُلنا أمل في أن يطوى هذا الملف المؤلم ومعه ملف شباب حراك الريف، هذا البلد في حاجة إلى مبادرات في هذا الاتجاه استكمالاً للمبادرات السابقة التي عبرت عن إرادة إيجابية لإغلاق أقواس مرحلة سلبية، وعلى الجميع الانخراط الإيجابي في هذا التوجه رفقاً بالعائلات والأمهات».
وجاء في تدوينة للصحافي محمد اليوسفي المغاري: «لم يكن محمد زيان يوماً شخصية رمادية.. فمنذ أن وضع أولى خطواته في مهنة المحاماة خلال سبعينيات القرن الماضي، اختار أن يكون مشاكساً في قاعات المحاكم، لا يخشى الأجهزة، ولا يُهادن في القضايا التي يعتبرها «مسألة مبدأ»، وإن كان في مرحلة من مراحل مسيرته يوصف بـ»محامي الحكومة»، إشارة إلى وقوفه في صف الحكومة المغربية خلال محاكمة القيادي النقابي الشهير الراحل نوبير الأموي سنة 1992.
وأضاف اليوسفي المغاري: «سُجن زيان، لا فقط بجسده، بل بتاريخه السياسي، وبصوته الذي أزعج كثيرين. معارضوه يصفونه بالمهووس بالأضواء، والمتعطش للمواجهة، بينما يراه أنصاره «رمزاً للحرية، وآخر المحامين الذين ما زالوا يصرخون في وجه السلطوية».
وأضاف قائلاً: «رغم أن السجن قد يكون قاسياً على رجل تخطى الثمانين، فإن من يعرف محمد زيان يدرك أنه سيظل على حاله: مقاتلاً شرساً، لا يساوم، ولا يعتذر.. والدليل أنه رفض عدة تدخلات تطالبه بتقديم «طلب العفو. ففي زمن التنازلات، قرر محمد زيان أن يكون الصوت النشاز… صوت من اختار أن يقف، حتى في وجه العاصفة».
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس