جدل في المغرب بعد دعوة حزب «التقدم الاشتراكي» لـ «تسقيف» الأسعار

1
جدل في المغرب بعد دعوة حزب «التقدم الاشتراكي» لـ «تسقيف» الأسعار
جدل في المغرب بعد دعوة حزب «التقدم الاشتراكي» لـ «تسقيف» الأسعار

أفريقيا برس – المغرب. ما زالت قضية غلاء الأسعار في المغرب تثير احتقاناً متزايداً داخل الأوساط الاجتماعية والسياسية، وفي هذا الصدد أوصى حزب «التقدم والاشتراكية» المعارض حكومة عزيز أخنوش بتسقيف الأسعار وتحقيق الأمن الغذائي. بينما انتقد محلل سياسي ضعف أحزاب المعارضة في القيام بأدوارها الدستورية على مستوى رقابة العمل الحكومي في البرلمان، وقال لـ»القدس العربي» إن اليسار أضاع فرصة وجوده في المعارضة للقيام بالتنسيق المطلوب بين مكوناته.

وفي رسالة مفتوحة موجهة إلى رئيس الحكومة، دعا المكتب السياسي للحزب الشيوعي السابق، إلى «استعمال مقتضيات قانون حرية الأسعار والمنافسة التي تتيح للحكومة التسقيف المرحلي لأسعار المواد التي تشهد ارتفاعاً فاحشاً»، موصياً الحكومة المغربية بـ «إعمال مراقبة حقيقية للسوق الوطنية، ومعالجة اختلالات سلاسل التسويق، والزجر الصارم للممارسات الفاسدة لبعض كِبارِ الوسطاء والمضاربين والمحتكرين، عوض التركيز على المراقبة الشكلية لتجار التقسيط المستضعفين».

وأوصى بإعطاء الأولوية للأمن الغذائي الوطني مع ما يستلزمُهُ ذلك من تقييمٍ سريع، موضوعي وجريء، لنتائج مخطط المغرب الأخضر، ومراجعةٍ عميقة لمخطط الجيل الأخضر وللسياسات الفلاحية المعتمِدة الآن أكثر على الإنتاج الموجَّه للتصدير.

الرسالة المفتوحة التي اطلعت عليها «القدس العربي»، صدرت عقب اجتماع استثنائي للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أول أمس الخميس، خصَّصَهُ لتدارس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وخاصة مسألة غلاء الأسعار والتدهور الخطير للقدرة الشرائية للمغاربة؛ استغربت مما سمته «الاستخفاف الذي يطبع تعاطي الحكومة اللامبالي واللامسؤول مع الغلاء الفاحش الذي لا يُطاق لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، بما يؤدي إلى تعاظُم الغضب وتصاعد الاحتقان شعبيًّا، وبما يهدد السلم الاجتماعي».

واستكرت الرسالة صمت الحكومة ووقوفها موقف المتفرج إزاء هذه الأوضاع التي تمس كل الفئات الاجتماعية، وأساساً ذوي الدخل المحدود والفئات المعوزة والمستضعفة والفئات الوسطى. وحذرت من تواتر خيبات المغربيات والمغاربة تجاه التطمينات الشفوية وتعبيرات الارتياح التي تُطلقها الحكومة ويُفَنِّدها الواقع المعيش وكذا إصدارات بنك المغرب والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمندوبية السامية للتخطيط، والتي تنبه إلى دقة الأوضاع واتساع رقعة الفقر.

ونبَّه المكتب السياسي للحزب المعارض، إلى ضرورة تَحمُّلِ الحكومة مسؤولياتها كاملةً حيالَ «الوضع الاجتماعي المقلق، والتخلي نهائياً عن خطاب تبرير الوضع بالتقلبات الدولية، والاختباء وراء الظروف المناخية، والتحجج المُغالِط بإرث الحكومات السابقة التي كان حزبُكم مكوناً أساسياً فيها متحملاً لحقائب أهم القطاعات المالية والاقتصادية والإنتاجية».

واعتبرت رسالة الحزب أن الحكومة تنكَّرت، بشكلٍ يكاد يكون تاماّ، للنموذج التنموي الجديد الذي أعلنته مرجعاً لها بأنها أخلفت، إلى الآن، تنفيذ معظم التزاماتها الواردة في التصريح الحكومي، ومنها: دخلُ الكرامة؛ والزيادة في أجور نساء ورجال التعليم؛ وتوسيع رقعة الطبقات الوسطى، وتحقيق 4% كنسبة نمو؛ وإحداث 200 ألف منصب شغل قار سنوياً؛ والرفع من معدل الشغل لدى النساء؛ وتنفيذ الإصلاح الجبائي؛ وإخراج مليون أسرة من وضعية الفقر؛ وغيرها كثير من الالتزامات.

حزب «التقدم والاشتراكية» طالب الحكومة المغربية بالتحرك العاجل والناجع، من خلال الإعلان عن «مخطط دقيق وشامل، والذي لا يمكن أن يعتمد فقط على تعديلاتٍ في السياسة النقدية أبانت عن محدودية آثارها، ولا على ترك التضخم المفرط يستمر من غير مقاومة ولا إجراءات مضادة تحمي القدرة الشرائية للمغاربة».

واقترح المكتب السياسي للحزب دعم القدرة الشرائية للمغاربة، من خلال التوظيف الاجتماعي الأمثل للمداخيل الإضافية والاستثنائية المهمة المتأتي أغلبها من ارتفاع الموارد الضريبية، وتقديم الدعم المباشر للأسر الفقيرة، وإعمال دخل الكرامة للمسنين والزيادة في دخل الأجراء الصغار والمتقاعدين، علاوة على استخدام الآليات الجمركية والجبائية على مستوى الإنتاج والاستهلاك (الضريبة على القيمة المضافة TVA ورسوم الاستهلاك الداخلي TIC)، وذلك بغاية خفض الأسعار.

ودعت الرسالة إلى «ضبط سوق المحروقات، وتنقيته من تضارب المصالح، ومن كافة الممارسات والتواطؤات المنافية للشفافية والنزاهة، والتدخل لضمان انخفاض أسعار المحروقات عند الاستهلاك بما يتناسب فعلياً مع انخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، مع التضريب المناسب للأرباح الفاحشة التي تجنيها شركات توزيع المحروقات، وإيجاد حل عملي وبنَّاء من أجل إعادة تشغيل «لاسامير».

أزمة المعارضة

تعليقاً على الرسالة وما ورد فيها، قال أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في جامعة ابن طفيل في القنيطرة، رشيد لزرق، إن الرسالة المفتوحة توضح أزمة المعارضة في توظيف الأدوات الدستورية التي أَوكلها الدستور للمعارضة، ونهج أسلوب الرسائل وكأن حزب «التقدم والاشتراكية» يقول بعدم جدوائية دور البرلمان ويعجز عن إعمال الأدوات الدستورية في مواجهة الحكومة التي بها تشكل المعارضة الوطنية صمّام أمان لتوازن الحياة السياسية، وركيزة لشرعية وحيوية المؤسسات وضمانة للسلم الاجتماعي، وعلى هذا الأساس يتسنَّى التمييز بين نوعين من المعارضة السياسية البناءة والمعارضة الشعبوية.

ويوضح الخبير في الشأن الحزبي المغربي متحدثاً لـ «القدس العربي» قائلاً: «الحال أن واقع أزمة الغلاء أظهر أننا أمام معارضتين، معارضة التسول التي تعتبر رفض دخولها للحكومة عقاباً سياسياً لها، ومعارضة سلبية تعيش تحت وطأة عجزها السياسي وإفلاسها البرامجي، إلى أسلوب المزايدة، دون جدوى وبغير رؤية موازية أو تصور بديل قابل للتطبيق وقادر على حلحلة الأزمات، تحاول الركوب على الغلاء والاختناق الاجتماعي بغاية الإثبات للرأي العام أنها موجودة»، على حد قوله.

واعتبر المحلل السياسي أن هذا الوضع يُظهر مرة أخرى أن اليسار المغربي أضاع فرصة الوحدة بوجوده في المعارضة على اختلاف تكتيكاتهم، فهناك «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» الذي بات كل همِّه دخول الحكومة بغاية تحقيق طموح الاستوزار، وحزب «التقدم والاشتراكية» و»اليسار الموحد» اللذان تقاربا بهدف بقاء قيادتهما على رئاسة حزبهما عبر تقارب نبيل بنعبد الله ونبيلة منيب دون رؤية استراتيجية، حيث انساقا وراء الحسابات الضيقة واتباع سياسة انبطاح غير مستساغ أمام سياسية الحكومة الليبرالية، الشيء الذي جعل الحزبين اليساريين يفقدان مصداقيتهما لدى الشعب، وبالتالي يعرفان تراجعاً شعبياً.

وأضاف: «أما اليسار المعارض من داخل المؤسسات، فشأنه شأن اليسار الحكومي، فهو دون مشروع سياسي واقتصادي واقعي، الأمر الذي أسقطه في العديد من المرات في التخندق مع قوى الخرافة، وهو مؤهل لكي يعرف موجة انشقاقات نتيجة التجاذبات السياسية».

ومحاولة لامتصاص الغليان الشعبي، عقدت اللجنة الوزارية المكلفة بتتبع وضعية التموين ومستوى الأسعار وعمليات المراقبة، أول أمس الخميس في الرباط، اجتماعها الثاني لتتبع وضعية تموين الأسواق المحلية ومستوى أسعار المواد الأساسية وتأطير تدخلات المصالح المكلفة بالمراقبة وتعزيزها.

وتدارست اللجنة المكونة من وزراء الداخلية والاقتصاد والمالية والفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات والصناعة والتجارة، والانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، سبل تنفيذ مختلف الإجراءات الضرورية لتلبية متطلبات السوق المحلية وتوفير مخزون كاف وبكيفية منتظمة من جميع المواد الأساسية، فضلاً عن التدابير الكفيلة بضمان سلامة المستهلك والحفاظ على قدرته الشرائية.

يأتي ذلك، بينما تتداول الصالونات حديثاً عن احتمال إجراء تعديل حكومي في التشكيلة الوزارية الحالية، لما أبانت عنه من نقص. وقال حفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في جامعة الحسن الأول في مدينة سطات، إن التعديل الحكومي قد يكون وسيلة للتنفيس عن احتقان الشارع بعدما فشلت الحكومة في حماية القدرة الشرائية للمغاربة، وتنفيذ وعودها على أرض الواقع.

وأشار في تصريح لموقع «الجريدة 24» إلى أن التعديل الحكومة من شأنه تجويد العمل الحكومي وتصحيح الاختلالات السابقة، في ظل وجود وزراء لم يستطع المغاربة أن يطابقوا أسماءهم مع الوعود التي تم تقديمها سابقاً، خاصة المتعلقة بحماية الفئات الهشة والمتوسطة من أزمة الغلاء.

واعتبر أن تجاوز مختلف الإشكاليات التي تشهدها السياسات الحكومية الحالية موجود في تقارير لجنة النموذج التنموي الجديد، لذا وجب إشراك جميع الفاعلين في مناقشة حلول ستضر بالنفع عن المغاربة بدلاً من المسؤولية.

ولاحظ أن السياسة في المغرب أصبحت متعبة مع هذه الحكومة، خاصة بعد تصريح المندوب السامي للتخطيط وقبله والي بنك المغرب، من خلال تأكيدهما أن البلاد تعيش بوادر أزمة اقتصادية واجتماعية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس