
أفريقيا برس – المغرب. مع انطلاق الموسم السياسي والاجتماعي الجديد في المغرب، يعتزم نشطاء المرور إلى السرعة القصوى في موضوع فتح نقاش عمومي حول النداء المتعلق بالاستعمال الترفيهي للقنب الهندي، وذلك تفاعلاً مع الأحزاب السياسية والجهات المختصة.
وأثنى الناشط الحقوقي شكيب الخياري، أحد الموقعين على النداء، على “الاستجابة الواسعة والإيجابية من لدن وسائل الإعلام المختلفة التي تعاطت مع الموضوع بحجم أهميته، وفي إطار ذلك تم تسليط الضوء على مختلف النقط والحجج التي تم الاستناد عليها لأجل خلق هذه المبادرة”.
وأوضح في حديث لـ”القدس العربي” أن “الموضوع ليس بالهين فقد أخذ أبعاداً عدة منها الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي، فليس من السهل رمي جمرة النقاش العمومي حول موضوع يمكن اعتباره من التابوهات التي لا يجوز الحديث عنها علناً، وقد مرت اليوم أشهر الصيف على إطلاق النداء، وموعد الدخول بمختلف تجلياته قريب جداً يفصلنا عنه أيام معدودة”.
وبالنسبة للتفاعل الرسمي مع المبادرة المتعلقة بفتح نقاش عمومي حول الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي من لدن الفرق البرلمانية، أفاد الخياري بأنه “إلى الآن لم يتم ربط أي اتصالات رسمية مع فرق برلمانية وذلك نتيجة لتزامن إطلاق المبادرة مع نهاية الدورة التشريعية، مما قد أثر على الإمكانيات والوقت المتاح لبدء الحوار والتفاعل”.
ويستطرد بالقول إنه مع ذلك، “في ضوء الموسم الاجتماعي الجديد، سأعمل رفقة الراغبين من مؤسسي المبادرة إلى تكثيف التواصل مع جميع الفرق البرلمانية والمجموعات، دون استثناء، من أجل دعوتها للمشاركة في إثراء النقاش العام حول هذا الموضوع المهم”، ويتسلح المتحدث بتجربته الشخصية التي وصفها بـ “مثمرة لي رفقة بعض أعضاء هذه المبادرة مع الفرق البرلمانية في السابق، حيث تم التفاعل مع دعوتنا لتقنين الاستعمال الطبي والصناعي للقنب الهندي، وتميزت تلك التجربة بدينامية على مستوى النقاش داخل البرلمان منذ عام 2013 وحتى صدور القانون المنظم للاستعمالات المشروعة للقنب الهندي في عام 2021”.
بالنسبة لردود الفعل والجدل الذي نبت على ضفاف هذا النداء ووجود بعض الآراء المعارضة، قال المتحدث: “إلى الآن لم نطلع سوى على رأي طبيب ضد المبادرة، لكنه لم يناقش تفاصيلها وحججها، ومن خلال تصريحاته يبدو أنه لم يطلع على مضمونها تماماً”.
أسباب إطلاق البيان
ويؤكد أن “المبادرة لا تدعو إلى إقرار الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي، وإنما تدعو لفتح نقاش حوله”، ويستشهد هنا بكون ذلك تضمنته توصيات لجنة ملكية ومؤسسة رسمية رفعتا توصياتهما إلى العاهل المغربي محمد السادس، ومن جهة أخرى يوضح الخياري “فإن النداء الذي أصدرناه قد تضمن حججاً علمية مستندة على آخر الدراسات العلمية الصادرة في مجلات علمية معتمدة والتي لم تتطرق فقط للجانب الاقتصادي والحقوقي بل أيضاً للجانب الصحي، ولهذا فنحن في انتظار التفاعل مع تلك الدراسات التي أشرنا إلى خلاصاتها ومراجعها، بعيداً عن اللغة الطبية الدعوية التي لا تستند على دراسات حديثة عن الآثار الصحية للاستهلاك الترفيهي للقنب الهندي”.
وعاد المتحدث إلى نص وثيقة النداء التي تضمنت العديد من الأسباب الدافعة لإطلاق النداء المذكور، وتحدث عن المقرر الأممي الخاص المعني بحق الإنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، والذي أكد في تقريره إلى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة في عام 2010، فشل الحرب على المخدرات والتي تمت في الكثير من الأحيان بطرق تنتهك حقوق الإنسان.
ويقول شكيب الخياري لـ”القدس العربي”: “إن تشريع الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي سيساهم، وفق دعاة التشريع، في تحقيق سياسة تقليص الأضرار التي قد تنجم عن الاستهلاك الترفيهي للمخدرات، حيث يمكنها توفير بديل للمستهلكين الذين يلجؤون إلى القنب الهندي من السوق السوداء”، ووفق المتحدث فإن “هذا مهم لأن الدراسات أظهرت أن القنب الهندي الذي يتم تداوله في السوق السوداء يحمل مخاطر على الصحة العامة، خاصةً مع ارتفاع نسبة المواد النشطة التي تنعكس على تأثيره الترفيهي، ومع استخدام التعديل الجيني لإنتاجه بطرق غير قانونية”.
ولم يغفل الخياري الناحية الاقتصادية، حيث “يرى دعاة تشريع هذا الاستعمال وجود إمكانيات هامة لتعزيز عائدات الدولة وتكوين مداخيل جديدة، كما أنها تمثل مصدر دخل مالي مهم للمزارعين الذين سيستفيدون من زراعة القنب الهندي الترفيهي بشكل قانوني”، ومن جهة أخرى، يضيف المتحدث “سيعمل ذلك على إنهاء تورط المزارعين في تجارة غير شرعية للمخدرات، مما يسهم في تحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي ويساعدهم على تحقيق الاستقرار، خصوصاً في ظل الظروف القانونية التي يواجهونها حالياً والتي تسبب لهم حالة من القلق والهلع نتيجة المتابعات القضائية، وهو ما ينعكس بالسلب على أسرهم وعلى التنمية في مناطق الزراعة.
تقليص حجم السوق السوداء
كما أنه “من المؤكد أن تشريع المغرب للاستعمال الترفيهي للقنب الهندي سيؤدي إلى تقلص حجم السوق السوداء للقنب الهندي، وهي النتيجة نفسها التي ستكون مع التفعيل التام للقانون الحالي المتعلق بالاستعمالات الطبية والصناعية للقنب الهندي، حيث سيبقى للسوق السوداء حجم أقل مما هو عليه الآن حيث تنعدم المنافسة”، وهنا أوضح الخياري أن بعض الدراسات التي تطرقت للموضوع والتي أكدت على هذه النتيجة، بعضها يربط النتيجة بتبني سياسة ضريبة خاصة مع هذا المنتج حتى يتم بيعه في السوق القانونية بثمن تنافسي يجذب المستهلكين.
بعد تحقيق المغرب للسبق بترخيصه الاستعمال الطبي والصناعي للقنب الهندي، سألنا شكيب الخياري عن العائد الاقتصادي والوضع الاجتماعي للمزارعين، ليؤكد أنه “يجب ربط العائد بالوضع الاجتماعي للمزارعين، فالمداخيل غير المشروعة تجعلهم رهينة لدى شبكات الاتجار غير المشروع بالمخدرات، وتجعلهم في خلاف مع القانون، وهو وضع لا يمكن له الاستمرار ولن يكون له أي تأثير إيجابي عليهم، لهذا فقد أكدت وزارة الداخلية في تقديمها لمشروع القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي على أن من أهداف المشروع إخراج المزارعين من حلقة الإجرام المتعلق بالاتجار غير المشروع بالمخدرات، كما أنها نبهت في دراسة الجدوى الخاصة بمشروع القانون على أن المزارعين لا يجنون سوى 3% من حجم المعاملات كما أنه في غضون 10 سنوات القادمة سيفقد السوق 8% من حجمه بحكم التأثيرات الخارجية المتعلقة بانتشار الزراعة في البلدان التي كانت فقط مستهلكة وتنامي سياسات التشريع للاستهلاك الترفيهي فيها”.
ويوضح أنه “مهما كان، فإن الوضع الحالي الذي يجعل المزارعين في وضع سليم قانونياً هو الأسلم لهم وللبلد، ومن المؤكد أن ما ستسفر عنه النتائج من خلل سيتم تداركه ببرامج خاصة”.
وعن التوقعات المنتظرة من فتح نقاش عمومي حول مسألة الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي، قال الخياري إنه من المتوقع أن يفتح “أبواباً لتبادل وجهات النظر المتعددة والمناقشة البناءة، مثل ما حصل مع القانون الذي ينظم الاستعمال الطبي والصناعي للقنب الهندي، والذي أطلقناه منذ 2008”.
كما أنه “يمكن أن يسهم هذا النقاش في زيادة الوعي بالجوانب الصحية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية المتعلقة بالمسألة، وأن يساعد في تحديد السبل الأمثل للتنظيم والرقابة وتوجيه جهود التوعية للحد من الاستخدام غير المسؤول وتقديم المعلومات الصحيحة للجمهور”.
وبالنسبة لشكيب الخياري، فإن “توقعات النقاش تشمل تسليط الضوء على الدروس المستفادة من تجارب الدول الأخرى والبحث في توازن حقوق الفرد مع مصلحة المجتمع، مما يسهم في صقل السياسات واتخاذ قرارات مستنيرة تجاه هذه المسألة المعقدة”.
ويبقى الأهم، يقول المتحدث، إنه “في كل هذا، المغرب يعرف باستمرار تضييقاً للمواضيع التي تشكل مناقشتها “تابو” مجتمعياً، مع التأكيد دومًا أننا كمبادرين لا ندعو لتشريع الاستعمال الترفيهي إنما ندعو لفتح نقاش بشأنه”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس