عريضة حقوقية تطالب رئيس الحكومة المغربي بتجريم الإثراء غير المشروع وناشط حقوقي لـ«القدس العربي»: «صيحة في واد»

10
عريضة حقوقية تطالب رئيس الحكومة المغربي بتجريم الإثراء غير المشروع وناشط حقوقي لـ«القدس العربي»: «صيحة في واد»
عريضة حقوقية تطالب رئيس الحكومة المغربي بتجريم الإثراء غير المشروع وناشط حقوقي لـ«القدس العربي»: «صيحة في واد»

أفريقيا برس – المغرب. أطلقت “الجمعية المغربية لحماية المال العام” حملة للتوقيع على عريضة موجهة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، للمطالبة بتجريم الإثراء غير المشروع. وأكدت في ديباجة تقديم العريضة أن “المغرب سبق له أن صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهي الاتفاقية التي نشرت بالجريدة الرسمية”، وضمن بنودها “ما يتعلق بضرورة اتخاذ الدول لتدابير قانونية لتجريم الإثراء غير”.

وشددت على أن الاتفاقية المذكورة والمصادقة عليها تضع التزامات على المغرب “التي يجب الوفاء بها”، لذلك فإن هذه العريضة تتضمن مطلباً وحيداً لرئيس الحكومة، يقضي “بضرورة تجريم الإثراء غير المشروع لما يشكله ذلك من أهمية في مكافحة الفساد والرشوة”.

السياسي والناشط الحقوقي، يوسف بوستة، ثمّن إطلاق العريضة وأكد أنها تسير في الاتجاه الصحيح للتحسيس بخطورة الإثراء غير المشروع الذي هو جزء من الفساد. وأوضح في تصريح لـ “القدس العربي”، أنها “عريضة للتوعية بخطورة تغوّل الفساد في بلادنا”، كما وصفها بـ “مبادرة غيورة على حماية المال العام الذي أصبح عرضة للنهب والسلب والهدر خاصة من طرف المسؤولين في السلطة والمناصب الحكومية والسياسية والنقابية”، وفق تعبيره.

وفي الوقت نفسه، اعتبر المتحدث أن هذه العريضة “هي صيحة في واد وسط هذا الزحف الكاسح لسلطة الفساد التي تخترق الدولة والمجتمع”، وبالنسبة للناشط الحقوقي فإن “مواجهته تحتاج إلى بنية سياسية بديلة تستطيع فيها السلطة القضائية المستقلة بأن تحاسب أي مسؤول على قاعدة: من أين لك هذا؟”.

عموم الرأي العام وخاصة نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي من الحقوقيين وغيرهم، تلقفوا العريضة وتقاسموها وشاركوا رابطها على صفحاتهم وفي مجموعات، ومنهم من أعاد التوزيع، مع الحرص على قول كلمته في حق هذه الخطوة، مثل الحقوقي صافي الدين البدالي، عضو المكتب الوطني لـ “الجمعية المغربية لحماية المال العام”، الذي أكد في تدوينة أن “إطلاق عريضة إلكترونية، موجهة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش للمطالبة بتجريم الإثراء غير المشروع”، يأتي بعدما “تأكد للجمعية بأن الحكومة لا ترغب في إصدار قانون تجريم الإثراء غير المشروع على الرغم من مصادقة المغرب على اتفاقية الأمم لمكافحة الفساد، التي سبق أن تم نشرها بالجريدة الرسمية”.

المعركة التي تخوضها “الجمعية المغربية لحماية العام” ليست وليدة هذه العريضة، بل لها امتدادات منذ سحب مشروع القانون من البرلمان، وتأتي هذه العريضة المفتوحة في وجه كل المغاربة الراغبين في توقيعها، لتضع النقاط على حروف قانون تجريم الإثراء غير المشروع.

ولأجل ذلك، وجّه المحامي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المعنية بحماية المال العام، دعوة إلى المغاربة بقوله: “انضموا لحملة تجريم الإثراء غير المشروع “، وأضاف مهاجماً: “لا يمكن للمفسدين ولصوص المال العام أن يستغلوا مواقع المسؤولية ويراكموا ثروات مشبوهة عبر فساد عابر للقارات ويشكلوا شبكات ومافيات إجرامية مع تجار المخدرات والبشر يهددون بها الدولة والمجتمع، ومع ذلك يظلون في منأى عن المساءلة والمحاسبة، وهو ما يشجع على استمرار الفساد والرشوة ونهب المال العام مع ما يشكله ذلك من تهديد حقيقي للاستقرار والسلم الاجتماعي”.

وتابع قائلاً في منشوره: “إن ذلك وغيره يفرض حتماً ودون أي تأخير تجريم الإثراء غير المشروع”، و”على كل الضمائر الحية والغيورين على مستقبلنا جميعاً تنظيم حملة كبيرة وواسعة للمطالبة بتجريم الإثراء غير المشروع باعتبار ذلك يشكل مدخلا لتخليق الحياة العامة”.

المشهد الحقوقي ليست هذه خطوته الأولى في معركة تجريم الإثراء غير المشروع، بل سبقتها العديد من الخطوات، لكن العريضة تعتبر الأولى من نوعها في هذا السياق، وقد شرع المواطنون -وفق ما تناقلته صفحات على “فيسبوك”- في توقيعها.

وخلال شهر شباط/ فبراير الماضي، احتج عشرات النشطاء والحقوقيين أمام قبة البرلمان في الرباط للمطالبة بتجريم الإثراء غير المشروع، معتبرين هذه الخطوة “مدخلاً أساسياً لمكافحة الفساد”.

الوقفة التي دعت لها “الجمعية المغربية لحماية المال العام”، رفعت خلالها شعارات تندد بهدر المال العام، وألقى رئيسها المحامي محمد الغلوسي، كلمة قال فيها إن “تكلفة الفساد يؤديها المواطنون الفقراء عبر ضرب مصلحتهم العامة وحقهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.

سياسياً وتحت قبة البرلمان، سبق للمجموعة النيابية لحزب “العدالة والتنمية” أن قدمت مقترح قانون حول منع الإثراء غير المشروع، لكونه يشكل “مشكلة كبيرة، تنعكس على مستوى محاربة الفساد، وتضر بصورة وسمعة الدول”.

وبين ما ينص عليه مقترح القانون المذكور “السجن لمدة سنتين إلى خمس سنوات في حق كل مرتكب لجريمة الإثراء غير المشروع، بالإضافة إلى مصادرة جميع مكتسباته المنقولة أو العقارية والأرصدة المالية، وبعدم أهلية مزاولته جميع الوظائف أو المهام العمومية، ومنعه من حق الانتخاب والترشح لمدة عشر سنوات”.

وأبرزت المجموعة النيابية في ديباجة المشروع، أن الإثراء غير المشروع يعد مشكلة كبيرة تنعكس على مستوى محاربة الفساد وتضر بصورة وسمعة الدول، لذلك تتم محاصرتها من خلال آليات تشريعية وتنظيمية ومؤسساتية، كما أن تقديمها لهذا المقترح يأتي من هذا المنطلق، وبالنظر إلى ما بات يشكله الفساد من تهديد بنيوي يعرقل التنمية، وبالنظر إلى سحب الحكومة لمشروع القانون الجنائي، دون أن تبادر إلى نص تشريعي جديد بتعلق بالإثراء غير المشروع.

وسبق لوزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، أن سحب القانون الجنائي من البرلمان الذي كان يتضمن عقوبات تهم مشروع قانون “الإثراء غير المشروع”، ما أثار جدلاً واسعاً.

وكانت “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها” (مؤسسة حكومية) قد أصدرت دراسة في الموضوع، اعتبرت فيها أن الوعاء القانوني الأنسب لتوطين هذه الجريمة هو إفرادها بقانون خاص يضبط مقتضياتها الموضوعية والإجرائية، بما ينسجم مع انفراد هذه الجريمة بخصائص تميزها عن باقي جرائم الفساد الأخرى، وبما يضمن النجاعة والانسجام القانوني في هذا المجال، وبما يحقق أكبر قدر من المصلحة المبتغاة من هذا التجريم والمتمثلة بشكل خاص في حماية قيم المرفق العام القائمة أساساً على النزاهة والحياد وعدم إساءة استغلال الوظائف، وفي تحصين ممارسة المسؤوليات العمومية وضمان نظافتها من كل الشوائب المحتملة.

وأوضحت أن تجريم الإثراء غير المشروع ينبغي أن يأخذ في الاعتبار استحضار ثلاثة معطيات أساسية: أولها أنه في ظل الطابع غير المشروع والخفي والمعقد لجرائم الفساد، لا بد من الإقرار بمحدودية الآليات المتعارف عليها في البحث والتحري عن الوصول إلى الحقائق المتعلقة بهذه الجرائم ثم إمكانية تحجيمها وردع مرتكبيها، وفي المقابل من الجدير الانفتاح على الآليات المتجددة للتحري والكشف عن هذا النوع من الجرائم، لما تكتسيه من بوجاهة وفي مقدمتها الآلية المعتمدة لمكافحة الزيادة الكبيرة وغير المبررة في موجودات الموظف العمومي.

ويتمثل المعطى الثاني في إدراج مكافحة الإثراء غير المشروع ضمن مفهوم الصالح العام الذي يصبح بمقتضاه الموظف العمومي مؤتمناً على تدبير المرفق العام بما يستدعي تمتيعه بأنواع من الحمايات والحقوق والامتيازات مقابل إلزامه دون غيره بمجموعة من الالتزامات والواجبات والمسؤوليات التي تشمل إلزامه بتبرير المصدر المشروع للزيادات الكبيرة التي تثبت على ثرواته خلال مزاولته للوظائف أو اكتسابه للصفة. في حين يتجلى المعطى الثالث في اعتبار مبدأ تحويل الإثبات في هذه الجريمة من النيابة العامة كسلطة ادعاء إلى المتهم كمدعى عليه إجراء جرى ويجري به العمل وطنياً ودولياً على المستوى التجريمي والمسطري في مجموعة من الجرائم التي لا يمكن إثباتها والتحقق منها إلا عبر هذا الإجراء المسطري.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس