مراقبة الحكومة المغربية لمنصات التواصل: حماية أم تقييد؟

2
مراقبة الحكومة المغربية لمنصات التواصل: حماية أم تقييد؟
مراقبة الحكومة المغربية لمنصات التواصل: حماية أم تقييد؟

أفريقيا برس – المغرب. يتواصل الجدل في المغرب حول تنظيم محتوى مواقع التواصل الاجتماعي؛ بين مطالب بوقف فوضى النشر وحماية القيم المجتمعية، وتحفظات حقوقية تخشى المساس بحرية التعبير. وفي هذا السياق، أكد وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد، أن وزارته تعمل على إعداد إطار قانوني جديد يُحمّل المنصات الرقمية مسؤوليات واضحة، ويعزز الرقابة الذاتية والمؤسساتية، معتبرًا ذلك ضرورة لمواكبة التحولات الرقمية، دون الإضرار بحرية التعبير.

وفي خضم هذا التوجه، تبرز «الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري» (مؤسسة عمومية لمراقبة القنوات التلفزيونية والإذاعية) كجهة مرشحة لتولي مهام التنظيم، خاصة بعد طرح فكرة توسيع صلاحياتها منذ سنة 2019، غير أن الوزير بنسعيد يفضّل إحداث آلية تنظيمية جديدة تضمن إخضاع المنصات الدولية للقانون المغربي، مستلهماً التجربة الأوروبية في تقنين الخدمات الرقمية، ما يعكس تباينًا في الرؤى بين مَن يدعو للضبط الصارم ومَن يُحذّر من التضييق على الحريات.

إجراءات خطيرة

وأبدى بعض نواب المعارضة، خلال اجتماع لجنة التعليم والثقافة في مجلس النواب، التخوف من أن يؤدي التقنين المذكور إلى المساس بحرية التعبير التي يكفلها الدستور. وعبّرت النائبة البرلمانية الباتول أبلاضي، من حزب «العدالة والتنمية»، عن قلق بالغ من توجه الحكومة نحو التحكم في الحريات العامة، وخصوصاً حرية الصحافة والإعلام، ووصفت الإجراءات الحكومية المعلن عنها في هذا المجال بأنها «خطيرة» و«تمس بشكل صارخ أحد مقومات الديمقراطية وحقوق الإنسان».

وعبّرت هيئات نقابية عن انشغالها بالموضوع نفسه، من زاوية مختلفة، حيث قال توفيق ناديري الناطق الرسمي باسم «الجامعة الوطن للصحافة والإعلام والاتصال» والكاتب الوطني «للنقابة الوطنية للصحافة ومهن الإعلام»، في تصريح لـ»القدس العربي»: «إننا كمنظمة مهنية مسؤولة ومواطنة نقارب موضوع التواصل الاجتماعي الافتراضي من منطلق واضح، يحاول أن يضمن حرية تعبير المواطن عن هواجسه وتطلعاته المشروعة بما يتوافق مع القوانين والأعراف والأخلاقيات واحترام حرية الآخرين». وعلى هذا الأساس، يضيف المتحدث، «نعتبر أن تقنين التواصل الاجتماعي يعدّ منطلقاً أولياً لمعالجة الإشكالية السابقة مع مراعاة الضمانات الحقوقية والمواثيق الدولية والتزامات وتاريخ المغرب الحقوقي في هذا الصدد».

ويستطرد الإعلامي والمسؤول النقابي قائلاً: «من منطلق الحس الوطني المسؤول، يجب الإقرار أن هناك حالة فوضى عارمة يتداخل فيها الإعلامي بالتواصل المؤثر غير المقنن». لذلك، في رأيه، فإن «هذا يطرح إشكال الفراغ القانوني، كما يشكل تحدياً مجتمعياً، من خلال محتويات غير سليمة ومسيئة للقيم والحقوق أحياناً، وهذا ما يعزز الأهمية البالغة لتقنين هذا المجال من خلال وضع مرجعية قانونية مجتمعية متوافق عليها».

ويشدد توفيق ناديري على أن الاتفاق على هذه الضرورة «يجب ألا ينسينا أهمية الدفاع عن حرية التعبير المكفولة دستورياً»، كما أكد «مركزية الفصل بين التعاطي مع الإعلام الذي يشتغل وفق آلية تكاملية مع التشبيك الاجتماعي وبين الفعل التواصلي الاجتماعي للمواطن العادي».

وأعرب عن اعتقاده بأن «النقاش الحقيقي سيتمركز حول الإشكالية الأخيرة، بحكم أن تحولات وتغير أنماط استهلاك المتلقي فرض على الإعلام أن يخلق وسائط وبدائل افتراضية دعائية مكملة للمُنتَج الإعلامي الأصلي».

وختم تصريحه لـ»القدس العربي» بالقول: «نشدد كجامعة وطنية للصحافة والإعلام، وكنقابة وطنية للصحافة ومهن الإعلام، على الأهمية البالغة لتقنين مجال التواصل الاجتماعي وفق آلية حقوقية وإعلامية ومجتمعية تراعي خصوصية الفعل الإعلامي المتجدد، وتستند إلى معايير دولية في التعاطي مع الحق الدستوري الأصيل والجوهري لحرية التعبير».

ويرى أحمد علوة رئيس تحرير في إذاعة «راديو أتلنتيك» وعضو المكتب التنفيذي لـ «النقابة الوطنية للصحافة المغربية»، أن «هذه المرحلة تستدعي مقاربة مبتكرة ومتقدمة، وعلى الحكومة أن تُعدّ قانونًا يعزز حرية التعبير باعتبارها حقًا أساسيًا، مع وضع ضوابط صارمة للجودة والمحتوى، لضمان أن تكون المنصات الرقمية فضاءً حرًا ومسؤولًا في الوقت ذاته».

ويوضح في تصريح لـ «القدس العربي»، أن القانون الذي تشتغل عليه الوزارة «يجب أن يتضمن آليات مرنة تُشرك المستخدمين في صنع القرار، مثل لجان مستقلة لمراقبة المحتوى وتقديم شكاوى المستخدمين، وقانون يعزز حرية التعبير وجودة المحتوى، ما سيكون فرصة للمغرب لترسيخ ريادته في المنطقة، وتقديم نموذج يحتذى به للدول الأخرى».

وبعد أن أكد أن على المغرب الاستفادة من التجارب الدولية في الموضوع مع مراعاة الخصوصيات المحلية، عاد بذاكرته إلى مناسبة مهنية كان قد دعا فيها «إلى اعتماد مقاربة شاملة تبدأ بتشجيع الشراكة بين الحكومة وشركات التكنولوجيا والمجتمع المدني لوضع ميثاق وطني للسلوك الرقمي».

وبالنسبة لعبد النبي الشراط، الصحافي ومدير «دار الوطن للطباعة والنشر والصحافة»، فإن القانون المذكور «قد يكون هو المشروع الوحيد الذي اتفق فيه مع وزير الشباب والثقافة والتواصل، لأننا ـكما قال- في حاجة إلى (قانون) يؤطر وسائل التواصل الاجتماعي التي تشهد فوضى لا مثيل لها، خاصة على صعيد ما ينشر من سب وشتم وقذف بحق الأشخاص والمؤسسات»، ويوضح أن «حرية الرأي وحرية التعبير لا تعني (الفوضى) ولو أن هذه الفكرة جاءت متأخرة جداً، لكن مجرد التفكير فيها شيء جيد وإيجابي».

على النقيض من الرأي السابق، عبّر محمد العوني، رئيس منظمة «حريات الإعلام والتعبير»، عن تخوفه الواضح من هذا القانون واسترجع مشروع قانون كان قد اقترحه وزير العدل السابق محمد بن عبد القادر، مؤكداً أنه «عندما يتحدث الوزير أو أي مسؤول عن تقنين التواصل الاجتماعي الرقمي فهو يثير الشكوك حول العودة إلى المشروع الذي سمّي (مشروع تكميم الأفواه) والذي أسقطته الهبّة الواسعة للحقوقيين والمدافعين عن حرية التعبير ورواد مواقع التواصل الاجتماعي».

مبالغة في المتابعات

وأبرز الإعلامي والحقوقي نفسه، متحدثاً لـ «القدس العربي»، أنه «في إطار الرصد الذي يقوم به (مرصد حريات) التابع لمنظمة حريات الاعلام والتعبير، وهو برنامج تطبيقي للرصد والتوثيق، نلاحظ أن هنالك مبالغة في المتابعات فيما يخص التعبير الرقمي، ونجد أن هناك متابعات كثيرة جدًا وأحكامًا قاسية أحيانًا خاصة في المناطق النائية، وهذا العدد الكبير غير معروف لدى الرأي العام وهناك الكثير من الحالات التي يطول شرحها»، يوضح. وفي رأي رئيس المنظمة الحقوقية، فإن «هذه المبالغة تفيد بأن المغرب ليس في حاجة إلى تقنين جديد من أجل متابعة الخروقات التي تمس وتأتي عبر التواصل الرقمي»، لذلك تطالب منظمته «مقابل محاولات التقنين هذه والتفكير في المنع والحصار باستراتيجية مغربية تلتئم داخلها مختلف الأطراف المعنية بالموضوع وهي كثيرة».

وتوقف العوني عند مرتكزات هذه الاستراتيجية المقترحة التي ينبغي أن تتوزع عبر شقين: الأول وهو البارز والأساسي فيها، ويتمثل في «بلورة سياسات التعامل العقلاني والجاد مع الشركات العالمية للتواصل الرقمي وخلق توازن بين طابعها التجاري الاستيلابي، لأنها في الحقيقة تحمل اسم التواصل الاجتماعي ومواقع أو قنوات أو منصات التواصل الاجتماعي، لكنها في الحقيقة قنوات التواصل التجاري، وتغرق في الاستعمال السلبي لهذه الوسائط، خاصة مع ما نعرفه من صعود دونالد ترامب ومؤيدين لإيلون ماسك»، وبالنسبة للإعلامي والحقوقي محمد العوني، فإن «هذا هو الجانب الأساسي الذي ينبغي للمغرب والمغاربة أن يحصنوا أنفسهم فيه».

أما الشق الثاني، يقول المتحدث نفسه، فهو «متعلق بالتربية على الاستعمال الجيد لوسائط التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة بشكل عام، والتوعية على أوسع نطاق بهدف الاستعمال الجيد»، ويشدد المتحدث على ضرورة «مشاركة مختلف المؤسسات المعنية بهذا الموضوع وهي كثيرة مرتبطة بعدة مجالات، بدءاً من دعم المجتمع المدني الذي يبذل مجهوداً في هذا الجانب وفي مقدمته مشروعنا في منظمة حريات الإعلام والتعبير».

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس