أمحمد/ البخاري
أفريقيا برس – الصحراء الغربية. تطرح المطالبة بتنظيم الإستفتاء وممارسة الشعب الصحراوي لحقه الثابت في تقرير المصير والإستقلال، المعترف به من لدن المنظمات الدولية والإقليمية، Hسئلة جوهرية متعلقة بـجدوائية تلك المطالبة ما دمنا أمام وجود دولة قائمة.
وفي هذا الإطار يعتقد البعض أن الإستفتاء يصبح، من الناحية القانونية، متجاوزاW بعد الإعلان عن قيام الجمهورية الصحراوية.
ويدعي المغرب، من جهته وضمن أطروحته وادعاءاته المتعلقة بـ”المطالب الترابية” أن هناك تناقض قانوني بين وجود دولة والمطالبة، في نفس الوقت، بممارسة حق تقرير المصير والاستفتاء.
ويركز في حملته الدبلوماسية على ضرورة سحب الاعتراف بالجمهورية الصحراوية لفسح المجال أمام المجهودات الرامية إلى إيجاد حل سياسي وسلمي للنزاع القائم حول الصحراء الغربية، حتى ولو قبلنا جدلا، أن ذلك يمكن أن يتم عن طريق ممارسة تقرير المصير وعبر تنظيم الإستفتاء.
لتسليط الضوء على هذا الموضوع، لابد أن نستعرض المبادئ والأسس التي حددتها المواثيق والمعاهدات التي تشكل المرجعية فيما يتعلق بمسألة الإعلان عن الاستقلال وقيام الدول، ومتى يكون ذلك متطابقا أو متعارضا مع تلك المبادئ الأساسية.
والإعلان عن الإستقلال يطرح قضايا عديدة منها تحديد من يحق له التمتع بالإستقلال وشروط ذلك، ومن هي الجهة أو الجهات التي يحق لها اتخاذ قرار ذلك الإعلان.
كما أنه لابد من التطرق، في البداية، لمفهوم مبدأ حق تقرير المصير ومركزه القانوني في سلم القواعد التي ترتكز عليها الشرعية الدولية وصيغ ممارسته وتجسيده حسب أحكام القانون الدولي لكي نرى بعد ذلك هل يمكن المطالبة بممارسته بعد الإعلان عن الإستقلال وقيام الدول كما نعيشه حاليا في ملف القضية الصحراوية.
أولا: الطبيعة القانونية لمبدأ تقرير المصير ومنزلته في العلاقات الدولية
تتبنى المدارس الفقهية المختلفة مبدأ تقرير المصير من خلفيات حضارية وفلسفية متعددة؛ وبدون التعرض لتفاصيل ذلك لتفادي الإطناب، نقول بصفة مختصرة، أن منها من يرد المبدأ إلى كونه حقا طبيعيا ملازماً لوجود الإنسان، وهو بذلك يعتبر حقا إلهيا، ومن المبادئ التي تستمد شرعية وجودها من وجود الله، وبعضها يؤكد أن المبدأ من أسس القانون الوضعي وهو حق يعود إلى كون البشر لهم ميولات طبيعية وخاصية ومنها امتلاك العقل والتمييز الذي يمكنهم من التفريق بينهم وبين الحيوان، وبذلك فإن حق الاختيار مرتبط بالطبيعة بكل إنسان أو مجموعة بشرية عاقلة وواعية بعبارة أخرى.
ويقول أتباع المدرسة الاجتماعية التي تتبنى نظرية العقد الإجتماعي أن حق تقرير المصير هو مبدأ تعاقدي يستمد قوته القانونية من العقد والتعاقد في العلاقات الداخلية المنظمة للمجتمع وعلى مستوى روابط الدول فيما بينها.
وهناك أقلية من فقهاء القانون ينفون أن يكون لهذا المبدأ الطبيعة القانونية أو صفة الإلزام ويعتبرون أنه مبدأ سياسي.
ويضيف بعض القانونيين ضرورة اتباع تلك المجموعة لدين واحد، إلا أنها وجهة نظر محدودة جدا.
واعتمد المجتمع الدولي (منظمات ومحاكم دولية وإقليمية) تعريف مبدأ تقرير المصير على أنه حق كل شعب، بمعنى مجموعة بشرية لها تاريخ مشترك ولغة واحدة وتقطن في أرض بحدود معروفة عمرت فيها عهدا طويلا وورثتها عن أجدادها، في اختيار مستقبله بدون تدخل أجنبيي.
إن التعريف الحديث الذي تم اعتماده من طرف الأمم المتحدة وجميع المنظمات والمحاكم الدولية والقارية وتجمع عليه كل المدارس الفقهية، هو أن الحق في تقرير المصير معترف به للشعوب التي ترزح تحت نير الإستعمار والإحتلال الأجنبي، والتي لها أرض بحدود دولية معترف بها.
وخصص ميثاق الأمم المتحدة الفصل الحادي عشر (11) لإقرار مسؤولية المنظمة العالمية تجاه الشعوب المستعمرة والتي عرفها بأنها الشعوب التي لاتتمتع بلدانها بالحكم الذاتي، بمعنى أنها لم تحصل بعد على الإستقلال، وحدد مهمة الدول الإستعمارية، التي سماها بالقوى المديرة، في تمكين تلك الشعوب من ممارسة حقها في تقرير المصير وألزمها برفع تقارير عن ذلك.
الحق في تقرير المصير، هو إذن، المبدأ النابع من القانون الدولي الذي يخول لكل شعب التمتع بالخيار الحر والسيادي لتحديد مستقبله، بعيدا عن أي تدخل أو أي تأثير أجنبي.
ويعتبر العديد من علماء القانون الدولي أن وعي أي مجموعة بشرية محددة بالمصير المشترك وبنفس التطلعات والقيم، فإنها مؤهلة للتمتع بالحق في تقرير المصير.
1- تشريع مبدأ حق تقرير المصير واعتماده كقاعدة رئيسية للعلاقات الدولية ما بعد الحرب العالمية الثانية
ضمن مؤتمر سان فرانسيسكو سنة 1945، حول المنظمة العالمية، مبدأ حق تقرير المصير في الفقرة الثانية من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة ليكون بذلك أول وأهم مبدأ حصل الإجماع حوله يشكل أساسا رئيسيا للعلاقات الدولية المعاصرة في الفترة التي أعقبت مباشرة الحرب العالمية الثانية.
ففي ديباجة الميثاق تقول وثيقة معاهدة سان فرانسيسكو وفي فقرتها الأولى ما يلي:
“نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا، أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف”.
ويتقدم مبدأ تقرير المصير ميثاق الأمم المتحدة من هذه الخلفية السالفة الذكر، حيث جاء في الفقرة الثانية من المادة الأولى من الميثاق ما يلي:
“إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام (إطلع على النص الكامل باللغة العربية لميثاق الأمم المتحدة في www.un.org/un-charter).
وعززت هيئة الأمم المتحدة هذا التوجه بقرارات هامة، يهدف من ورائها المجتمع الدولي إلى طي صفحة الإستعمار والإحتلال والعدوان والميز العنصري؛ وصادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا الإطار على إعلانات وتوصيات تعتبر تجسيدا للإرادة الجماعية لشعوب ودول المعمورة في بناء التعاون والسلام على أساس استقلال وحرية جميع الأمم والشعوب. ومن أهم تلك اللوائح الإعلان الخاص بمنح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة اللائحة (1514-XV) المصادق عليها بتاريخ 14ديسمبر 1960، أصبحت معتمدة باعتبارها ميثاق الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار والذي أنشئت له منذ بداية ستينيات القرن الماضي لجنة الأربع والعشرين (C24) لمتابعة تنفيذه، بالإضافة إلى اللجنة الرابعة للجمعية العامة المكلفة بالشؤون السياسة الخاصة وتصفية الإستعمار (نص الإعلان باللغة العربية في www.un.org/descolonización).
وتعتبر اللائحة 1541 التي صادقت عليها الجمعية العامة في اليوم الموالي، أي 15 ديسمبر 1960، تحت عنوان: “المبادئ التي يجب أن تسترشد بها الدول الأعضاء في تقرير وجود أو عدم وجود الالتزام بإرسال المعلومات المنصوص عليها في المادة 73 (ه) من الميثاق”، مكملة للإعلان المذكور لأنها حصرت الخيارات التي يكفلها حق تقرير المصير للإقليم الذي لا يتمتع بالحكم الذاتي في ثلاثة، وهي:
أ- صيرورته دولة مستقلة ذات سيادة.
ب- أو بدخوله الحر في رابطة مع دولة مستقلة.
ج- أو الاندماج مع دولة مستقلة.
www.un.org/dppa/decolonization/ar/about
وخصص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من جهته مواده الأولى الثلاثة لمبدأ تقرير المصير لما له من أهمية باعتباره أهم أساس للعلاقات الدولية المعاصرة وخاصة فيما يتعلق بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين، حيث جاء في المادة الأولى من الجزء الأول أن: “لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والثقافي”.
وتكرس المادة الثانية من نفس العهد سيادة الشعوب على ثرواتها، حيث أكدت على أن: “لجميع الشعوب، سعيا وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية إلتزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعلى القانون الدولي. ولا يجوز في أي حال حرمان أي شعب من طريقة عيشه الخاصة”.
وقررت المادة الثالثة على أنه: “على الدول الأطراف في هذا العهد، بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسئولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية، أن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير وأن تحترم هذا الحق، وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة” (المراجع باللغة العربية في:
www.ohchr.org/ar/ instruments-mechanisms/instruments/international-covenant-civil-and-political- rights)
2- ممارسة حق تقرير المصير من خلال الإعلان عن الاستقلال وقيام الدول
يشكل الإعلان عن الإستقلال تجسيدا لممارسة حق تقربر المصير، لأن خيار الاستقلال هو أول خيار يوفره ذلك الحق.
وكنا قد رأينا أن ممارسة حق تقرير المصير ملازمة حتما لوجود شعب بالمواصفات والشروط التي حددتها المواثيق والبروتوكولات التي ذكرناها سابقا.
إلا أنه من الضروري أن نوضح هنا أن حق تقرير المصير المعترف به للبلدان والشعوب المستعمرة هو نفس المبدأ العام من القانون الدولي الذي يعترف به لجميع الشعوب أيا كانت أوضاعها، سواء كانت مستقلة أو مستعمرة.
فالوسيلة العادية والمعتادة لممارسة حق تقرير المصير هي الإستشارة الشعبية العامة أو الاستفتاء باعتباره العملية الديمقراطية المتعارف عليها قانونيا على المستوى العالمي كتعبير عن الإرادة.
وتتفق الدساتير في العالم، بغض النظر عن طبيعة الأنظمة السياسية، على أن الاستفتاءات والانتخابات هي أنجع أسلوب ديمقراطي وسلمي تمارس من خلاله الشعوب سلطتها وسيادتها.
ويتضح جليا أن السيادة، إذن، هي ملك للشعب ومرتبطة بوجوده ويمارسها لتحديد خياراته ومستقبله.
فإذا كانت الشعوب التي ترزح تحت الاستعمار تمارسها مباشرة للاختيار بين الاستقلال أو غيره من الخيارات التي يمنحها حق تقرير المصير، فإن الشعوب المستقلة تمارسها هي الأخرى لتشكيل مع دول أخرى أشكالا متعددة من أنماط الوحدة أو الاندماج أو الشراكة والتعاون، تعرف تحت أسماء مختلفة.
وهكذا نوضح، كما رأينا، أن ممارسة الحق في تقرير المصير قد يكون قبل الإعلان عن الإستقلال وقد يكون بعده، لأنه آلية من آليات ممارسة السيادة.
ثانيا: القيمة القانونية لإعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية
تخلي إسبانيا عن مسؤولياتها والتزاماتها التعاقدية مع الأمم المتحدة وتجاه الشعب الصحراوي باعتبارها القوة المديرة للصحراء الغربية ودخولها في مؤامرة كبرى ضد الشعب الصحراوي تستهدف وجوده كشعب وحقوقه المشروعة المعترف بها، فسحت المجال أمام الشعب الصحراوي الذي كان يخوض حربا تحررية بقيادة جبهة البوليساريو من أجل الإعلان عن استقلاله، وهذا ما تم تحقيقه بإعلان الجمهورية الصحراوية يوم 27 فبراير 1976، من طرف المجلس الوطني الصحراوي المؤقت.
وما دامت منظمتي الأمم المتحدة والوحدة الأفريقية، ومحكمة العدل الدولية وغيرهم من منظمات وهيئات المجتمع الدولي تعترف كلها بأن الصحراء الغربية من البلدان المستعمرة وأن لشعبها الحق في تقرير المصير وأن القوة المديرة انسحبت دون تمكينه من ممارسة حقه المعترف به دوليا ولم تقم بالمحافظة على وحدة ترابه الوطني، فإنه ونظرا لما تقدم، لا يوجد أي مبرر يحول دون ممارسة الشعب الصحراوي لحقه في تقرير المصير وإعلان استقلاله الوطني.
الإعلان عن الجمهورية الصحراوية يتماشى تماما مع مقتضيات ميثاقي منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية ويعد تتويجا لتضحيات الشعب الصحراوي وتجسيدا لحقوقه الثابتة وغير القابلة للتصرف أو التقادم في تقرير المصير والإستقلال، كما أكدت على ذلك كل المنظمات والمحاكم الدولية والقارية. إن ذلك الإعلان كان بالتأكيد شرعيا وملائما وضروريا (راجع مذكرة الحكومة الصحراوية حول إعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وتشكيل حكومتها الصادر بتاريخ 20 ماي 1976).
وتجدر الإشارة إلى أن اجتماع مجلس وزراء خارجية منظمة الوحدة الأفريقية في اجتماعه بأديس أبابا، المتزامن مع إعلان الجمهورية الصحراوية، قد اتخذ قرارا يوم 28 فبراير 1976 يهنئ فيه الشعب الصحراوي بمناسبة إعلانه للجمهورية الصحراوية ويعتبر أنه بذلك قام بممارسة حقه في تقرير المصير.
1- الاعتراف بالجمهورية الصحراوية
توالت الاعترافات بالجمهورية الصحراوية عقب الاعلان عنها، وحازت على مكانة مرموقة باعتبارها شخص من أ\شخاص القانون الدولي، وأخذت مقعدها في المنظمة الحكومية التي تجمع دول القارة الأفريقية الذين وصل عددهم إلى 55 عضوا بعد إنضمام المملكة المغربية أخيرا إلى الإتحاد الأفريقي.
والجمهورية الصحراوية التي هي عضو مؤسس للإتحاد الأفريقي أصبحت طرفا في العديد من الإتفاقيات والمعاهدات المختلفة الإقليمية والدولية التي تشمل الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.
ويعتبر الاعتراف بالدول نهائيا وغير مشروطK كما جاء في معاهدة مونتيفيديو (الأوروغواي) الصادرة بتاريخ 26 ديسمبر 1933.
الاعتراف بالدول لايزول إلا إذا اختفى أحد الطرفين، وهما الدولة التي اعترفت أو تلك التي تم الإعتراف بها.
وفي ضمن سياسة بعض القوى الاستعمارية السابقة في الدفاع عن مصالحها الإقتصادية خاصة وخططها الرامية إلى فرض نظام الاستعمار الجديد، عبر تشكيل حكومات محلية عميلة تابعة لها بهدف سد الطريق أمام حركات التحرر التي تطالب بالإستقلال التام، قامت بابتكار ما تسميه بـ”إعلان الإستقلال من جانب واحد” للطعن في إرادة الشعوب المستعمرة الحصول على الاستقلال التام، وكأن ذلك الإعلان يعني جهة أخرى غير الشعب صاحب الحق في تقرير المصير وممثله الشرعي المعترف به من لدن المجتمع الدولي.
وعلى سبيل الأمثلة المعبرة، من تاريخ البشرية، التي تدل على أن ممارسة حق تقرير المصير والإستقلال والتشبث بالسيادة الوطنية تعودان بصفة حصرية إلى الشعب المعني وحده، نذكر بمقولة مشهورة لوزير خارجية فرنسا، ألفونس دو لامارتين (Alphonse de Lamartine) عقب إندلاع الثورة الفرنسية وقيام النظام الجمهوري على أنقاض الحكم الملكي ورفض بعض الأنظمة الأوروبية الإعتراف بالجمهورية الجديدة، حيث قال: “فرنسا جمهورية.. والجمهورية الفرنسية لا تحتاج للإعتراف بها من أجل أن تكون موجودة”، ويضيف “إن أصلها من الحق الطبيعي” و”إنها تجسد إرادة شعب عظيم لا يبحث عن منزلة إلا من نفسه” “La France est une république…..La république française n’a pas besoin d’être reconnue pour exister” ” elle est de droit naturel…. elle est la volonté d’un grand peuple qui ne demande son titre qu’à lui-même”
(www.cnrtl.fr.definition )
وكذلك في: (Trois mois au pouvoir – Alphonse de Lamartine – Paris Michel Lévy – 1848).
وكان إعلان استقلال جمهورية هايتي الواقعة في منطقة الكرايب يوم 1 يناير 1804، على إثر ثورة مسلحة، عرفت بثورة العبيد التي أطاحت بالاستعمار الفرنسي بزعامة نابوليون (Napoléon) والذي بعث بقوة قوامها خمسون ألفا تحت قيادة الجنرال لوكليرك Leclerc، كان ذلك الإعلان، إذن، يجسد أن الإستقلال لا يمكن إلا أن يكون قرارا مستقلا، بدون تدخل خارجي وينبع من الإرادة الحرة للشعوب (راجع للمزيد من المعلومات
1er Janvier 1804- Haïti devient indépendant – Hérodote.net).
ويرفض القانون الدولي الخلط الذي تلجأ إليه بعض القوى الإستعمارية والمحتلة المتمثل في محاولة تقديم إعلان الإستقلال من لدن الشعوب المستعمرة أو المحتلة على أنه تمرد وعمل انفصالي.
كما يفرق القانون الدولي بين الاعتراف بالدول والاعتراف بالحكومات؛ فإذا كان الإعتراف بالدول لايمكن سحبه أو إبطاله، وكما أسلفنا، فإن الإعتراف بالحكومات على عكس ذلك يمكن سحبه أو تجميده لأسباب تعود إلى نوع العلاقات السياسية أو حالتها المرحلية، وذلك لعدة أوجه منها الحرب مثلا؛ Reconnaissance d’États et de gouvernements.
www.edu.admin.ch
2- الجمهورية الصحراوية دولة مستقلة وذات سيادة
لابد من توضيح أن الإحتلال الأجنبي اللاشرعي لأجزاء من تراب أي بلد أو احتلاله بالكامل أنه لا يعطي لذلك المحتل الأجنبي أية سيادة، وفي نفس الوقت فإن السيادة ملك للشعب البلد المحتل أو المستعمَر (بفتح حرف الميم).
ولذلك يجب أن نؤكد هنا أن الإحتلال الأجنبي نتيجة لعدم شرعيته لا يمكن أن يلغي الطبيعة المستقلة لأي بلد آخر ما دام وجوده يرتكز على قاعدة شرعية وقانونية معترف بها.
وانطلاقا مما سبق، فإن الجمهورية الصحراوية هي دولة مستقلة وذات سيادة تواجه عدوانا موصوفا وتقوم بحرب في إطار حق الدفاع عن النفس الذي تضمنه ميثاق الأمم المتحدة في المادة 51، وهو نابع من مبدأ منع استعمال القوة والعدوان المنوه عنه في الفقرة 4 من المادة 2 من نفس الميثاق.
ومن جهته جعل القانون التأسيسي للإتحاد الأفريقي من أهم مبادئه وأهدافه (المواد 3 و 4)، احترام حقوق الشعوب في تقرير المصير وقدسية مبدأ احترام الحدود الدولية القائمة أثناء الإستقلال والدفاع عن النفس والتزام الإتحاد بالدفاع عن سيادة الدول الأعضاء.
ونستنتج مما سبق، أن السيادة ملك للشعب ولا تفارقه ولو أنه يمكن أن يمنع، بفعل خارج عن إرادته، من ممارستها والتمتع التام بفوائدها.
وهناك قضية أخرى لها أهمية قصوى من وجهة نظر القانون الدولي الذي يعترف باستقلال الدول وشرعية وجودها حتى و لو كانت، لسبب من الأسباب، لا تنتمي إلى هيئة الأمم المتحدة وليست عضوا فيها عكس ما يروج له المغرب.
فالفقرة 2 من المادة 93 من الميثاق تخول للدول التي ليست أعضاء في الأمم المتحدة الانضمام إلى نظام محكمة العدل الدولية التي تعتبر من أهم المنظمات والوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة.
كما تجدر الإشارة إلى أن عددا من الدول لم ينضم في البداية إلى الأمم المتحدة واكتفي بالتوقيع على النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، الذي هو جزء من ميثاق الأمم المتحدة، ليصبح طرفا يمكن له التقاضي أمام أكبر هيئة قضائية دولية.
إن المطالبة بممارسة حق تقرير المصير وبتنظيم الاستفتاء لا يتناقض مع وجود الدولة الصحراوية المستقلة، ولا يتعارض معه، وإنما يعبر عن إستعداد الطرف الصحراوي وإرادته في إنهاء النزاع الصحراوي-المغربي الناتج عن العدوان العسكري المغربي، وذلك عبر الحل السلمي والديمقراطي الذي تبنته الأمم المتحدة وكانت على وشك تطبيقه في إطار عملية تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية لولا عرقلتها من لدن أطراف اتفاقية مدريد الثلاثية المشؤومة سنة 1975.
ويمكن اعتبار أن أهم خلاصة هي أن الجمهورية الصحراوية واقع وطني وجهوي ودولي يرتكز على حيازة الشعب الصحراوي للحق في تقرير المصير والإستقلال والسيادة، وأنه في إطار التزامها بالشرعية الدولية لم تقفل الباب أمام إمكانية التوصل مع المملكة المغربية إلى السلام العادل والنهائي والذي يمر حتما بإحترام هذه الأخيرة للحدود الدولية المعترف بها للبلدين المجاورين وبخضوعها لمبدأ عدم إستعمال القوة ضد جارتها الجنوبية، الجمهورية الصحراوية، وذلك يتطلب التزامها بما وقعت عليه مع الطرف الصحراوي سنة 1991 ما دامت يد الشعب الصحراوي مازالت ممدودة للسلام.
saharawi
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس