استراتيجية البوليساريو لكسر الجمود الذي يطبع النزاع

22

بقلم: د. ماريا لوبيث بييوسو*

الصحراء الغربية – افريقيا برس. يعود تاريخ النزاع في الصحراء الغربية إلى زمن إخفاق إسبانيا في تصفية الاستعمار من الإقليم في العام 1975؛ ومنذ الإعلان عن وقف إطلاق النار، والتوقيع على الاتفاق الإطار، ظل النزاع يتسم بحالة من الجمود ومسار تفاوض عبثي، محكوم عليه بالفشل بسبب التصلب وغياب الإرادة السياسية للمغرب. ليبقى الوضع يراوح مكانه منذ سنوات.

هناك العديد من الدراسات التي تحدثت عن تعنت المغرب ومناوراته المستمرة لإطالة أمد النزاع، في الوقت الذي يسعى جاهدا لترسيخ احتلاله للإقليم.

في هذا الاتجاه، بات طرح المجموعة الدولية، التي تبدو بعيدة عن القيام بدورها كوسيط محايد للنزاع، متماهٍ مع الموقف المغربي، من خلال التغييرات اللغوية البارزة، والتي أقصت الإشارة الواضحة إلى الاستفتاء، كحل للنزاع، وتجنبت القيام بدور أكثر فعالية في الالتزام بالقانون الدولي.

وقد بات هذا التموقف، الذي يشكل انحيازا فاضحا لمصالح الاحتلال، واضحا منذ استقالة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، هورشت كولر في مايو أيار 2019. وقد مضى أكثر من عام على تلك الاستقالة، دون أن يكلف الأمين العام نفسه عناء تعيين خلف للرئيس الألماني الأسبق.

تكثيف الهجوم لكسر حالة الجمود

لا تلقى حالة اللامبالاة، التي تتبناها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بصفة عامة والمغرب كطرف للنزاع، رواجا من قبل الطرف الآخر، جبهة البوليساريو، التي أطلقت استراتيجية شاملة لكسر الجمود. عبارة عن هجوم مضاعف -إذا جاز لنا استعمال اصطلاح لعبة الشطرنج- وهي الاستراتيجية التي تظهر بشكل واضح عدم استعداد الجبهة للقبول بتكريس الأمر الواقع.

بداية، أعلنت جبهة البوليساريو مؤخرا عن قرارها الشروع في خطة لبناء وإعمار ما يطلق عليه “الأراضي المحررة”.

ولم يكن القرار مفاجئاً، بقدر ما كان تطبيقا للرهان التقدمي لجبهة البوليساريو القاضي بتعزيز حضور ومكانة “الأراضي المحررة” منذ انعقاد المؤتمر الثاني عشر لجبهة البوليساريو ببلدة التفاريتي، وعقد جلسة للبرلمان الوطني بنفس البلدة، والتوصية المؤسساتية بإعمار التجمعات الحضرية في هذا الجزء من الإقليم.

وتذهب كل من إرينا فيرنانديث مولينا (Irene Fernández Molina) و راكيل أوخيذا غارثيا (Raquel Ojeda García) إلى القول بأن هذا الرهان القاضي بتعزيز حضور جبهة البوليساريو داخل الإقليم وتكريس سيادتها سيرسخ رؤية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية “ككيان انتقالي بين دولة في المنفى وشبه دولة”.

وبحسب الأمين العام لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، فإن استراتيجية الاعمار تلك تعتبر تكريساً لسيادة البوليساريو على الإقليم، ومسعى جاد للبحث عن بدائل لآلاف اللاجئين الصامدين منذ عقود بمخيمات اللجوء بتندوف.

بيد أن ذلك الرهان قد يبعث الروح مجددا في مسارات تسوية النزاع التي تم تجاهلها سابقا، مثل مقترح التقسيم؛ “وهي مسارات لا تتماشى مع القانون الدولي القائم”، كما يقول البروفيسور كارلوس رويث ميغيل (Carlos Ruiz Miguel).

ومن المناطق المحتلة، أعلنت أمنتو حيدار، المدافعة الشهيرة عن حقوق الانسان والحائزة على جوائز عالمية نتيجة لكفاحها السلمي، عن تأسيس حركة جديدة، أطلق عليها اسم الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي.

الإعلان عن ميلاد حركة جديدة

يمكن قراءة تأسيس هذه الحركة الجديدة ضمن سياق دولي وإقليمي: كرهان واضح لخلق حركة ترافع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره من داخل الأراضي المحتلة، منحازة بشكل واضح إلى وسطها الأفريقي الإقليمي، وفي سياق سياسي داخل المغرب، يبدو أن حراك الريف الانفصالي ليس وحده من يتحدى السيادة الوطنية، على الرغم من الطبيعة المختلفة لكلا المنطقتين.

وقد أعلنت الحركة في بيانها التأسيسي بشكل واضح عن رغبتها في “الدفاع عن حقوق الشعب الصحراوي في الحرية، الاستقلال والكرامة، من خلال الوسائل السلمية المشروعة، بما تكفله الأعراف الدولية، والميثاق الأفريقي لحقوق الانسان والشعوب على أساس حماية كافة المواطنين وحقوقهم الثقافية”.

حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير

تحيل هذه الدلالة الواضحة على الميثاق الأفريقي لحماية حقوق الانسان إلى التذكير بأن المغرب يتعايش داخل الاتحاد الأفريقي مع الجمهورية الصحراوية، العضو المؤسس للمنظمة القارية الأفريقية، وهي المنظمة التي ما فتئت تؤكد على الطابع الاعتباري للجمهورية الصحراوية وشرعيتها كعضو بالمنظمة، علاوة على مرافعتها عن حق تقرير مصير الشعب الصحراوي كحل للنزاع.

ولم يتوانى المغرب في إظهار رد فعله، فمنذ الإعلان عن تأسيس الحركة، أطلقت السلطات المغربية حملة مضايقات وتنمر ضد حيدار وضد مدافعين آخرين عن حقوق الانسان.

وتتزامن هذه الحملة الجديدة من القمع والاضطهاد التي يتعرض لها نشطاء حقوق الانسان في المناطق المحتلة مع أهمية حماية حقوق الانسان ضمن أجندة الصراع؛ وهو ما يظهر مجددا الحاجة إلى توسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، في انتظار قرار التمديد لمأموريتها هذا الشهر، وتوفير حماية فعالة للمدنيين الصحراويين من قبل الآليات الدولية.

من جانبه، حاول المغرب تكريس احتلاله للإقليم من خلال تدشين قنصليات عدة والاعلان عن بنى تحتية جديدة بالإقليم، كموانئ صغيرة حديثة؛ وعلاوة على تلك البنى التحتية، تم الإعلان عن تشريعين شهر يناير الفارط يتضمنان ترسيماً للحدود المائية الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الحصرية، بما في ذلك المياه المتاخمة للسواحل الصحراوية، بما يمثل “خرقا جديدا للوضع القانوني للإقليم الغير محكوم ذاتيا”.

وتعتبر ثغرة الگرگرات منطقة أخرى مهمة في معركة السيطرة على الإقليم والحصول على شرعية دولية. فهذا الممر الحدودي، الذي يعتبر منطقة عازلة بموجب الاتفاق العسكري المبرم بين جبهة البوليساريو والمغرب، تحول إلى ثغرة مهمة منذ أن جعل منه المغرب في العام 2016 واحداً من أكبر الممرات غير القانونية المراقبة في العالم.

وكانت المنطقة مصدر توتر مستمر بين الطرفين، وتم إغلاقها مؤخرا من قبل متظاهرين صحراويين، احتجاجا على عبور آليات، يعتقد أنها تساهم في نهب الثروات الطبيعية للإقليم.

وقد أدى تصاعد التوتر بالمنطقة إلى حد إعلان رئيس الجمهورية الصحراوية، إبراهيم غالي القول: “أن المساس بأي مواطن صحراوي بمنطقة الگرگرات يعد بمثابة إعلان حرب”.

المعركة القانونية

وعلى الرغم مما سبق، فإن استراتيجية البوليساريو لكسر حالة الجمود التي تطبع النزاع لم تقتصر على المبادرات التي سبقت الإشارة إليها آنفا، بل عززت من معركتها القانونية خلال السنوات الأخيرة من خلال تقديم طعون قانونية عدة، خاصة أمام المؤسسات الأوروبية، مُنددة بالاستغلال اللاشرعي لموارد الإقليم الطبيعية وبالمساس بالوضع القانوني للإقليم غير المحكوم ذاتيا.

وفي هذا السياق، للمرء أن يتساءل عن دور المجتمع الدولي وعن دور إسبانيا، كقوة مديرة للإقليم؛ والتغيير في الرئاسة الدورية لمجلس الأمن، والتي تولتها روسيا الاتحادية شهر أكتوبر تشرين الأول الجاري، وحقيقة أنها برمجت ثلاث جلسات ضمن جدول أعمال المجلس لمناقشة القضية الصحراوية وتحديدا التمديد لبعثة المينورسو، والتي بدأ العمل بها مسبقا من قبل الأجهزة الدبلوماسية لكلا الطرفين.

تحظى جنوب أفريقيا حاليا بمقعد في مجلس الأمن، وهي حليف رئيس للجمهورية الصحراوية، وستكون لها الرئاسة الدورية للمجلس خلال شهر ديسمبر تشرين أول القادم؛ لذلك فإنه من المرجح أن تضغط من أجل مواصلة المفاوضات الرامية إلى حل النزاع. ومع ذلك، يواصل الأمين العام عدم تعيين مبعوث شخصي له، قادر على استئناف المفاوضات التي أطلقها كولر.

الحياد الفعال

من جانبها تتمسك إسبانيا بموقفها المتمثل في “الحياد الفعال”، داعية إلى احترام لوائح الأمم المتحدة، ومتمسكة بالبحث عن “حل سياسي عادل، ودائم ومقبول من الطرفين”، مع تجاهلها الإشارة إلى حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.

وجدير بالقول أنه لا يوجد قانونيا مفهوم يسمى ب”الحياد الفعال”؛ ومن يرافع عن ذلك المفهوم، لا يؤيد تطبيق القانون؛ كما هو بيّن في وضع الصحراء الغربية، بل “يشجع على انتهاكه”، كما يؤكد على ذلك البروفيسور خوان سورويطا ليثيراس (Juan Soroeta Liceras).

علاوة على ذلك، يتابع البروفيسور سورويطا فإن “الحياد الفعال” لإسبانيا لا يعدو كونه تحيز مفضوح يفسره الدعم الصريح لمواقف الاحتلال، كما تبرهن على ذلك مشاركة رئيس الحكومة الاسباني الأسبق خوسي لويث ثاباتيرو (José Luis Rodriguez Zapatero) بمؤتمر حركة “صحراويون من أجل السلام”، وهي حركة منشقة عن جبهة البوليساريو تحاول إحداث شرخ داخل وحدة الحركة الصحراوية، مثلما سعت إلى ذلك سابقا كل من “خط الشهيد” و”المبادرة الصحراوية من أجل التغيير”.

كل ذلك يظهر كمؤشر على وجود تحركات لحلحلة النزاع؛ كما يظهر أن أحد الطرفين، أي المغرب، هو المستفيد من إطالة أمد النزاع وتكريس الأمر الواقع؛ إضافة إلى وضوح الإطار القانوني الذي يجب أن يطبق على وضع ناتج عن مسار تصفية استعمار لم ينتهي بعد، على الرغم من المحاولات الحثيثة الرامية إلى التملص من الالتزامات الدولية والعبث بالوضع القانوني للإقليم.

أمر ما يتحرك بالصحراء الغربية.. فهل تنتهي تلك الهجمات المكثفة بكش ملك؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د. ماريا لوبيث بييوسو (María López Belloso): دكتوراه في القانون وحقوق الانسان بجامعة Deusto ببلباو-بلاد الباسك؛ لها سجل حافل في البحث والإنتاج العلمي، علاوة على خبرتها التدريسية وإدارتها البحثية؛ نالت إجازتها للدكتوراه عن موضوع حول الصحراء الغربية، والذي عرضت له من أوجه عدة، مثل التنمية البشرية والمساواة الجندرية، مع التركيز على موضوع حقوق الانسان، وتحديدا حقوق ضحايا الاختفاء القسري؛ تعمل حاليا على مشروع بحثي أوروبي.