المعركة القانونية في المحافل الأوروبية: واجهة محتدمة للصراع في الملف الصحراوي (بقلم: محمد ليمام سيدالبشير)

16
المعركة القانونية في المحافل الأوروبية: واجهة محتدمة للصراع في الملف الصحراوي (بقلم: محمد ليمام سيدالبشير)
المعركة القانونية في المحافل الأوروبية: واجهة محتدمة للصراع في الملف الصحراوي (بقلم: محمد ليمام سيدالبشير)

أفريقيا برسالصحراء الغربية. إن الاستمرار على ذات النهج يكرس الوعي العميق بخطورة الموقف المعادي الساعي إلى تجريد القضية الصحراوية من صبغتها القانونية كقضية تصفية إستعمار بغية تثبيت شرعية الإحتلال مع ما يستتبعه ذلك من نهب وتسلط واستغلال؛ والشيء الواضح أن ما يؤكد تأجج هذا الصراع هو تخريج وزير خارجية المغرب، بوريطة، له وتصنيفه اختزالا ”بالمضايقات القضائية” للدلالة على الضغط الذي يقع المغرب تحت طائلته، وما أصيب به من تذمر وإحباط رغم كل المناورات.

فماهي إذ أطوار هذا النزاع؟

-في 2 مارس 2021، بدأت جلسة استماع للطعن المقدم من قبل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب بتاريخ 27 أبريل 2019، ضد قرار مجلس الاتحاد الاوروبي المؤرخ في 28 يناير 2019) القضية (19/279-T ) وفي إطار خلفية الموضوع، فقد أقرت محكمة العدل الاوروبية في حكمها الصادر بتاريخ 21 ديسمبر 2016 أن إتفاقيات التعاون الثنائية بين الاتحاد الاوروبي والمغرب لا يمكن تطبيقها على أراضي الصحراء الغربية، لانها ليست جزءاً من المغرب وتعتبر”إقليما متميزا ومنفصلا “، وقضت المحكمة أيضا أنه ليكون هناك تعاون اقتصادي مع الاقليم، من الضروري أن يعطي شعب الصحراء الغربية موافقته على ذلك.

وفي هذا الصدد تم التأكيد على هذه المبادئ من خلال حكمين صادرين سنة 2018 بشأن الصيد البحري والمجال الجوي.

وبالرغم من كل هذا؛ فقد إعتمد مجلس الاتحاد الاوروبي في28 يناير2019 القرار 2017/2019، الخاص بإبرام اتفاقية شراكة مع المغرب شملت الصحراء الغربية في مجال نطاقها؛ و ردا على هذا القرار، قدمت الجبهة الشعبية لتحريري الساقية الحمراء ووادي الذهب طعنا أمام محكمة العدل للاتحاد الاوروبي، تطالب من خلاله بإلغاء اتفاق توسيع الشراكة بين الاتحاد الاوروبي والمغرب واتفاقيات التبادل الحر، كونها تشمل أراضي الصحراء الغربية؛ وقدمت الجبهة الشعبية لتحريري الساقية الحمراء ووادي الذهب في استئنافها حزمة من الحجج، منها:

* عدم أهلية الاتحاد الاوروبي والمغرب لتوقيع اتفاقيات تؤثر على إقليم غير متمتع بالاستقلال الذاتي و ينتظر إستكمال تصفية الاستعمار منه. ويعد اتخاذ هذا القرار انتهاكا واضحا للوضع المتميز والمستقل للاقليم الصحراوي عن المغرب؛ كما أنالاتحاد الاوروبي أخل، بالوفاء بواجبه في دراسة حالة حقوق الانسان بالاجزاء المحتلة من الصحراء الغربية الخاضعة للاحتلال العسكري المغربي، فضلا عن انتهاك حق الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للصحراويين في التفاوض واتخاذ قرار بشأن المواردالطبيعية .

* طبقا للقرار الذي تم فيه الطعن فإن الاتحاد الاوروبي يروج لسياسات الاحتلال العسكري المغربي.

* انتهاك حق تقرير مصير الشعب الصحراوي.

* تم التوقيع على الاتفاق دون موافقة الشعب الصحراوي ، كما.يوسع القرار سيطرة الغرب على الاقليم من خلال تضمين المجال الجوي الصحراوي.

* انتهاك الفصل الحادي عشر من ميثاق الامم التحدة بالترويج للإحتلال غير الشرعي بالقوة لاقليم غير متمتع بالاستقلال الذاتي.

عدم إمتثال الاتحاد الاوروبي للإلتزام بضمان احترام القانون الدولي الانساني و حقوق الانسان في سياسته الخارجية.

إن عودة قضية نهب الموارد الطبيعية للشعب الصحراوي، إلى أجندة محكمة العدل الاروبية دون موافقته وفي انتهاك صارخ لسيادته الدائمة عليها، تبعث على الإرتياح، أيضا لأنه، من منظور قانوني، لا يمكن أن يكون حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير الصير والسيادة الدائمة على موارده الطبيعية بعيدا عن الشفافية؛ والظاهر أن إصدار محمكة العدل الأوروبية لجميع أحكامها السابقة قد أزعج المغرب كثيرا، وهو ما دفع بوزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، الاسبوع الماضي، إلى وصف المعركة القانونية الصحراوية أمام محكمة عليا ب “المضايقات القضائية”، حسب ما تضمنته قصاصة لوكالة الغرب العربي الرسمية، وهو الذي يتطابق مع ما نشر في وكالة “فرانس بريس” نقلا عنها، مضيفة –حسب المصدر نفسه– أن “الغرب ينوي الدفاع عن شرعية شراكته التجارية ” مع الاتحاد الاوروبي، التي ليست محط اعتراض الصحراويين لولا حقيقة أنها تشمل إقليم الصحراء الغربية الذي يعد إقليما منفصلا ومتميزا عن الاراضي المغربية؛ ووفًقا لأعلى سلطة قانونية أوروبية، فهذه الجلسات العلنية أمام محكمة العدل الاوروبية تتزامن مع سلسلة من الاحداث أهمها:

* مثل توغل المغرب يوم 13 نوفمبر 2020 داخل منطقة “الكركرات” العازلة والمجردة السلاح كثغرة غير شرعية على الحدود مع موريتانيا -حيث كان يتواجد بعض المتظاهرين المدنيين الصحراويين العزل – نسفا لوقف إطلاق النار الذي كان ساري المفعول منذ تسعة وعشرين عاما؛ وبالتالي فإن الوضع الجدبد دشن عودة للحرب بسبب خروقات المغرب وتقاعس الامم التحدة طوال هذه السنوات المنصرمة.

فلقد أدى انتشار الجيش المغربي على طول حدود الكركرات و تنفيذ إعتدائه على الشعب الصحراوي إلى إجبار الجبهة الشعبية لتحريري الساقية الحمراء ووادي الذهب على إلغاء اتفاق السلام الموقع عام 1991، وتفعيل كل مواقع الدفاع العسكري كرد فعل مشروع على التصعيد غير المسبوق من قبل المغرب.

إن الوضع الحالي المتمثل في عودة القتال، واستمرار المعارك بين الجيش الصحراوي والجيش المغربي على طول جدار الذل والعار الغربي الذي يقسم أراضي الصحراء الغربية حقيقة ثابتة رغم محاولات إخفائها من قبل المغرب والتكتم على خسائره الفادحة؛ والواضح أن ثغرة غير الشرعية في الكركرات قد عرت عدم التماسك الاممي وكشفت بالملموس أيضا أن بعثة الينورسو أصبحت موضوًعا جزئيا ومتحاوزا، منحصر المهام في تطبيع الوضع الراهن بدل أداء المهمة الموكلة إليه.

وبموازاة مع هذا فلقد دأبت قوات الاحتلال الغربية على شن حملة مضايقات ضد المدنيين الصحراويين وحصار منازلهم والحد من حركتهم وتنفيذ اعتقالات تعسفية، وغيرها من أشكال الضغط، بما في ذلك التهديدات بالقتل والضرب في الشوارع العامة ضد السكان الصحراويين العزل، خاصة رواد المقاومة الصحراوية في الجزء المحتل؛ والأكيد ان هذا التصعيد ماكان ممكنا لولا تواطؤ المجتمع الدولي مع النظام الديكتاتوري ل”محمد السادس” وتراخي بعثة الامم المتحدة لتنظيم الاستفتاء بالصحراء الغربية (المينورسو)، ولا مبالاة أعضائها وهم يعاينون انتهاكات حقوق الانسان كمشاهد روتينية من سياراتهم التي تحمل لوحات ترقيم مغربية؛ أو هم منزوون في حانة “بارادور” تحت حراسة القوات المغربية…!!!

وعلاقة بالمستجدات على الساحة بعد بطلان وقف اطلاق النار، فإن الشركة العامة التي تدير الملاحة الجوية بإسبانية، ENAIRE في 4 فبراير 2021، قد حثت من خلال مركز المراقبة ”(GCCC / Canarias FIR) (الحركة الجوية في لاس بالماس بجزر الكناري) على “تجنب التحليق في أجزاء من الصحراء الغربية“؛ وهو مركز المراقبة الذي يعتمد عليه غالبية المجال الجوي للصحراء الغربية، (وهو أمر يتم تحاشي الحديث عنه على العموم في الوسائل الرسمية).

وصلة بالاشعار نفسه فقد مضى ما يقرب من أربعة أشهر على مذكرة أخرى صادرة عن إدارة الطيران الفيدرالي الأمريكي (FAA ) التي حذرت من مخاطر التحليق في المجال الجوي للصحراء الغربية، بسبب الحرب التي اندلعت من جديد بين الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب وقوات الاحتلال المغربية منذ 13 نوفمبر الماضي.

* يبدو أن القرار غير المسؤول الذي اتخذه الرئيس الامريكي المنتهية ولايته، في 10 ديسمبر 2020، وأعلن فيه الاعتراف بالسيادة المغربية الزعومة على أراضي الصحراء الغربية التي يحتلها المغرب بشكل غير قانوني (رغم أنه لن يغير من وضع الاقليم إطلاقا)؛ قرار نموذجي لسلوك خاطئ ، وكان هدفه النهائي مجرد المقايضة لتشجيع المغرب على تطبيع علاقاته الدبلوماسية بصفة رسمية مع “إسرائيل”؛ ولكنه يمكن القول أن هناك بعض المؤشرات التي تشجعنا على الاعتقاد بأن الادارة الامريكية الجديدة قد تلغي هذا الاعتراف الأرعن.

* إن قرار المغرب المفاجئ والمتعلق بقطع علاقاته مع السفارة الالمانية بالرباط ومؤسساتها، دون إبداء أي تفسير، والذي تم إتخاذه في الفاتح من مارس الحالي، يراه بعض المحللين مرتبطا بالمواقف الايجابية للحكومة الالمانية الحالية من النزاع بالصحراء الغربية، وكنتيجة لذلك –بالنظر إلى أهمية قرار محكمة العدل الاوروبية المقرر إصداره في الاشهر المقبلة– فإن المغرب سيحاول التخفيف من التأثير المحتمل للنكسة القضائية المتوقعة، والتي تمثل نقطة النهاية لمؤامرة وتواطؤ السلطة التنفيذية الاوروبية ودق المسمار الاخير في نعش سياسة الابتزاز التي ينتهجها المخزن، والتي كانت بمثابة المظلة لتبني تلك الاتفاقيات غير القانونية، وفي ذات الوقت ستكون بارقة أمل لنضال الشعب الصحراوي، ودفعة قوية لرهانه على القانون.

وتذكيرا؛ فإن التطرق الى هذا الموضوع يقودنا للحديث عن المعركة القانونية الصحراوية التي خاض غمارها الراحل، أمحمد خداد، الذي ودعنا منذ عام تقريبا، واستطاع نقل إدانة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب لموقف القادة الأوروبيين، الذين بدلوا كل ما بوسعهم للتهرب من الاحكام القضائية، مستغلين بذلك سلطتهم المالية والسياسية، لعرقلة الاحكام الصادرة عن محكمة العدل الاوروبية، التي أقرت بأن المغرب والصحراء الغربية، إقليمان منفصلان ومتمايزان ولا يمكن أن يكون هناك نشاط إقتصادي بالمنطقة دون موافقة الشعب الصحراوي، فهذا المسار غير مقبول لانه إنتها ك لحقوق سيادية، وعلى الرغم من كل هذا، فإن جهود الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب أمام محاكم الاتحاد الاوروبي تعكس ثقة الشعب الصحراوي في العدالة الاوروبية، على حد تعبير أمحمد خداد: “ستواصل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، بإعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، معركتها القانونية ضد نهب الثروات الطبيعية الصحراوية، وستواجه بحزم أي إتفاقية غير شرعية تمس حقوق الشعب الصحراوي وسيادته”.