أفريقيا برس – الصحراء الغربية. إن عدم استقرار المغرب وخروج شعبه إلى الشارع للانتفاضة والتعبير عن غضبه وسخطه بين فينة و أخرى، تتحكم فيه أسباب موضوعية وتاريخية إن صح التعبير جوهرها أن الحكم العلوي السائد قد فُرض على الشعب المغربي من قبل قوى استعمارية خارجية بما فيها الصهاينة.
إن الظروف القاسية والمجاعة التي عرفها المغرب في مطلع القرن التاسع عشر قد أدت بالشعب المغربي إلى الانتفاضة المسلحة بهدف القضاء النهائي على الحكم العلوي بالمغرب، لكن العلويين الخونة وضعوا المغرب وشعبه بشبه المزاد العلني أمام القوى الاستعمارية مقابل حماية العرش العلوي، وهو ما حدث سنة 1912 عندما وقع السلطان المدعو المولى حفيظ معاهدة الحماية الفرنسية، ترتب عن ذلك احتلال المغرب وفرض العرش العلوي وردع الحركات التحررية المسلحة، مما انعكس على الجانب السياسي برمته الذي لا ينفصل عما هو حزبي، ونقابي، وجمعوي، وإعلامي، ومؤسساتي، إذ سيعرف المغرب خمسة أجيال على الشكل التالي:
جيل المقاومين، أي الذين واجهوا الحكم العلوي وحُماته من حلفائه الفرنسيين والإسبان عبر المقاومة المسلحة ما بين 1912 حتى 1958، ثم جيل الإصلاحيين مابين 1958 حتى سنة 1994، تلاه جيل المساومين بزعامة المسمى عبد الرحمن اليوسفي الذي استقال من وظائفه السياسية بعد صدور نتائج الانتخابات التشريعية عام 1993 احتجاجا على ما وقع فيها من تلاعب وتزوير وتقسيم كعكة البرلمان المغربي كالعادة بين الأعيان، والخُدام، والخونة، والمتزلفين، حيث فر إلى فرنسا في سبتمبر1993 ثم عاد للمغرب بضغط فرنسي.
وفي سياق ما سمي آنذاك بالإصلاحات الجديدة عين أمينا عاما للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في أغسطس 1995. ونظرا لكونه كان يحظى باحترام من قبل فئة عريضة من الشعب، تم توريطه ليدخل في مصالحة مع الحكم العلوي في المغرب حيث عُين وزيرا أولا في فبراير 1998، لانقاذ عرش العلويين من انتفاضة الشعب المغربي، بعدما علم الصهاينة باقتراب نهاية الديكتاتور الحسن الثاني، لما أثبتته الكشوفات الطبية بإصابته بداء السرطان، واستمر عبد الرحمان اليوسفي في مهامه كوزير أول ظاهريا، وكرجل إطفاء للثورة الشعبية باطنيا إلى حدود نوفنبر 2002 .
ثم بعد ذلك حل جيل الإنتهازيين الذي شكل ما يسمى بالإسلاميين الذين امتصوا بدورهم غضب الشعب، وتم توريطهم في فضيحة التطبيع مع الكيان الصهيوني ال”إسرائيل”ي، وشرعنة الاتجار والاستثمار في المخدرات، وما إلى ذلك من فواحش تتناقض مع منطلقاتهم الإيديولوجية. وسيخلفهم بعد ذلك انتهازيون آخرون من أحفاد الأعيان، والخونة من الماسونيين الذين سينفذون مخططات التطبيع مع أشقائهم الصهاينة .
إن الفساد بكل أشكاله هو الضامن الوحيد لبقاء الحكم العلوي على العرش بالمغرب، فبعد فساد العائلة الملكية التي احترفت النهب، والسرقة، والابتزاز واستنزاف الخيرات الطبيعية، والأموال العامة للشعب المغربي، إذ فرض العلويون إبان خروج الحماية الفرنسية على المستثمرين والشركات الإنتاجية تسديد نسبة 51 في المائة من الأرباح للقصر حتى صار الأمير عبد الله الأخ الشقيق للحسن الثاني قائد تلك المهمة يسمى لدى المستثمرين ب “مسيو 51” كما ورد في كتاب “جمهورية صاحب الجلالة” الصادر باللغة الفرنسية للكاتب والصحفي المغربي عمر بروكسي، فصار الفساد بمثابة العمود الفقري لجسم المغرب ليعم كل المؤسسات المالية، والاقتصادية، والتجارية، والسياسية، والقضائية، والتشريعية، والتنفيذية، وهذا ما كرسه الديكتاتور محمد السادس الذي لم ينج بدوره من انتقادات حلفائه الفرنسيين عبر إصدارهم كتابا باللغة الفرنسية تحت عنوان “الملك المفترس” الذي عرى عن فضائح العائلة الملكية .
فقد اخطأ كل مغربي يدعي إصلاح المغرب بوضع يده في يد الملكية، إذ أنه كمن يعتقد أن بإمكانه أن يقوم بعملية “تنيظف الدرج من الأسفل عوض البدء من الأعلى” إذ إن الإصلاح الحقيقي لا يمكنه أن يحدث في ظل الملكية المنغمسة في الفساد.
لقد بُني الإقتصاد المغربي أساسا على الرشوة، والتزوير، والتهرب الضريبي، وتحويلات المهاجرين، ومداخيل المخدرات، والسياحة الجنسية، والقروض الأجنبية، والتسول للدول الغنية. فيما تسهر المؤسسات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية على تزكية هذا الفساد وتنفيذ الأوامر التي تتلقاها من القصر الملكي. وهو ما أثر سلبا على الوضع الاجتماعي للإنسان المغربي حيث انتشار الجريمة، والبنايات العشوائية، والبطالة، وظاهرة التسول، والفقر المدقع، وأطفال الشوارع، والمشردين، وماسحي الأحذية، والدعارة، والشذوذ الجنسي. مما جعل المغرب يحتل الرتب الأخيرة في مختلف المجالات بما فيها مجال التنمية، والنزاهة، واحترام حقوق الإنسان.
إن الضغط الذي يتعرض له الشعب المغربي عبر مختلف أشكال الإهانة والإذلال، الذي وصل حد الاعتقالات والاختطافات، والاغتيالات الانتقامية، ومحاكمات صورية للصحافيين والمناضلين والحقوقيين والطلبة والمعطلين والمتظاهرين بشكل عام من أبناء الشعب المغربي المطالبين بالحرية، وبالكرامة، وبالديمقراطية وبحقوقهم المشروعة التي تكفلها كل المواثيق الدولية للإنسان الحر.
ويظل غرض الديكتاتورية العلوية وراء ذلك الضغط هو تكميم الأفواه، وإرهاب الإنسان المغربي عبر إصدار أحكام جاهزة جائرة في حقه، وتطبيق قانون الغاب داخل محاكم متآكلة منخورة، متسخة وفاسدة، تفوح منها رائحة الظلم، والقهر، والرشوة، والمحسوبية، والزبونية، والقبلية، والعرقية. محاكم مسيرة من قبل السماسرة والمجرمين ومنفذي أوامر وتوجيهات الديكتاتورية المبنية على القمع والترهيب، واستغلال معاناة المغربي، بأساليب لا تختلف عن أساليب عصر السيبة، حيث يُجرد المرء من حقوقه، ومن ممتلكاته، ويحاكم البريء بتهم هو براء منها براءة الذئب من دم يوسف، فيما يتمتع اللصوص، والخونة، والمجرمون، والقتلة والمتزلفون بالحرية والبراءة، إذ لا ينطبق على القضاء المغربي سوى ما قاله الرسول في اليهود “إذا أجرم الشريف تركوه، وإذا أجرم الوضيع أقاموا عليه الحد”.
إن تورط الديكتاتورية العلوية في إخراج التطبيع مع الكيان ال”إسرائيل”ي من سريته إلى علانيته قد يُعد بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، وهو ما يؤشر على نهاية الحكم العلوي الملكي بالمغرب بالرغم من الحماية الصهيونية ال”إسرائيل”ية له، فقد جلبت فضيحة وزلة التطبيع الكثير من ردود الأفعال والرفض الشعبي المغربي لهذه الجريمة الشنعاء.
لهذا لجأت الديكتاتورية العلوية، وأعوانها، وأزلامها، وعبيدها إلى محاولتهم اليائسة المتجلية في تبريرهم لهذه الفضيحة، والجريمة باستعمالهم الصحراء الغربية كمبرر للتطبيع بالتطبيل لخرافة “اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مقابل التطبيع مع الكيان الصهيوني ال”إسرائيل”ي”، علما أن هذه الديكتاتورية اللاوطنية، اللاديمقراطية واللاشعبية لا يهمها لا الوطن، ولا الصحراء، ولا فلسطين، ولا القدس أكثر مما يهمها البقاء على العرش عبر خيانتها للشعب المغربي وارتمائها بين أحضان الصهاينة ال”إسرائيل”يين، فقد صدق الكاتب اليهودي ال”إسرائيل”ي، شاي جولدبيرغ، لما قال في تدوينته: “لاحظت أن نسبة العرب الموالين ل”إسرائيل” تتضخم بصورة غير منطقية. أنا (يعني هو) كيهودي علي أن أوضح نقطة مهمة: عندما تخون أنت كعربي أبناء شعبك بآراء عنصرية صهيونية فنحن نحبك مباشرة… لكن حبا كحبنا للكلاب.. صحيح أننا نكره العرب لكننا، عميقا في داخلنا نحترم أولئك الذين تمسكوا بما لديهم، أولئك الذين حافظوا على لغتهم وفكرهم. ولهذا يمكنك أن تختار: إما كلب محبوب أو مكروه محترم. حتى الأعداء لا يحبون الخونة” …
لقد ساند الشعب المغربي سابقا جيل المقاومة ضد الديكتاتورية العلوية وحماتها من القوى الإستعمارية المتحالفة ضده، لكن لم يحالفه الحظ لتحقيق الانتصار على ذلك التحالف لأسباب متعددة من بينها عدم التكافؤ في القوة والعتاد الحربي، حيث أن قوة التحالف العدو كانت أقوى، ثم خيانة بعض الأجنحة للأخرى من داخل صفوف المقاومة نفسها.
كما أن الشعب المغربي انتظر الكثير ومنح الفرصة الكافية لجيل الإصلاح ليحقق مبتغاه بطرق سلمية تجنبا لسفك الدماء. وقد خاب أمله في ذلك وفقد الثقة الكاملة في السياسة وفي كل السياسيين مع جيل المساومين. وحاول بكل ما بوسعه أن يضغط على جيل الانتهازيين من المتأسلمين أملا أن يعطوه حقوقه بالمعروف والقسط كما يدعي المؤمنون. لأنه حسب أيديولوجيتهم العقائدية فهم لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف حقه.
لقد تأكد للشعب المغربي بالملموس أنه ليس بين القنافد أملس، وأن الحق يُنتزع ولا يُعطى، وأن القضاء النهائي على الافعى المسمومة القاتلة يكمن في دغدغة رأسها وليس في بتر جزء منها، لذا فالشعب قد بدأ يستجمع قواه من جديد، ويستفيق من سباته العميق لمواجهة جيل الماسونيين، حيث لا بديل أمامه سوى الخروج للشارع للانتفاضة بكل الأشكال المتاحة، والمطالبة باسقاط الحكم العلوي الماسوني ووضع حد لتمادي الديكتاتورية في غطرستها وجبروتها، ثم إنقاذ المغرب من أيادي الماسونية الصهيونية.
بقلم: الكاتب المغربي علي لهروشي
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس