هل تدعم إسبانيا خطة الحكم الذاتي المغربي؟ (بقلم: بلة لحبيب ابريكة)

23
هل تدعم إسبانيا خطة الحكم الذاتي المغربي؟ (بقلم: بلة لحبيب ابريكة)
هل تدعم إسبانيا خطة الحكم الذاتي المغربي؟ (بقلم: بلة لحبيب ابريكة)

أفريقيا برسالصحراء الغربية. أكدت وزيرة الخارجية الإسبانية أرنتشا غونثالث في مقابلة نشرتها صحيفة لفنغوارديا يوم الأحد 20 يونيو الماضي، أن بلادها على “استعداد لأخذ بعين الاعتبار أي حل يضعه المغرب على الطاولة” في إطار الأمم المتحدة لحل نزاع الصحراء الغربية.

و قد استخدمت الوزيرة في مقطع الفيديو الذي نشرته الصحيفة عبارتي “نتفهم” و”نرحب” بأي مقترح يعرضه المغرب.

من الراجح أن تكون المقابلة أعدت سلفا، وانتقيت عباراتها بعناية، كما لا يستبعد أن تكون جاءت بطلب من وزارة الخارجية الإسبانية.

استعراض أهم النقاط التي وردت في المقابلة:

1- ” نأمل في التوصل إلى حل متفاوض عليه في إطار الأمم المتحدة. وفي هذا الإطار، نحن على استعداد أخذ بعين الاعتبار أي حل يعرضه المغرب“.

إسبانيا كانت تدعم دائما، من تحت الطاولة، مقترح الحكم الذاتي المغربي المطروح لدى الأمم المتحدة منذ عام 2007، إلا أنه بعد أزمتها الأخيرة مع الرباط، خضعت على ما يبدو للضغوطات المغربية، إذ أصبحت على استعداد لتأييد الموقف المغربي علنا.

وتكمن فحوى رسالة الوزيرة في مقابلتها أن مدريد على استعداد للمجاهرة بتأييد الحكم الذاتي المغربي، ويعد ذلك محاولة من إسبانيا للخروج من الأزمة الراهنة بين البلدين. بهذه الخطوة، ترى مدريد أنها تحرج الرباط، وتقذف الكرة في مرماها.

تقع الوزيرة في تناقض صارخ عندما تدعو للتوصل إلى حل متفاوض عليه في إطار الأمم المتحدة، وفي نفس الوقت تعرقله بالاصطفاف خلف”مقترحات” المغرب، البلد المحتل للصحراء الغربية.

2- “ليس من شأن إسبانيا تقديم مقترحات، أو اختيار حلول، أو إجراء وساطة أو التوفيق. هذا من شأن الأمم المتحدة”. ماهي مهمة إسبانيا في هذا النزاع؟ تجيب الوزيرة: ” مهمة إسبانيا دعم الأمين العام في تعيين مبعوثه الشخصي، والتوصل إلى حل”.

من الواضح أن إسبانيا حولت مهمتها كقوة مديرة لإقليم الصحراء الغربية، يقع على عاتقها مسؤولية تقرير مصير شعب الصحراء الغربية، إلى راع لمصالح المغرب في الأمم المتحدة، ومؤيد للجهود الأممية للتوصل إلى حل تبدي فيه استعددادها لتأييد الموقف المغربي بصراحة.

يشار أن مدريد تخلت في السنوات الماضية عن مفهوم استفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي في خطاباتها لصالح حل متوافق عليه في إطار الامم المتحدة.

3- تقول الوزيرة إن ثمة تقاطع في المواقف بين إسبانيا والولايات المتحدة في التوصل إلى “حل في إطار الأمم المتحدة، وإعادة إحياء المسار، مع احترام المغرب”.

يبدو بالنسبة للوزيرة أن المغرب هو الطرف الوحيد الجدير بالاحترام. و أي حل أو تسوية أممية ينبغي فقط أن تراعي طموحات الرباط، أكثر من حق تقرير مصير الشعب الصحراوي المنصوص عليه في مواثيق الأمم المتحدة. لم تذكر أرانتشا في مقابلتها إحترام الشرعية الدولية، ولا القانون الدولي لأنهما لا يصبان لصالح المغرب.

أما بخصوص تأكيداتها أن أمريكا تشاطرها الرأي بشأن “احترام المغرب” في أي تسوية أممية، فإنها تجانب الحقيقة، لأن الإدارة الأمريكية الجديدة، رغم غموض موقفها وتناقضه، لم تعبر صراحة عن هذا الموقف.

سوء تقدير إسبانيا الموقف

وقف الإتحاد الأوروبي خلف إسبانيا في أزمتها مع المغرب على خلفية ابتزازات هذه الأخيرة بحوالي 10 آلاف مهاجر مغربي وصلوا سواحل مدينة سبتة، وأصدر برلمانه قرارا شديد اللهجة يلقي باللائمة على تصرف الرباط. مع ذلك، لا تزال الأزمة قائمة بين البلدين. فمنذ استدعائها من قبل وزارة الخارجية قبل حوالي شهر، لم تعد سفيرة المغرب في إسبانيا إلى مباشرة عملها، والتنسيق الأمني بين البلدين متذبذب، والهجرة متواصلة بدعم من الرباط إلى السواحل الإسبانية.

تعاظمت مخاوف إسبانيا عقب توجيه ألمانيا دعوة للمغرب لحضور مؤتمر ليبيا الثاني المنعقد في برلين، حيث اعتقدت أن ذلك قد يشكل بداية للمصالحة بين البلدين، ما قد يجعلها في موقف صعب، والبلد الأوروبي الوحيد في صراع مع الرباط، إحدى أكبر شركائها الإقتصاديين في إفريقيا.

لهذا السبب حرصت مدريد على حضور اجتماع برلين حول ليبيا، لكن ألمانيا لم توجه لها دعوة، ربما لكي لا يتسبب ذلك في امتناع المغرب عن الحضور. هاجس التصالح بين برلين والرباط، دفع على ما يبدو إسبانيا لتقديم تنازلات من قبيل استعدادها لدعم مقترحات الرباط في الأمم المتحدة.

هل سيكتفي المغرب بموقف إسبانيا الجديد؟

اعتمدت استراتيجية المغرب بعد إعلان ترامب الاعتراف له بما يسمى السيادة على الصحراء الغربية على تجاوز المسار الذي ترعاه الأمم المتحدة، واعتبار خطة الحكم الذاتي الأرضية الوحيدة للمفاوضات المحتملة بين المغرب والبوليساريو في إطار السيادة المغربية. أي موقف لا يذهب في هذا الاتجاه، تعتبره الرباط تقويضا لأطروحاتها في حالة استئناف المفاوضات.

لهذا السبب نشبت أزمة مع ألمانيا على خلفية رفضها إعلان ترامب الاعتراف بسيادتها على الصحراء الغربية، ومطالبتها بعقد جلسة لمجلس الأمن نهاية شهر ديسمبر الماضي للتعبير عن رفضها له.

وسلكت نفس النهج مع إسبانيا، عندما مارست عليها ضغوطات من خلال إرجاء اجتماع اللجنة المشتركة بين البلدين بعد إعلان ترامب المذكور، واستغلالها لوجود الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي داخل الأراضي الإسبانية للاستشفاء من جائحة كورونا، أو السماح للآلاف من مواطنيها بالهجرة إلى مدينة سبتة الإسبانية.

بعد إعلان ترامب، رفع المغرب سقف مطالبه، بحيث أصبح لا يرضى بموقف أقل من الاعتراف له بالسيادة. ولهذا لم يلب الدعوة التي وجهتها له ألمانيا لحضور المؤتمر الثاني حول ليبيا المنعقد في برلين. ومن غير المحتمل أن تجد تصريحات وزيرة خارجية إسبانيا أرانتشا آذانا صاغية في الوقت الراهن، رغم اعتبارها من قبل الإعلام المغربي انتصارا للرباط على إسبانيا.

من الواضح أن الرباط ترى أن أي تراخي في موقفها تجاه ألمانيا وإسبانيا، سيفقدها ما تعتبره ضغطا عليهما للحصول على تنازلات في مسالة الاعتراف لها بالسيادة على الصحراء الغربية. يبقى أن نرى ما إذا كانت ستنجح ضغوطاتها في دفع البلدين للاعتراف لها بالسيادة على الصحراء الغربية.