الهضيبي يس
أفريقيا برس – الصومال. أثار تصريح لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد حفيظة الحكومة الصومالية حول ضرورة وجود ممر مائي لأثيوبيا في منطقة البحر الأحمر، مذكرا باتفاق سابق بين مقديشو-وأدريس أبابا ابان عهد الرئيس الصومالي السابق محمد عبد فرماجو.
تحفظ الصومال التي اعتبرت حديث إثيوبيا ما هو الا محاولة للمضي في نهج التعامل وفقا لرواسب تاريخية تعود لخلافات بين الدولتين إلى ماقبل العام 1964.
بينما على أديس أبابا ادراك اختلاف معطيات الزمان والمكان والحديث بصورة بها قدر من محاولة التسلط السياسي وفرض رؤية على الصوماليين مستغلة عدة عوامل داخلية لن يحقق لها أي نوع من انواع المكاسب، بل سيفقدها أرضية العلاقة التي تجمع ما بين الدولتين حتى على المستوى الرسمي.
كذلك الحديث عن منح اثيوبيا ممر مائي لكفالة مرور انشطتها التجارية في منطقة البحر الأحمر، والمحيط الهندي أمر يظل محكوم بموافقة البرلمان وليس باتفاق سياسي بين رؤساء الدول، فنحن لسنا بحاجة إلى تذكير من احد في إشارة إلى ما ذهب اليه ابي أحمد عن مسألة الاندماج بين الصومال، وإثيوبيا لتكوين وحدة اقتصادية واحدة وفقا لرؤية مشتركة تعمل على خدمة البلدين.
ويقول عضو مركز دراسات الشؤون الافريقية الرشيد احمد محمد في حديث لـ “أفريقيا برس” أن لدى إثيوبيا مصلحة استراتيجية في الوصول إلى جميع الموانئ البحرية في منطقة القرن الأفريقي في إطار استراتيجية رئيسية يرتكز عليها آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، في مشروعه الإقليمي الذي يقوم على ضمان التقدم الاقتصادي لإثيوبيا والتغلب على كونها دولة حبيسة، مما يعزز المساعي الإثيوبية لامتلاك حصص في الموانئ البحرية بالمنطقة.
فقد شرعت إثيوبيا عقب تولي آبي أحمد السلطة في أبريل 2018 في تبني دبلوماسية الموانئ، كجزء من المشروع الإثيوبي الإقليمي الطامح لتوحيد القرن الأفريقي ككتلة اقتصادية يلعب سلاح البحرية دورًا بارزًا ويكون جزءًا رئيسيًّا منه، بهدف التغلب على المعضلة الجغرافية التي لازمت إثيوبيا منذ تسعينيات القرن الماضي، وذلك عقب استقلال إريتريا في عام 1993، الذي شكل نقطة تحول استراتيجي في السياسة الإثيوبية التي انخرطت في البحث عن بدائل متنوعة من الموانئ البحرية في دول الجوار الإقليمي، للاعتماد عليها في النفاذ إلى البحر الأحمر أو المحيط الهندي من أجل ضمان استمرار عبور التجارة من و إلى أديس أبابا.
ويدلل الرشيد إلى مسارعة إثيوبيا في توقيع سلسلة من الاتفاقيات مع بعض دول الجوار الجغرافي مثل جيبوتي والصومال وكينيا والسودان إلى جانب أرض الصومال بشأن استخدام الموانئ البحرية، والحصول على حصص فيها لتسهيل التجارة الإثيوبية مع العالم الخارجي، وهو ما تزامن مع عودة العلاقات الاستراتيجية مع إريتريا عقب توقيع اتفاق السلام بينهما في عام 2018.
وعزز تلك المساعي الإثيوبية أيضًا إعلان آبي أحمد في عام 2019 نية بلاده إعادة تأسيس القوة البحرية الإثيوبية بمساعدة فرنسية حتى تكون إثيوبيا جاهزة لقيادة المنطقة في إطار مبادرة التكامل الإقليمي.
ولفت إلى تزايد المخاوف الإثيوبية خلال السنوات الثلاثة الماضية بشأن تأمين أكثر من بديل للتواصل مع العالم الخارجي عبر طرق الملاحة البحرية، خاصة مع التهديدات التي أطلقها مقاتلو قوات دفاع تيغراي خلال الحرب الإثيوبية الأخيرة بقطع الطريق الرئيسي الواقع في إقليم عفر والواصل بين العاصمة أديس أبابا وميناء جيبوتي؛ مما أثار انتباه الإدارة الإثيوبية لضرورة استمرار المساعي من أجل تأمين بدائل استراتيجية لميناء جيبوتي الذي تعتمد عليه أديس أبابا في عبور أكثر من 95% من التجارة.
باعتبار أن المصالح الاثيوبية في منطقة شرق أفريقيا بما في ذلك حوض النيل والبحيرات العظمى إحدى مناطق لنفوذ إقليمي تسعى لإبراز اهتماماتها هناك رغبة في توسيع نفوذها على الصعيد القاري لتصبح أحد أقطاب القارة الأفريقية، وذلك برغم من عدم امتلاكها لمقومات القوة الإقتصادية الكافية في أفريقيا حتى الآن نسبة لتعقيداتها الداخلية إجتماعيا وأمنيا.
ولعبت عدة عوامل دورًا في تموضع إثيوبيا كقوة إقليمية بارزة في الإقليم على رأسها الدعم الأمريكي والغربي للدور الإثيوبي في المنطقة على مدار العقدين الماضيين، وتراجع بعض دول المنطقة مثل كينيا وأوغندا ورواندا في مراحل معينة عن التنافس مع إثيوبيا خوفًا من الصدام المحتمل وأسباب أخرى تتعلق بالأوضاع الداخلية في هذه البلدان، إضافة إلى تدهور أوضاع بعض الدول الأخرى على مدار السنوات السابقة مثل الصومال والسودان.
وزاد الرشيد سياسيا ما تزال ترتبط بالمشروع الإثيوبي الإقليمي الذي يقوم على التمدد في منطقك القرن الأفريقي، وذلك من خلال تعزيز أديس أبابا علاقاتها مع دول المنطقة وربطها بها لضمان ولائها ودعمها في الدفاع عن قضاياها على الصعيدين الأفريقي والدولي. إضافة إلى الانخراط الدائم لإثيوبيا في أزمات دول المنطقة مثل السودان وجنوب السودان من خلال لعب دور الوساطة.
كما أنها تبنت دبلوماسية إنهاء الخلافات في محيطها الإقليمي منذ عام 2018 وهو ما تجلى في توقيع اتفاق السلام الإقليمي مع إريتريا لتنهي قطيعة استمرت عقدين من الزمان تقريبًا، إلى جانب تعزيز العلاقات مع دول جوارها الإقليمي مثل الصومال وجيبوتي والسودان وجنوب السوان بينما احتمالية قيام اتحاد كونفيدرالي بين إثيوبيا والصومال خاصة بعدما صرح آبي أحمد في خطاب أمام البرلمان الإثيوبي بأن إثيوبيا والصومال ستندمجان معًا في دولة واحدة برئيس واحد وحكومة واحدة وجواز سفر واحد من خلال اندماج شرق أفريقيا، وهو ما فسره البعض برغبة آبي أحمد في الوصول للبحر الأحمر عبر بوابة الصومال وموانئها، الأمر الذي يعكس الطموح الإثيوبي الجامح في تعزيز قوة إقليمية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في قضاياه، من أجل تقليص نفوذ بعض الدول في المنطقة.
وأكد أن امتلاك أثيوبيا لمنفذ بحري دائم في البحر الأحمر هدفًا رئيسيًّا للإدارات الإثيوبية المتعاقبة منذ تحول إثيوبيا لدولة حبيسة، وهو الذي يضمن لها حال نجاحها وجود دائم في البحر الأحمر؛ يترتب عليه استمرار تجارتها مع العالم الخارجي، وقد يؤسس لها الحق في لعب دور في معادلة أمن البحر الأحمر وصولًا إلى امتلاك قاعدة بحرية إثيوبية بدعم غربي بالقرب من مضيق باب المندب بحجة تعزيز التجارة الإثيوبية مع العالم الخارجي، وحماية مرور التجارة الدولية والملاحة البحرية في البحر الأحمر، خاصة أن أديس أبابا لديها شعور بالسخط بعد تجاهل مجلس الدول المطل على البحر الأحمر وخليج عدن الذي تأسس في يناير 2020، وهو ما عبر عنه آبي أحمد في فبراير 2022 بأن أمن البحر الأحمر لا يتحقق دون مشاركة إثيوبيا التي ستحافظ على مصالحها الاستراتيجية في المناطق البعيدة خلال السنوات الخمسة عشر القادمة.
وتدرك أثيوبيا أن تقوية إقتصادها يعزز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي، ويجعلها قادرة على ربط اقتصادات دول المنطقة بالاقتصاد الإثيوبي باعتباره الاقتصاد المهيمن هناك. كما يجعلها مقصدًا للاستثمارات الأجنبية، وبوابة مهمة للقوى الكبرى إلى دول المنطقة والعمق الأفريقي.
وتقود أثيوبيا مبادرة التكامل الإقليمي في القرن الأفريقي وما تتضمنه من مشروعات إقليمية عدة، من أجل تحقيق هدفين أساسيين هما تعزيز ربط البنية التحتية بين أثيوبيا ودول المنطقة كما هو الحال في مشروع لابسيت الذي يربط بين دول كينيا -ميناء لامو- وإثيوبيا وجنوب السودان، بالاضافة إلى إمكانية توافر عدة بدائل استراتيجية فيما يتعلق بالموانئ البحرية، مما قد يسهم في تعزيز النفوذ الإثيوبي في القرن الأفريقي.
ويشير المحلل السياسي عثمان أزوم في حديث لـ “أفريقيا برس” إلى جملة من المصالح السياسية، الأمنية قد تدفع إثيوبيا للبحث عن منفذ بحري لها يشكل لها حماية مستقبلية لتجارتها باعتبار أنها تحولت لدولة حبيسه مابعد انفصال ارتريا خلال مطلع تسعينيات القرن الماضي.
كذلك أمنيا تظل تتخوف من توسع العمليات الإرهابية لبعض الجماعات في منطقة القرن الأفريقي، مما يجعلها تسارع لتوفير حائط صد منيع يسهم في تعزيز أمنها الداخلي، بعد وضع استراتيجية لزيادة مستوى النمو الاقتصادي تعمتد على موارد جلب الاستثمارات الأجنبية من دول مثل الصين، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الخليج وقطعا لن يتسنى لها تحقيق ذلكم الهدف وسط دولة تعيش أوضاع أمنية مضطربة.
وينوه ازوم إلى مجموعة تحديات قد تواجه بها أثيوبيا في مسعى البحث عن منفذ مائي وتطبيق استراتيجية التمدد بالاعتماد على دول الجوار من الصومال وجيبوتي منها عدم توفر القدر الكافي من الدعم اللوجستي لتأهيل وتطوير المواني التي تطل على المحيط الهندي، والبحر الأحمر مما يدعوها لدخول في شراكات اقتصادية مع بعض الدولة.
أيضا الحاجة الى إنهاء الاضطرابات الأمنية بدأ في دولة مثل الصومال ما تزال تعاني منذ منتصف العام 2006 من أنشطة حركة الشباب العسكرية التي كانت تتبع سابقا لتنظيم القاعدة، مما يستدعي زيادة حجم المجهودات الأمنية لإنهاء الحركة بحثا عن تطبيق استراتيجية التمدد نحو البحر.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس