بين قرارات الرئاسة وصلاحيات الدستور

27

بقلم : الهضيبي يس

أفريقيا برسالصومال. اجتازت الأزمة بين الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو ورئيس وزرائه محمد روبلي عتبة جديدة، مثيرة مخاوف من تصعيد للعنف في بلد يواجه بالأساس مأزقاً انتخابياً. وأعلن الرئيس الصومالي فارماجو أنه كان يسحب صلاحيات روبلي، ولا سيما القدرة على تعيين وفصل المسؤولين، حتى اكتمال عملية الانتخابات.

واستندت الرئاسة الصومالية إلى عدة بنود دستورية منها الخطوات غير الدستورية التي اتخذها رئيس الوزراء روبلي “حسب نص المادة 87 بفقرتيها الثانية والثالثة والمادة 90 بفقرتها الثانية والثالثة والرابعة من الدستور المؤقت في البلاد”. واتهم فرماجو الرجل الذي عينه قبل عام واحد بانتهاك الدستور واتخاذ “قرارات طائشة يمكن أن تمهد الطريق لعدم الاستقرار السياسي والأمني”.

بدوره انتقد روبلي، قرار فرماجو، ورفض الخطوة التي اتخذت ضده، واتهم الرئيس بالسعي لتخريب عمل الحكومة، كما أصدر تعليماته إلى “قوات الأمن الصومالية بعدم التدخل في السياسة” ، حيث يثير الخلاف شبح اندلاع أعمال عنف جديدة في مقديشو. بينما أصبح الصراع المرير على السلطة علنياً الأسبوع الماضي عندما أقال روبلي رئيس المخابرات الصومالية بسبب تعامله مع تحقيق رفيع المستوى في اختفاء عميل استخباراتي.

مأزق الانتخابات

ظل الصومال يكافح من أجل إجراء الانتخابات منذ شهور، حيث انتهت ولاية الرئيس فرماجو التي كانت مدتها أربع سنوات في فبراير الماضي، لكن البرلمان مددها في أبريل الماضي؛ مما أدى إلى اندلاع معارك دامية بالأسلحة النارية في مقديشو، عدّها بعض المنافسين استيلاءً صارخاً على السلطة.

ووضع روبلي جدولاً زمنياً جديداً للانتخابات، لكن العملية تأخرت، متهماً فرماجو بمحاولة إفشال عملية التصويت المزمع قيامها بنهاية ديسمبر من العام 2021، خاصة وأن الانتخابات في الصومال تتبع نموذجاً معقداً غير مباشر، حيث تختار الهيئات التشريعية في الولايات ومندوبو العشائر المشرعين للبرلمان الوطني، الذين يختارون بدورهم الرئيس.

موقف دولي

بالمقابل أجرى مجلس الأمن الدولي، مشاورات طارئة بشأن الأزمة السياسية المتفاقمة في الصومال، التي قد تهدد إجراء الانتخابات هناك، المعطلة منذ فترة طويلة، وتزيد من زعزعة الاستقرار بمنطقة شرق أفريقيا.

وأعربت سفيرة بريطانيا لدى الأمم المتحدة، باربرا وودوارد، التي دعت إلى جلسة إحاطة مغلقة للمبعوث الخاص للأمم المتحدة، جيمس سوان، عن قلقها الشديد بشأن “التوترات المتصاعدة بين رئيس الوزراء والرئيس في الصومال”.

وجاء الاجتماع بعد بيان الرئيس محمد عبد الله محمد، الذي قال فيه إنه علق صلاحيات رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، في تعيين وفصل المسؤولين. وشددت وودوارد على أن التوترات المتزايدة لها تداعيات على العملية الانتخابية في الصومال، ويمكن أن تؤدي إلى “أزمة دستورية تضاف إلى التحديات الأخرى في البلاد المتمثلة في متطرفي حركة الشباب، والمجاعة، والجراد، والجوع”.

وقالت وودوارد إن “مجلس الأمن يجب أن يواصل الضغط لإعادة العملية الانتخابية إلى مسارها الصحيح، ورؤية رئيس الوزراء والرئيس يحلان خلافاتهما بسرعة، لضمان الأمن والسلام والاستقرار الذي يحتاجه الصومال”.

استقطاب شعبي

وتشير الخلافات بين الرجلين الأقوى في الصومال إلى أن روبلي قد نجح في جمع كل الأطراف حول طاولة المفاوضات، فاتفقوا على جدول زمني للانتخابات، وشكل هذا إنجازاً كبيراً له وترجمة لشعبية كبيرة يحظى بها.

فقد اتهم روبلي الرئيس بـ “عرقلة” التحقيق حول اختفاء موظفة في جهاز الاستخبارات تدعى إكرام تهليل (25 عاماً)، معتبراً قراراته الأخيرة تشكل “تهديداً وجودياً خطيراً لنظام الحكم في البلاد”، الأمر الذي أثار المخاوف والتوتر ليلة في العاصمة مقديشو، عقب مشاهد انتشار كثيف لوحدات عسكرية تتبع للجيش مدججة بالسلاح قامت بتطويق مبنى رئاسة الاستخبارات والقصر الرئاسي.

ويخشى أن يؤدي المأزق الانتخابي والصراع في أعلى هرم السلطة إلى عودة المواجهات المسلحة على خلفية الانقسامات السياسية والقبلية، وهو ما يعيد إلى الذاكرة عقود الحرب الأهلية التي اجتاحت البلاد بعد 1991، والتي أودت بحياة أبرياء وإصابة مدنيين بجروح، كما اتهم رئيس البلاد بممارسة اختلاس المال العام وشبهات مالية لتنفيذ أجندات خاصة، وهو ما يعكس مدى تفاقم النزاع السياسي بين الرئيس الصومالي ورئيس حكومته.

صلاحيات الدستور

ويتصاعد الجدل حول شرعية قرارات فرماجو وروبلي، بسبب الغموض الذي يلف صلاحياتهما كأقوى شخصين في هيكلية الدولة، وتنصّ المادة 90 من الدستور الصومالي على حق رئيس الجمهورية في تعيين القيادات العسكرية بعد توصية من قبل مجلس الوزراء، بينما تنصّ المادة 99 من الدستور على أن من حق رئيس الحكومة تعيين كبار مسؤولي الدولة وإقالتهم. ويُكرّس هذا الالتباس الإشكاليات المتكررة في تفسير بنود الدستور منذ عام 2001، وهو ما أدى مراراً إلى الإطاحة برؤساء حكومات، وآخرهم رئيس الوزراء السابق حسن علي خيري، الذي طرده البرلمان في يونيو 2020.

يوسف جراد، كاتب صحفي

ويرى المراقب للشؤون الصومالية يوسف جراد في حديث لموقع “أفريقيا برس” أن رئيس الحكومة الصومالية يحظى حالياً بصلاحيات أوسع من رئيس الجمهورية الذي انتهت مدته الرئاسية في 8 فبراير الماضي، كما ينصّ الدستور على أن صلاحيات الرئيس محددة بفترة حكمه فقط، وهي أربع سنوات منذ انتخابه رئيساً للجمهورية، وهو ما دفع الرئيس السابق حسن شيخ محمود، بعد انتهاء ولايته في أغسطس من العام 2016، إلى إصدار لائحة قانونية من 20 بنداً حتى لا تفقد المؤسسات الرسمية صلاحياتها إلى حين اختيار رئيس جديد للبلاد. وهو ما لم يفعله فرماجو، بل تنازل عن ملفي الأمن والانتخابات، معلناً تكليف رئيس الحكومة بتسلّم هذين الملفين في أبريل الماضي، بإجماع برلماني.

صوت البرلمان

محمود محمد حسن عبدي، كاتب صحفي صومالي

ويوضح المحلل السياسي محمود محمد عبدي الإشكاليات الدستورية في حديث لـ “أفريقيا برس” أن مراسيم وقرارات الرئيس الصومالي لا تحظى بصفة شرعية، تحديداً في مسألة تعيين قيادات ومسؤولين حكوميين، بسبب انتهاء فترته الدستورية، لافتاً إلى أن رئيس الحكومة الفيدرالية هو الوحيد الذي يتمتع بشرعية وصلاحيات قانونية، لأن البرلمان الصومالي صوت بالإجماع، في أبريل الماضي، على توليه ملفي الأمن والانتخابات بعد تسلمهما من رئيس البلاد.

واستدرك بأن صلاحيات رئيس الحكومة هي أيضاً مؤقتة، كونه يتولى فقط ملفي الأمن والانتخابات، فإذا تمّ تشكيل حكومة جديدة فإن قراراته السابقة تصبح لاغية ولا اعتبار لها، لأن البلاد تمر بمرحلة انتقالية.

ويضيف عيدي أن الأزمة الدستورية الراهنة سببها تناقضات في تفسير بنود الدستور المؤقت، بسبب تضارب الصلاحيات والمسؤوليات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وهي التي لم يتم فصلها بشكل واضح، مؤكداً أن هذه الأزمة ستتكرر مستقبلاً ما لم يتم استكمال بنود الدستور من جهة وتأسيس المحكمة الدستورية من جهة أخرى، لفصل الصلاحيات واختصاصات رئيس الحكومة ورئيس البلاد.

مخاوف الفوضى

ويرى مراقبون أن ردّ رئيس الحكومة الصومالية كان شديد اللهجة، حيث وجه لرئيس البلاد اتهامات صريحة تتضمن عرقلة سير عملية تنظيم الانتخابات وترتيب محاولة تمديد فترة ولايته لعامين إضافيين، والخوف من أن تؤدي أزمة الصلاحيات التي تشهدها البلاد إلى مشاكل وتعقيدات في عملية تنظيم الانتخابات، فضلاً على تداعياتها الوخيمة على الأمن النسبي في البلاد، ومغبة وقوع تفجيرات انتحارية في خضم هذه الأزمة، بعد وجود سيارات تجوب العاصمة مقديشو وإمكانية استهدافها مقار حكومية حساسة، من بينها مكتب رئيس الوزراء وفنادق يرتادها مسؤولون حكوميون.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here