الهضيبي يس
أفريقيا برس – الصومال. أعلنت مجموعة من أعضاء البرلمان الصومالي في مؤتمر صحفي عن موقفهم ضد التغييرات الدستورية التي تعكف الحكومة الفيدرالية على إجرائها خلال الأيام القادمة.
وذكرت المجموعة أن الحكومة قامت بتعديل أكثر من “60” مادة قانونية في الدستور، فضلًا عن إدراج “19” مادة جديدة، وهو الأمر الذي سيكون مرفوضًا في البرلمان. إذ أثارت التعديلات الدستورية الجديدة مؤخرًا في الصومال جدلًا واسعًا، خاصةً فيما يتعلق بتعديل تلك المواد التي تخص نظام الحكم بالبلاد واستبداله، مما يجعل نظام الحكم رئاسيًا بدلًا من “البرلماني” الذي اعتاد عليه الصوماليون لسنوات.
وتعتبر قضية إجازة التعديلات الجديدة على الدستور من أهم الموضوعات التي تواجه الحكومة الفيدرالية، وتشكل تحديًا حقيقيًا لها وسط معارضة تضم عدة تنظيمات سياسية وكيانات عشائرية التي ما زالت تقف ضد هذه الخطوة.
ويؤكد الباحث في الشؤون الصومالية عبدو عيدي لموقع “أفريقيا برس”؛ أن مخاوف بعض أعضاء البرلمان من التعديلات الدستورية المتوقع إجازتها خلال الأيام المقبلة تكاد تعود إلى إحداث قدر من التغيير الاجتماعي لدى الصوماليين.
ويضيف عيدي؛ أن انسحاب ذلك سيكون له تأثير مباشر على بعض المناطق الصومالية التي عرفت منذ وقت طويل بالانغلاق والتمسك بجملة من الأعراف والتقاليد الاجتماعية والسياسية، موضحًا أن ممثلي المناطق الجنوبية مثلًا داخل البرلمان، يفضل بعضهم السير في اتجاه إجراءات التفاوض وإدارة الحوار مع قيادة حركة الشباب بدلًا من “الحرب” وتشديد مزيد من العقوبات الواردة في تعديلات مواد القانون الجنائي، والتي قد تصل حد الإعدام. وهذه النظرة حسب عيدي سببها الإحساس بحجم الضرر الواقع على المناطق الجنوبية ووسط الصومال جراء ما تقوم به الحركة من أفعال عدائية، دفعت الآلاف من المواطنين لترك قراهم وفلاحة الأرض خوفًا من التعرض للأذى. علاوة على ذلك، تتبنى مجموعة أخرى تمثل الكيانات “العشائرية” داخل البرلمان، وجهة نظر تفيد بأنه إذا تم تعديل الدستور ليصبح نظام الحكم رئاسيًا بدلًا من البرلماني، فإنها كقوة اجتماعية ستفقد سلطتها في اختيار من ترغب بهم سياسيًا واجتماعيًا، مما سيقلل من تأثيرها مستقبلًا في اتخاذ القرارات داخل الدولة.
ويشير الكاتب الصحفي إسماعيل سهل في تصريح لموقع “أفريقيا برس”؛ إلى أن التعديلات الدستورية، التي يُتوقع إجازتها في نهاية المطاف رغم المعركة الشرسة الدائرة حاليًا بين أعضاء البرلمان، ستكون الأولى من نوعها منذ تسعينيات القرن الماضي. فهي، بخلاف تنظيم إيقاع الدولة والمؤسسات، ستقوم أيضًا بضبط العلاقة بين مؤسستي الجهاز التشريعي “البرلمان” والتنفيذي “مجلس الوزراء”. حيث كان تقوم في الأوقات السابقة على اختيار رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة من قبل البرلمان، بينما الآن، مع التعديلات الجديدة، سيكون الأمر مختلفًا حيث سيتم اختيار الحكومة ومنحها صلاحية العمل من رئاسة الدولة وتقتصر مهمة البرلمان فقط على إجازة القوانين.
وأردف سهل بالقول “إن التعديلات الدستورية هذه، بدورها، ستغير موازين العمل والنظام في البلاد، وإدراك بعض الأعضاء لهذا الأمر هو ما جعلهم يتحركون ضد ما تتبناه الحكومة الفيدرالية بشكل سياسي واقتصادي”.
بينما ترى الحكومة أن التعديلات الدستورية، مهما تعرضت للنقد والرفض، فهي تشكل إضافة لبرنامج التطوير والعدالة الاجتماعية والاقتصادية الذي تعهدت به حكومة الرئيس حسن شيخ محمود منذ عامين بتنفيذه. مؤكدة على دعم الأطراف المؤيدة لخطوة التعديلات الدستورية وإدراج بعض المواد القانونية الجديدة عليه، من ترجيح كفة مصالح الدولة على مصالح الكيانات العشائرية والحزبية.
تلك التعديلات، وفق رؤية الحكومة، ليست مجرد تغييرات شكلية بل هي خطوة ضرورية نحو تحديث النظام القانوني والسياسي للصومال ليعكس أفضل الممارسات الدولية ويستجيب للحاجة الماسة إلى الاستقرار والتنمية. وفي هذا السياق، تحاول الحكومة الفيدرالية توضيح أهمية هذه التعديلات للمجتمع الصومالي، مشددة على أن الهدف النهائي هو بناء دولة قوية وموحدة قادرة على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية وتوفير حياة أفضل لمواطنيها.
من جانب آخر، يبقى الجدل قائما بين المؤيدين والمعارضين للتعديلات الدستورية، وهو ما يعكس الطبيعة الديناميكية للعملية الديمقراطية في الصومال. يأمل كثيرون أن يؤدي هذا النقاش إلى حوار بنّاء يسهم في الوصول إلى توافق وطني حول الدستور الذي يُعد الأساس لأي دولة تسعى لتحقيق الاستقرار والتقدم.
في ختام المطاف، ينتظر الصوماليون بترقب نتائج هذه التعديلات الدستورية وتأثيرها على مستقبل البلاد، آملين أن تكون خطوة نحو تعزيز الوحدة الوطنية ودعم مسار البناء والتنمية في الصومال.
نظرًا للتحديات الكبيرة التي تواجهها، يُعد التوصل إلى إجماع حول الدستور خطوة حاسمة نحو استقرار الصومال. الحوار المستمر بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة، البرلمان، الكيانات العشائرية، والمجتمع المدني، يُعد أمرا ضروريا لضمان دستور جديد يعكس إرادة الشعب الصومالي ويحترم تنوعه وتاريخه الغني.
العملية الديمقراطية تتطلب صبرًا وتفاهمًا متبادلًا، ومن المهم أن يتم التعامل مع هذه التعديلات الدستورية كفرصة لتوحيد البلاد وليس كوسيلة لتعميق الانقسامات. يجب على جميع الأطراف العمل معًا بروح من التعاون لتحقيق الأفضل للصومال.
في النهاية، يُظهر هذا النقاش الواسع حول التعديلات الدستورية نضج العملية السياسية في الصومال ورغبة جميع الأطراف في العمل من أجل مستقبل أفضل. بقيادة حكيمة وإرادة قوية، يمكن للصومال تجاوز تحدياته الحالية وبناء مستقبل مزدهر يستفيد منه جميع المواطنين.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس