حملة عسكرية صومالية ضد “الشباب”: أي فرص للنجاح؟

37

أفريقيا برس – الصومال. نفذت القوات الحكومية الصومالية حملة عسكرية ممثلة في الجيش الصومالي وقوات حفظ السلام الأفريقية “اميصوم” والقوات الأمريكية بولايات جوبا لاند، أسفرت عن مقتل العشرات وإصابة المئات من عناصر حركة الشباب. وتكاد الحملة واحدة من برامج الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود المنتخب للمرة الثانية، في إعادة الاستقرار والأمن إلى الصومال بعد تعرضها لمخاطر على يد حركة الشباب التي استطاعت في سنوات وجيزة السيطرة على نحو 40% من مساحة الأراضي الصومالية.

الحملة العسكرية التي يقودها الجيش الوطني الصومالي، تشترك معها كل من القوات الأفريقية لحفظ في الصومال والتي تقاتل منذ العام 2007، وكذلك القوات الأمريكية التي قامت بتنفيذ غارات جوية استهدفت من خلالها بعض مواقع عناصر حركة الشباب بولاية بورتلاند، وجوبا لاند. وبطبيعة الحال فإن للحملة العسكرية رسائل وأهداف، منها أن ملف مكافحة الإرهاب امر ليس بمقدور الصومال وحدها التصدي له ما لم يكن هناك دعم مباشر لهذه القضية من دول العالم كافة، وهي أحد أهداف زيارات الرئيس حسن شيخ محمود الأخيرة لكل من الإمارات وتركيا لاستقطاب الدعم لهذة الحملة.

بالإضافة الى أن استقرار الصومال ليس منصبا فقط على الأوضاع الداخلية بل هو صاحب تأثير وبعد خارجي على مستوى انسياب حركة التجارة الدولية بمنطقة البحر الأحمر وخليج عدن حال زالت مهددات القراصنة الذين هم جزء من الجماعات الإرهابية. وكافة هذه المسائل قد تعزز من فرص نجاح الحملة العسكرية على اعتبار أنها جاءت تحمل طابع التعاون الإقليمي والدولي الذي يجعل توجيه ضربات موجعة للحركة وفي مواقع حساسة بعد التمدد الذي قامت به على حساب استقرار المواطن الصومالي.

مستقبل الصومال بقيادة الرئيس حسن شيخ في ظل تحولات إقليمية

ويُبدي الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عزمه على مكافحة حركة “الشباب”، وتمددها في البلاد. غير أن نجاح ذلك يبقى محور شكوك مراقبين ومتخصصين، الذين يرون الحاجة قبل ذلك إلى تشكيل حكومة قوية وإجراء تغييرات عسكرية، والعمل على مواجهة الحركة فكرياً أيضاً، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع القوات الأفريقية والأميركية.

وأعلن شيخ محمود، في كلمة له أمام حشد من الجيش الصومالي في مدينة إسبرطة في تركيا، والتي تضم قاعدة تدريب للجنود الصوماليين، أن الدولة الصومالية مصرة حالياً على القضاء على “الشباب”، بأذرع الجيش الوطني وبتكاتف من المجتمع الصومالي، معتبراً أن السياسات السابقة للتعاطي مع الحركة لم تجد نفعاً.

وأشار إلى “أن الخبرة السياسية تلزمنا بمكافحة هذا التنظيم بأساليب وسياسات جديدة، تتركز على إنهاء وجود هذه الحركة”، كما أن سياسات الحد من نفوذ “الشباب” وشن غارات على معاقلها بين حين وآخر من دون القضاء عليها نهائياً لا تتناسب مع الوضع الحالي للبلاد.

ويولي شيخ محمود الملف الأمني اهتماماً كبيراً، باعتبار أن تحقيق الأمن في الصومال يعد مدخلاً لفرض استقرار سياسي وأمني وجلب الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، وذلك بعد طي ملف حركة “الشباب” التي تسيطر على مناطق شاسعة في وسط وجنوب البلاد.

وتمكن شيخ محمود في فترة حكمه السابقة (2012-2016)، من تحقيق نجاح كبير في مواجهة “الشباب”، إذ انسحبت الحركة من 15 منطقة، بين بلدة ومدينة في وسط وجنوب البلاد، بفعل الضربات العسكرية الصومالية والأفريقية. لكن الحركة استعادت جزءاً من تلك المدن عقب وصول الرئيس محمد عبد الله فرماجو إلى الحكم في 2017.

بدوره، أعلن رئيس الحكومة الفيدرالية حمزة عبدي بري، في تصريح صحافي لوسائل الإعلام المحلية، بعد منحه الثقة من البرلمان الفيدرالي بأغلبية كبيرة أخيراً، عزمه على محاربة حركة الشباب، وأن حكومته تولي اهتماماً كبيراً بتحسين الملف الأمني. وتزامن خطابه مع إعادة الولايات المتحدة قواتها إلى الصومال (700 جندي) بهدف المشاركة في العمليات العسكرية لتقويض نفوذ “الشباب” في جنوب البلاد ووسطها.

ويقول الكاتب الصحفي عبدالعزيز النقر في حديث لموقع “أفريقيا برس”؛ “بخلاف للطابع العسكري الذي تتبناه الحملة، ولكن هناك بعد سياسي مصاحب بدليل ما يرد من تصريحات وخطاب، فمثلا اتهام الرئيس حسن شيخ محمود للحركة بأنها تعمل على تمويل بعض الجماعات الارهابية في أفريقيا أمر هدف منه أن نشاط حركة الشباب ليس قاصرا فقط على الداخل الصومالي، وإنما يحمل أبعادا وأهدافا إقليمية وهو مايزيد من وقع التصنيف للحركة بتبني أنشطة إرهابية ويستوجب التصدي لها. وقطعا ذلك الامر يصب في اتجاه الحملة العسكرية، السياسية للحد من أنشطة حركة الشباب التي باتت تشكل خطرا على الأمن القومي الصومالي”.

ويجزم الكاتب الصحفي محمد علي فزاري في حديث لموقع “أفريقيا برس”، بأن فرص النجاح هذه المرة لحملة العسكرية متوفرة. ويعزو ذلك إلى حالة التضامن الشعبي التي تحظى به الحملة نتيجة لما تعرض له الصوماليون من انتهاكات وتشريد وحرق لقرى على يد عناصر حركة الشباب. وأضاف فزاري “أيضا طبيعة الدعم الذي تلقاه الجيش الوطني في سبيل إنجاح الحملة من العتاد العسكري، التدريب، المؤئن والدعم اللوجستي. وجميع هذه الخيارات تفسح المجال بنحو يفوق 80٪ في تحقيق انتصارات للحملة العسكرية التي يقودها الجيش الوطني الصومالي ضد حركة الشباب”.

وحول جدوى إطلاق حملة عسكرية جديدة ضد “الشباب” في المرحلة الراهنة، رأى العقيد السابق في الجيش الصومالي شريف حسين، أن الرئيس المنتخب عازم على القضاء على الحركة، وهو أكد ذلك في أكثر من مناسبة قبل انتخابه رئيساً للبلاد وبعده.

ولفت إلى أن خطاب الرئيس الأخير حول مسألة وجود “الشباب” تضمّن أيضاً أنه سيواجه حتى المتعاونين معها (المدنيين)، وأن خطة أمنية ستشمل الأقاليم المجاورة للعاصمة، خصوصاً إقليمي شبيلى الوسطى والسفلى، بهدف ضبط أمن مقديشو. لكنه اعتبر أنه “قبل تشكيل حكومة فيدرالية، وإجراء تغييرات في قيادات المؤسسة العسكرية، فكل تلك الخطابات لا تجدي نفعاً، وتبقى مجرد أحلام تراود كل رئيس جديد في الرئاسة الصومالية”.

وأشار إلى أن مسألة ضبط الأمن في البلاد مهمة ملقاة على عاتق الحكومة الفيدرالية، بغضّ النظر عن الوعود التي تقطعها القيادات الصومالية دوماً على نفسها للقضاء على “الشباب”.

وأوضح أن مسألة القضاء على النفوذ الميداني للحركة يفضل أن تتم بسرية من دون الكشف عن مخططات الحكومة الفيدرالية، وأن تصبح النتائج أكثر مصداقية من الوعود والحملات التي تنتهي غالباً بفشل ذريع.

ورأى حسين أن الولايات المتحدة تلعب على وتر الازدواجية بشأن تعاملها مع المعضلة الأمنية، وحربها على من تعتبرهم “إرهابيين” في الصومال، وأنها تسحب جنودها ثم تعيد نشرهم بحسب ما يطرأ من تغييرات في الإدارة الأميركية، وهذا ما يشكل تحدياً كبيراً بشأن ضمان حملة أميركية منسقة مع الجانب الصومالي، للقضاء على بؤر التنظيمات المسلحة في البلاد.

وشنت الولايات المتحدة أول عملية جوية لها في العام 2008، والتي أدت إلى مقتل زعيم الحركة آنذاك أدم حاشي عير (الأب الروحي للحركة)، وكان ذلك أول ظهور ميداني لحركة “الشباب” في جنوب الصومال. واستمر وجود النفوذ الأميركي العسكري في القرن الأفريقي، وكانت تنطلق غاراتها الجوية التي تنفذها طائرات من دون طيار من قاعدتها في جيبوتي.

من جهته، قال الباحث في شؤون الحركة الإسلامية أنور أحمد، إن وحدات من القوات الأميركية كانت تشرف سابقاً على حملات عسكرية ضد الحركة خلال السنوات الثماني الأخيرة، معتبراً أن عودتها إلى الميدان ليست شيئاً كبيراً في الوضع الراهن، على الرغم من الضربات الجوية الأميركية التي حدّت بعض الشيء من نفوذ “الشباب”.

وحول إمكانية نجاح محاصرة “الشباب” فكرياً وتفكيك حواضنها الشعبية ضمن الأجندات والحملات العسكرية ضدها من قبل الحكومة الصومالية، قال أحمد إن الحركة تسيطر حالياً على أجزاء شاسعة من البلاد، وأطلقت مدارس تعتمد على نهجها الفكري في موادها، كما لا توجد في المقابل تيارات دينية فكرية تتجرأ على ضرب أدبيات الحركة، أو توجيه انتقادات حادة للنهج الفكري لـ”الشباب”، وبالتالي لا يوجد حالياً أي تحدٍ فكري تواجهه الحركة.

ورأى أن ثورة عسكرية وفكرية مشتركة معاً يمكن أن تقوّض نفوذ “الشباب” في جنوب البلاد ووسطها، لكن طالما هي تسيطر على مناطق شاسعة من الريف الجنوبي، فإنه من غير المرجح حالياً انحسار أدبياتها الفكرية، ما لم تتراجع قدراتها القتالية ونفوذها الميداني، وفق قوله. وتوقع أحمد إمكانية إلحاق هزيمة عسكرية بـ”الشباب” مستقبلاً إذا وضعت الحكومة الجديدة استراتيجيات عسكرية، وجعلت من صلب اهتمامها إنهاء نفوذ الحركة ميدانياً.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here