أفريقيا برس – الصومال. فجأة وبسرعة غير متوقعة، اتخذت الحكومة الصومالية إجراءات مشددة لكبح جماح فساد ينخر مفاصل الدولة ويكبدها خسائر مالية، بعد عقود عانت فيها البلاد من ضعف رقابة الجهات المعنية بمكافحة اختلاس الأموال العامة، بحسب بيانات حكومية.
وكشفت تحقيقات أولية، بحسب تقرير للمراجع العام (حكومي)، عن خسائر مالية جراء الفساد خلال السنوات الخمس الماضية، أي منذ بدء النظام المالي الإلكتروني، إذ بلغت نحو 21 مليون دولار في ثلاث مؤسسات حكومية فقط.
وهذا التحقيق قاد النيابة العامة إلى توجيه اتهامات لـ18 مسؤولا كانوا موظفين في وزارة المالية والبنك المركزي ودائرة الهجرة والجنسيات، وجرى اعتقال 9 منهم، فيما اتُهم البقية غيابا، وبينهم مديران سابقان لدائرة الهجرة والجنسيات.
ورغم الارتياح الشعبي بهذه الخطوة الذي يرى الكثيرون بأنها تقلل من الثراء والتربح غير المشروع، إلا أن محللين وخبراء اقتصاديين يرون أن مساعي الحكومة لمكافحة الفساد خطوة في الاتجاه الصحيح إلا أنها استهدفت حتى الآن ما يمكن عدّهم من الموظفين من المستوى الأدنى مشيرين إلى أن الفساد متعدد الأوجه ويتطلب البدء من رأس الهرم في السلطة والشخصيات البارزة للحد من نسب تفشي الفساد.
هذا وحلّت الصومال بين قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم، حسب قائمة مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية خلال العام الماضي 2022، لتحتل رقم لـ 12 في قائمة تحتوي 180 دولة في العالم.
إصرار حكومي
تصف الحكومة الصومالية الفساد في داخل المؤسسات الحكومية بالفيروس الخطير الذي لا يقل شأنا عن الحرب الذي تخوضها ضد الإرهاب، متعهدة بأنها ستتخذ اجراءات رادعة ضد المتورطين في قضايا الفساد بكافة أشكاله .
وقال المراجع العام في الدولة، أحمد عيسى جوتالي، ردا على أسئلة صحفيين، إن التحقيقات الأولية لازالت متواصلة، مشيرا إلى أن التحقيقات ستطال جميع هيئات الدولة البالغ عددها 67 هيئة لملاحقة المفسدين ومحاسبتهم.
وأضاف جوتالي أن هذه التحقيقات تغطي مداخل الدولة وكيفية صرفها خلال السنوات الخمسة الماضية، ملفتا إلى أنه لا توجد مؤسسة أو مكتب أو هيئة حكومية في مأمن من هذه التحقيقات بل تستهدف المؤسسات حسب كبر ميزانيتها المالية.
ومن جهته، قال النائب في البرلمان الصومالي، محمد آدم، إن الحكومة الصومالية جادة في موضوع محاربة الفساد والبرلمان يدعم الحكومة في استئصال ورم الفساد من داخل مؤسسات الدولة التي باتت خيمة لكل فاسد ومختلس، مشيرا إلى أن الفساد أنهك اقتصاد البلاد طيلة السنوات الماضية.
وحول توقعاته في نجاح جهود الحكومة في محاربة الفساد في ظل غياب بعض الهيئات المعنية لملف الفساد، مثل هيئة محاربة الفساد، أشار النائب إلى أن الحرب على الفساد لن تتوقف بمجرد غياب بعض اللجان المعنية بموضوع الفساد، لكنها ستستمر حتى لا يجد المفسد مساحة لمواصلة نهب المال العام.
وأكد النائب الصومالي أن الحكومة الصومالية سخرت كل إمكاناتها لمكافحة الفساد، وأن البرلمان الصومالي منفتح كثيرا بالتعاون مع الرئيس الصومالي في تشكيل بقية الهيئات المعنية للحد من كارثة الفساد في البلاد مثل هيئة محاربة الفساد ومصادقة أعضائها.
وحذر الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في وقت سابق، أولئك الذين يوفرون الغطاء لمن يقومون بالتجاوزات المالية”، في إشارته إلى المسؤولين الحكوميين، مشيرا إلى أن المتهم بالفساد ليس له أي انتماء وسيتم محاسبته بأشد الإجراءات.
وأكد مكتب النائب العام أن التحقيقات الأولية طالت نحو 40 مسؤولا حكوميا في مختلف المؤسسات الحكومية، حيث وجهت التهم حتى الآن لنحو 18 مسؤولا، فيما يخضع بقية المسؤولين لتحقيقات تتعلق بتجاوزات مالية وثراء غير مشروع حيث سيوجه التهم إليهم بعد انتهاء اجراءات التحقيقات.
ارتياح شعبي
حظي برامج مكافحة الفساد التي أطلقتها الحكومة الصومالية بترحيب شعبي، وسط تطلعات إلى الحد من آثار تفشي الفساد الشائع في مؤسسات الدولة ما يمهد الطريق لمحاسبة مسؤولين بارزين في قضايا الفساد.
وقال أحمد عبدالله، عضو في المجتمع المدني، إن إجراءات الحكومة ضد الفساد مرحب بها لما قد تشكل خطوة نحو تعافي اقتصاد البلاد، مشيرا إلى أن الفساد في البلاد لا يمكن التخلص منه بين عشية وضحاها بل إن الإجراءات الأخيرة ستحد من تغلغل الفساد داخل مؤسسات الدولة.
وأوضح أحمد أن الحكومات المتعاقبة في البلاد رفعت راية مكافحة الفساد، لكن لم تصل هذا الحرب إلى مستوى تطلعات الشعب، بل تبين أخيرا بأن تلك الإجراءات كانت مجرد تصفية حسابات وحرق سمعة بحق شخصيات قليلة.
ومضى قائلا إن ما يهم الشعب في المرحلة الراهنة هو الحد من ظاهرة الفساد التي أرهقت البلاد طيلة السنوات الماضية، آملا أن لا تكون جهود الحكومة الحالية مجرد محاولات لكسب ود الشعب من خلال توجيه التهم لموظفين في مناصب غير سيادية والتخلي عن الكبار المسؤولين الذي يمارسون أبشع انواع الفساد.
ومن جهته، قال عضو اتحاد نقابات العمال الصومالي، محمد يوسف، إن محاربة الفساد تتطلب إرادة سياسية وقوانين صارمة، تضمن محاسبة الفاسدين أيا كان منصبهم.
وأوضح أن اجراءات الحكومة تحظى بقبول شعبي لكن هناك من يشك في جديتها لطالما لم تطل التهم الشخصيات البارزة في رأس الدولة.
مطبات جمة
في ظل جهود الحكومة لاستئصال الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، يرى اقتصاديون ومحللون أن أي نية لمكافحة الفساد يجب أن تسبقها تشكيل الهيئات المعنية وآليات صارمة ضد من يمارسون تحركات مالية غير شرعية.
وقال عميد كلية الاقتصاد في جامعة مقديشو داؤد موسي، إن مكافحة الفساد لا تقتصر على المال فحسب، بل تشمل كل أنواع الاستغلال بما فيها الرشاوى التي تقدم للفاسدين والاستفادة من امتيازات ومشاريع الحكومة وهذا منتشر بشكل واسع داخل مكاتب ومؤسسات الدولة.
وأضاف استاذ الاقتصاد، أن “هناك علاقة عكسية بين الفساد والنمو الاقتصادي فكلما قلّ الفساد زادت معايير نمو الاقتصاد والعكس صحيح، فاقتصاد الهش للبلاد يعكس مدى انتشار الفساد داخل الدولة.
ومن جهته قال النائب السابق في البرلمان الصومالي محمد آمين، إن حملة مكافحة الفساد التي اطلقتها الحكومة الصومالية ستواجه عقبات كثيرة بينها سياسية أمام تنفيذ وملاحقة الفاسدين داخل مؤسسات الدولة.
وعزى المحلل، أسباب ترسيخ الفساد الشائع في هيئات الدولة طول الفترة غياب الدولة في البلاد وتوسع الولاء القبلي على حساب الدولة ما يوفر للفاسدين بيئة خصبة يرتمون إليها عند ملاحقتهم قانونيا.
وأوضح المحلل، أن غياب الوعي المجتمعي وتقاسم السلطة على أساس القبائل قد يعتبر العامل الأكبر المغذي لانتشار الفساد في مفاصل الدولة ما يشكل تحديا كبيرا أمام تنفيذ ومحاسبة كبار الفاسدين المعروفين في داخل الدولة.
وبحسب خبراء، فإن الحكومة عليها أن تستعد لعقبات جمة في حال أصرت على محاربة الفساد أينما يوجد وقد تؤدي هذه الخطوة التي اعتبرها الكثيرون أنها تستهدف شخصيات من النظام السابق إلى فتح مسلسل عنوانه مكافحة الفساد ذريعة ملاحقة كل نظام جديد بالمحسوبين على النظام السابق إن لم تشكل الهيئات المعنية لمحاربة الفساد واستقلالية المحاكم وتوسيع نطاق الاتهامات حتى تطال كبار شخصيات الدولة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس