أفريقيا برس – الصومال. التقى الرئيس حسن شيخ محمود برئيس إقليم أرض الصومال موسى بيحي خلال مراسم زواج كريمة رئيس جيبوتي إسماعيل عمر غيلي والنائب الصومالي صادق جون. هذا اللقاء حمل العديد من التكهنات خصوصًا بعد زيارة وفد نرويجي لمقديشو وهرجيسا ولقائهم بمسؤوليها.
وتساءل الكثير عن الدور النرويجي في المحادثات المقبلة وعن مدى اهتمامها بالموارد النفطية لكلا الطرفين، ولكن، هناك أسئلة أهم تلح في أذهان الصوماليين، أبرزها: ماذا يقف في طريق المحادثات؟ ما هي النقاط الخلافية بين الجانبين؟ وهل سيجد الصوماليون فرصة للاتحاد من جديد أم أنها أضغاث أحلام انتهت منذ الثمانينات؟
سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة ببساطة صومالية وعمق عربي، إذ أن الأزمة شائكة ومعقدة، يصعب انتقاء مفرداتها وانتخاب أكثرها دبلوماسية ورجاحة، فبين إقليم ودولة وجمهورية انفصالية تقبع أرض الصومال في منتصف هذه المسميات منتظرة المحادثات مع الدولة الأم لتحديد مصيرها على الأقل بشكل رسمي.
وشتان بين اللهفة نحو الوحدة والصراع للانفصال، وبين هذا وذاك ثلاثون عامًا من التهميش والاضطهاد والعنف والقصف تارة بالشراكة مع الجسد الصومالي ككل وأخرى واجهها الإقليم منفردًا تحت مرأى الجميع. فبات يخوض صراع الانفصال وحيدًا، راغبًا الوحدة مع نفسه لا مع إخوانه الأشقاء.
نقاط الخلاف وتاريخه
تواجه القارة الإفريقية لعنة الاستعمار التي قسَّمت بين أبناء الشعب الواحد، وبات أبناء العمومة يتحدثون بلغات مختلفة باسم الحداثة والتطور، وانتهج المستعمر سياسة فرق تسد مبدأ أساسيًا لتقسيم الأمم. ليرث الإفريقيين بعدها حدودًا لا تمثلهم.
وقاموا بتقاسم كعكة إفريقيا كما رأوها مناسبة لا كما يشتهي أصحاب الأرض، فقسِّمت الصومال الكبرى إلى خمسة أجزاء، قسمان بريطانيان وآخران إيطاليان وقسم فرنسي، هذه السيطرة وإن بدت حقيقة على الخارطة لم تعرف طريقها إلى أفئدة الصوماليين، الذين حلموا طويلًا بالاتحاد وضحَّوا لأجل ذلك الحلم بالغالي والنفيس.
وفي 26 يونيو 1960، أعلنت بريطانيا انسحابها من إقليم أرض الصومال وباتت بذلك دولة مستقلة ذاتية ومعترف بها، ولكن حلم الصومال الكبير لم ينجلي بعد، ولم تطفئ خيالات الدولة ومميزاتها شعلة الحلم لدى الشماليين، الذين ارتقبوا الاندماج مع الجنوب في أولى خطوات صياغة الصومال الكبير الجامع للشعب الواحد.
وفي 1 يوليو 1960، استقل الصومال الجنوبي رسميًا عن إيطاليا واتحد مع أرض الصومال لتتشكل بذلك حقبة جديدة من تاريخ هذه الأمة، دولة ولدت خديجة تنتظر نمو بنيانها واتحاد أساساتها واندماج الصومال الغربي والمقاطعة الشمالية الشرقية في كينيا، وما سمي لاحقًا بجيبوتي إلى الجسد الأم.
هذه الأحلام والتطلعات المرتفعة اصطدمت بواقع المستعمر، الذي حرص على فرض كلمته وأن يبين للدول الوليدة في القارة أنهم تحت سطوته وإن حصلوا على الحرية والاستقلال، فمنح الصومال الغربي لإثيوبيا و المقاطعة الشمالية الشرقية إلى كينيا.
ثم أتت نكسة 77 لتقصم ظهر الحالمين بالاتحاد والصومال الكبير، وتضع تلك الأهداف التي باتت صعبة المنال في النعش. وكعادة الشعوب عند خسارة الحروب مع حكامهم العسكريين، ألقى الصوماليون يلقون باللوم على القائد سياد بري. وباتت جماعات المعارضة تحمل السلاح بهدف التحرر من قيود العسكر.
وفي الثمانينات، تشكلت الحركة الوطنية ساعية لإزاحة برى من السلطة وقابل الأخير هذا التمرد بالحديد والنار، وقصف قواعد الحركة العسكرية شمال البلاد، ثم توسع القصف ليشمل مناطق سكنية، في استهداف صريح لمدنيين الأبرياء، مذابح واسعة قتل على إثرها عشرات الآلاف من المدنيين، وتركت خلفها جروحًا لا تندب ونفوس لا تجد من يواسيها.
ومع نجاح الحركة الوطنية في تحرير أرض الصومال وقيام الثورة العشائرية جنوب البلاد ضد حكم سياد برى سقطت الحكومة المركزية أخيرًا تاركة خلفها جماعات قبلية مسلحة تتصارع فيما بينها لبلوغ السلطة، فوضى لا متناهية وقتل وتشريد واغتصاب ومجاعات وأوبئة كل هذه باتت عناوين بارزة في الصحف المحلية وتلك الدولية.
ورأت أرض الصومال أن تنعزل بمشكلاتها عن بقية البلاد وتعلن انفصالها حتى تبني ما دمرته الحرب وترمم شتاتها، وانشغل الجنوب بحروبه وخلافاته، واليوم بعد 30 عامًا من النزاعات نعود لنتسائل هل ما يفرقنا فعلًا أكبر مما يجمعنا؟
في المفاوضات التي ستبدأ قريبًا، سيدخل الجانبان معركة خاسرة، إذ تتقاطع الخطوط الحمراء لكلا الطرفين وكما جاء على لسان رئيس بونتلاند السابق عبدالولي غاس فلا يوجد رئيس صومالي قادر على قبول انفصال أرض الصومال، كما لا يستطيع أي رئيس لأرض الصومال أن يعلن الاتحاد مجددًا مع الجنوب بسبب الرفض الشعبي.
وبين المتضادات يقف الرئيس حسن شيخ محمود، متمسكًا بخبرته الطويلة في كرسي الحكم، للوصول إلى نقطة يتوافق بها الجانبان، حيث لا انفصال كامل ولا وحدة كاملة، على الأقل قبل وضع أرضية صلبة للمفاوضات.
ويجب على الرئيس أن يعمل أولًا على بناء ركائز أساسية، أهمها:
الجانب الأمني: تعاني البلاد من صراع ديني بسبب الجماعات المسلحة التي تدين بالولاء لتنظيم القاعدة، وتسيطر على مساحات واسعة، كما تحظى بنفوذ قوي في العاصمة، هذه الجماعات التي تقوض الأمن تعيق كذلك التقدم والاستثمار الأجنبي في البلاد. ما يساهم في بقاء الاقتصاد الصومالي هشًا ويعتمد على المساعدات الخارجية. وبالفعل بعد مرور ستة أشهر من وصول الرئيس إلى سدة الحكم تم تحرير العديد من المناطق، ولكن تلك الجهود ليست كافية بعد للقضاء على الإرهاب في الصومال.
الجانب الاقتصادي: يعد الاقتصاد مهمًا لنهضة الشعوب واستحقاق الدول للسيادة، فالقرار الصومالي اليوم ليس بمنأى عن الدول التي تساهم في الميزانية السنوية، ولا توجد سيادة كاملة قبل الاستقلال الاقتصادي من الدول الغربية على وجه الخصوص. ويتمتع الصومال بموارد نفطية هائلة، إضافة إلى ثروات معدنية وسمكية. ولم يتم الإستفادة من أي من هذه الموارد خلال العقود الماضية. في حين قد يسهم برنامج إعفاء الديون في جلب الاستثمارات وتمويل المشاريع التنموية في البلاد.
الجانب السياسي: شهد الصومال خلافات سياسية حادة مع جيرانه ودول صديقة خلال السنوات الماضية، هذه الخلافات أعطت مساحة لأرض الصومال والتي استغلتها بشكل مناسب وبنت علاقاتٍ وثيقة مع تلك الدول، واليوم بعد تحسن طريقة تعامل الصومال مع الملف الخارجي، من المهم ضمان سيادة البلاد وتحديد الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالتعاون الخارجي مع الولايات الإقليمية في البلاد. هذه الخطوة ستعيد توازن القوى بين المركز والأطراف وتعزز فيدرالية الصومال.
إن العمل على هذه النقاط أولًا قبل بدء مفاوضات مع أرض الصومال يضفي المزيد من الجدية إلى المفاوضات، ويجعل منها مساحة مشتركة لتحديد الإيجابيات والسلبيات من الاتحاد أو الإنفصال عوض الدخول في معركة خاسرة بسبب استعجال العملية.
كما أن مشاركة بونتلاند في المفاوضات مهمة كونها من أصحاب المصلحة وشريك رئيسي في تحقيق السلام في الصومال، كل ذلك من أجل الوصول إلى حل دائم يسهم في ازدهار الأقاليم الصومالية بمختلف مسمياتها، ويعيد منطقة القرن الإفريقي التي أصبحت معروفة بالمجاعات والأوبئة إلى مصاف الدول المتقدمة مستفيدة من تجارب الدول الإفريقية التي عانت من الحروب الأهلية وباتت اليوم مثالًا في التطور والمصالحة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس