عودة مفخخات الموت إلى مقديشو تثير المخاوف بشأن الانتخابات

29
عودة مفخخات الموت إلى مقديشو تثير المخاوف بشأن الانتخابات
عودة مفخخات الموت إلى مقديشو تثير المخاوف بشأن الانتخابات

أفريقيا برس – الصومال. ثارت التفجيرات الانتحارية المتلاحقة التي شهدتها العاصمة الصومالية مقديشو في الأيام الأخيرة، وتبنتها حركة “الشباب” المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، قلقاً محلياً بأن تشكل تحدياً أمنياً أمام تنظيم الانتخابات البرلمانية في العاصمة. هذا فضلاً عن مخاوف من تهديدات محتملة لحركة “الشباب” ضد الدوائر الانتخابية في عواصم الولايات الفيدرالية، لا سيما تلك التي تعاني من هشاشة أمنية مثل مدينة بيدوا، مركز ولاية جنوب غربي الصومال، ومدينة جوهر، مركز ولاية هرشبيلي.

ويضاعف ذلك حجم التحديات الأمنية التي تواجهها عملية تنظيم الانتخابات البرلمانية المقرر استكمالها قبل 25 فبراير/شباط المقبل، والتي ستضاف للتحديات اللوجستية والتنظيمية لهذه الانتخابات.

وشهدت العاصمة مقديشو الأحد الماضي، تفجيراً نفّذه انتحاري يرتدي حزاماً ناسفاً، استهدف الناطق باسم الحكومة الصومالية، محمد إبراهيم معلمو، في شارع مكة المكرمة حيث يقطن الأخير.

وأدى التفجير لإصابة معلمو بجروح متوسطة بعد أن تعرض لكسور في يده اليمنى، إضافة إلى إصابته بشظايا في أنحاء جسده، ليتم نقله مساء أول من الإثنين إلى تركيا لتلقي العلاج. وتبنت حركة “الشباب” المسؤولية عن هذا الهجوم.

ويعدّ معلمو ثاني مسؤول في مكتب الحكومة الصومالية تستهدفه حركة الشباب بتفجير انتحاري في الأشهر الأخيرة. إذ سبق أن استهدف انتحاري يقود سيارة مفخخة، في مقديشو في سبتمبر/أيلول الماضي، مسؤولة ملف شؤون المرأة في مكتب الحكومة الفيدرالية، هباق أبو بكر، ما أدى لمقتلها، إلى جانب نحو ثمانية آخرين من بينهم ضباط في شرطة المرور.

الخلافات السياسية بين رأسي السلطة التنفيذية لها علاقة بالتدهور الأمني في العاصمة مقديشو

والأربعاء الماضي، قُتل 8 أشخاص في انفجار سيارة مفخخة في العاصمة الصومالية، استهدف قافلة من المركبات التابعة لشركة “فولا فولا”، وهي شركة أمنية خاصة تعمل لحساب وكالات الأمم المتحدة. وتبنّت حركة “الشباب” الهجوم، مشيرة في بيان إلى أنها كانت تستهدف “مسؤولين أجانب”.

كذلك، قتل شخصان جراء تفجير وقع في 2 يناير/كانون الثاني الحالي بالقرب من مركز تفتيش للشرطة بمنطقة أفغويا في مقديشو.

في السياق، يقول الخبير العسكري والضابط المتقاعد، شريف حسين، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “أهدافاً مزدوجة يمكن أن تكون وراء استهداف مسؤولي الحكومة الفيدرالية من قبل حركة الشباب”.

ويضيف “كما أن الخلافات السياسية بين رأسي السلطة التنفيذية؛ رئيس البلاد محمد عبد الله فرماجو ورئيس الحكومة محمد حسين روبلي، لها علاقة على نحو غير مباشر بالتدهور الأمني في العاصمة مقديشو”.

ويوضح أن “الخلافات السياسية بين الرجلين، طاولت كذلك ملف إدارة الأجهزة الأمنية في العاصمة مقديشو، والتي انقسمت بين جناحين متصارعين يفرض كل منهما قراراته على قيادات هذه الأجهزة، وخاصة الشرطة والجيش”.

ويشير حسين إلى أن “عدم وجود رئيس لجهاز المخابرات، وانتخاب الرئيس المؤقت لهذا الجهاز، ياسين فري (الموالي لفرماجو)، عضواً في البرلمان الصومالي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن ولاية غلمدغ، يثيران الكثير من الشكوك السياسية والأمنية، ولا سيما حول استقلالية هذا الجهاز من جهة، وغياب دوره الأمني الفاعل في مواجهة الانفلات الأمني في مقديشو”.

ويضيف “إن تسييس هذا الجهاز الذي يعد الحصن الأول في ضبط أمن البلاد، والعاصمة تحديداً، له تداعيات سلبية على الأمن القومي”.

ويوضح حسين أن “جهاز المخابرات الذي كان يتولى ملف مواجهة مخططات حركة الشباب، وكان يعمل على صد وإحباط هجماتها، تحوّل من هيئة أمنية إلى ملف سياسي تدور حوله الخلافات، بين فرماجو وروبلي”.

ويتابع “كما أن عدم تعيين قيادي جديد لهذا الجهاز، يفسح المجال أمام استمرار تدهور الوضع الأمني في البلاد، وهذا ما سيؤثر سلباً على عملية إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في البلاد”.

عدم تعيين قيادي جديد لجهاز المخابرات، يفسح المجال أمام استمرار تدهور الوضع الأمني

ويرى عدد من المراقبين، أن التحدي الأمني في الصومال كان طاغياً منذ أن اعتمدت البلاد النظام الفيدرالي بدءاً من عام 2012، إذ لم تستطع الحكومات الفيدرالية بناء جيش صومالي فعّال لتسلّم الملف الأمني من قوات حفظ السلام الأفريقية.

كما كانت تهديدات حركة “الشباب” تمثّل دائماً في السنوات الأخيرة، تحدياً في وجه تنظيم الانتخابات، إلا أن هذه الأخيرة أُجريت حتى في ظلّ ظروف أمنية هشة، بعد فرض إجراءات أمنية مشددة ولا سيما في العاصمة التي شهدت انتخابات برلمانية ورئاسية عدة.

وبالتالي، فإن هذا الواقع قد يقلل من فرضية أن تعطل التحديات الأمنية سير عملية الانتخابات التشريعية كلياً، ولكن هذه العملية يمكن أن تتأثر بشكل جزئي، وفق مراقبين.

وفي هذا الإطار، يقول الباحث الصومالي، في “المعهد العالي للدراسات الأمنية” في الصومال، عبد الله عبد الرحمن، في حديث مع “العربي الجديد”، “لا شك أن التهديدات الأمنية ستؤثر في العملية الانتخابية في البلاد، وستضع على عاتق الأجهزة الأمنية والقوات الأجنبية المساندة لها (قوات حفظ السلام الأفريقية) مسؤولية كبيرة في تأمين سلامة المرشحين والناخبين وشيوخ العشائر وعامة الشعب”.

ويضيف “من المتوقع أن تستمر الهجمات والتهديدات في الأسابيع المقبلة، في محاولة من الإرهابيين لإثارة الرعب وخلق مزيد من التعقيدات لعرقلة سير العملية الانتخابية”.

ويشير عبد الرحمن إلى أنه “منذ بداية عام 2020، وبعد هدوء ملحوظ في العاصمة، كان هناك تزايد ملحوظ لنوع معيّن من الهجمات الإرهابية، وتمثّل في ما نسميه بالانتحاري الراجل، المزوّد بحزام ناسف والذي يفجّر نفسه عند الهدف”.

باحث صومالي: تسعى حركة “الشباب” لإظهار عجز النظام عن تأمين قياداته قبل عامة الشعب

ويضيف “أصبح هذا النوع من التفجيرات يمثّل تحدياً كبيراً للأجهزة الأمنية الصومالية، نظراً لصعوبة اكتشاف مثل هذا النوع من مخططات التفجير والتصدي لها، مما أوجد رعباً متزايداً في الأوساط العامة، وأثّر بشكل سلبي على الأمن العام والاستقرار واطمئنان المواطنين والمسؤولين على سلامتهم”.

وحول أسباب استهداف مسؤولي الحكومة الفيدرالية، يقول الباحث في “المعهد العالي للدراسات الأمنية”، إن “استهداف كبار المسؤولين في الدولة ليس جديداً في الساحة الصومالية، لكن الاستهدافات الأخيرة تبتغي حركة الشباب منها، إظهار عجز النظام عن تأمين قياداته قبل عامة الشعب”.

ويتابع “والمؤكد أن الخلافات البنيوية التي تشهدها الساحة السياسية الصومالية والتصدّعات العميقة التي يعاني منها النظام الحاكم، ستساهم في استمرار التراخي الأمني في البلاد وفي العاصمة خاصة”.

ويشير المتحدث نفسه إلى أن “هناك سيناريوهات أمنية محتملة وخطيرة تخطط لها الجماعات المرتبطة بالقاعدة، من بينها تصفية قيادات رسمية وشعبية ومرشحين للرئاسة والبرلمان، وذلك لإرباك العملية الانتخابية وإثارة الشكوك وإشعال الفتن بين الأطراف السياسية”.

من جهته، يقول الصحافي الصومالي أحمد جيسود، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “عودة التفجيرات إلى العاصمة مقديشو، ستؤثّر حتماً بطريقة سلبية على الوضع الأمني الهش أصلاً في البلاد، مما قد يمثل تهديداً محتملاً لمسار عملية تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في البلاد”.

ويضيف جيسود “تأتي هذه الأحداث مع وجود خلافات عميقة بين رئيس البلاد ورئيس الوزراء، والتي لم تُحسم بعد، بل تشهد حالياً هدوءاً مشوباً بالحذر، استجابة لدعوات دولية لوقف التصعيد والتركيز على إجراء الانتخابات”.

جيسود: التراخي الأمني في مقديشو يعود إلى انشغال قيادات الأجهزة الأمنية في متابعة الملفات السياسية

ويرى جيسود أن “التراخي الأمني في مقديشو، يعود إلى انشغال قيادات الأجهزة الأمنية في متابعة الملفات السياسية الشائكة في البلاد”، مضيفاً أن “بعض الجهات والعناصر يمكن أن تستغل هذا الفراغ الأمني، من أجل خلق الفوضى وزعزعة أمن واستقرار الصومال، وتحديداً العاصمة مقديشو”.

ويراهن الكثير من الصوماليين على الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لإنهاء حالة الفراغ الدستوري والشلل الأمني في عموم البلاد.

وتشهد مناطق عدة في جنوب الصومال هجمات متزايدة من قبل حركة “الشباب”، وفي ظلّ استمرار الصراع على السلطة بين القيادات الصومالية، يمكن أن تتفكك الأجهزة الأمنية وتنخرط في الصراعات السياسية، مما يتسبب في تفشي عدوى الفوضى الأمنية والخلافات السياسية في عموم الصومال.

ويحذر مراقبون في ظل هذا الواقع من جر البلاد إلى “حمّام دم”، وتهديد مسار التداول السلمي للسلطة، الذي عرفته الصومال منذ انتخابات عام 2012.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here