منصب كرسي الرئاسة في المعضلة الصومالية (٢)

28

عبد الباسط شيخ إبراهيم 16/10/٢٠١٦
منصب الرئاسة يمثل شيئا كبيرا في عالم الحكم والسياسة، وليس هناك أمر متفق عليه في كيفية دخول هذا المعترك الصعب، ولكل دولة قانونها ونظامها الخاص، ففي الدول المتقدمة الطريق إلى الكرسي يمر بمطبات صعبة، وبعد الجلوس عليه ليس للأبد بل هناك فترات محددة ومقيدة لا يستطيع الإنسان التجاوز عنها . وأما في العالم الثالث فلا يكلف إلا أن يملك الشخص عنتريات فارغة أو مالا سياسيا لشراء الذمم، أو انقلابا عسكريا في ظلمة الليل ثم قراءة البيان رقم واحد، وأما مدة الرئاسة فبانقضاء العمر وحضور الأجل.

والغريب في الشأن الصومالي بعد ذهاب دولته قبل ربع قرن من الزمان، ودخول البلد في متاهات لا أول لها ولا آخر، وتقسيمه إلى دويلات طائفية، فأصبح لقب الرئيس الماركة المفضلة للصوماليين، فكل قبيلة نصبت قائدها الخاص وسمته بالرئيس، فإن لم ينجح في رئاسة البلد فهو رئيس القرية والقبيلة والمنطقة، وله عَلَمه وحرَسه وبرتوكوله الخاص، حتي إذا اجتمع مع رئيس الجمهورية نودي الجميع باسم الرئيس من غير نكير ولا وجل، وإن لم يتم الأمر كذلك، فللقبيلة الحق في استرجاع ثقتها الممنوح لرئيس الجمهورية.

وقد أصبح منصب الرئيس ولقبه في الساحة الصومالية اليوم شيئا مقززا ومستهجنا، لأنه تطلع إليه كل فاشل لم يستطع في إدارة أسرته الصغيرة قبل أن يستشرف إلى هذا المقام الكبير . فأسيىء إلى مقام ومكانة منصب الرئاسة وشوّه وجهها الجميل، ولذا حُقَّ لمن رأى هذا الوضع القبيح وهذا التصرف اللا أخلاقي بأن يستعير أبيات العالم الفقيه الذي أفزعته ما آلِ اليه العلم ومكانته الرفيعة حيث تصدر في مجال التدريس والتعليم لمن لم يتأهل له بعد.

فأنشأ أبياتا من الشعر يستهجن بهذا التصرف المشين وبهؤلاء القوم من عديمي الأخلاق والضمير، حيث أقحموا بأنفسهم مما لا يجوز لهم الإقتراب منه، وقد صار بها الركبان وتداولها الناس في مجالسهم العلمية، فغيرت بعض الأبيات لتوافق مما نحن في صدده، وقلت:
تصدر للرئاسة كل مهوس بليد تسمى بالسياسي المتمرسِ
فحق لأهل الحكم أن يتمثلوا ببيت قديم شاع في كل مجلسِ
لقد هزلت حتى بدا من هزالها كُلاهَا وحتى سامها كل مفلسِ

فأصبح كرسي الرئاسة عقدة وداءً في المجتمع الصومالي، لأن كل السلطات تَتَجمع لدى الرئيس ويتحكم فيها، فتصبح جميع مفاصل الحكومة تحت رحمة الرئيس وبطانته الخاصة، فكل خيط ينتهي إلى عتبات مكتب الرئيس ولذا تسابق الناس إليه .وكل من يملك مالا سياسيا ويعطي أكثر ويستطيع شراء الذمم فهو الفائز فيه، ثم إذا وصل المنصب فليس له هم إلا كيفية استرجاع الأموال التي خسرها في شراء الأصوات، فيتحول البلد إلى بقرة حلوب لا يتحسى لبنها إلا هو وحاشيته، ويصبح نهب المال العام سيد الموقف.

وأخيرا إذا كان الشعب الصومالي يريد استعادة شرفه وهيبة دولته وصيانة سمعته وتقدم بلده، عليه إعادة النظر في منصب الرئاسة ومكانة الرئيس ومن يترشح له ومن يجب التصويت له، وكذاك التحقق في أهلية ومقدرة من يدخل في المجلس النيابي، لكي يستعيد البلد عافيته ومكانته بين الأمم والدول، وإلا سيبقى في ذيل الأمم، وستتحول ماركة الصوملة التي تعني البؤس والفقر والجريمة شعارا عالميا يلازم الأرض والشعب في كل مكان.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here