هل تنجو دول الوفرة المالية من موجة الربيع المقبل؟

7
هل تنجو دول الوفرة المالية من موجة الربيع المقبل؟
هل تنجو دول الوفرة المالية من موجة الربيع المقبل؟

بلال التليدي

أفريقيا برس – أرض الصومال. بعد سبع سنوات على الربيع العربي، كتبت عن إمكان حصول موجة ثانية من الربيع العربي، واتجه التقدير وقتها إلى أن مؤشرات هذه الموجة موجودة بحكم أن الشروط التي أدت إلى اندلاع الربيع العربي الأول، لا تزال قائمة، ولم يتم معالجتها بعد.

بعد سنة عن هذا المقال برزت موجة جزئية لهذا الربيع، في الجزائر والسودان، تم احتواؤها بطريقة التفافية في الجزائر من خلال إجراء انتخابات رئاسية، رفعت شعار تطهير الدولة من اللصوص (الموالين للرئيس بوتفليقة في الحكم) ولم يتم إلى الآن الاتفاق بين قوى المعارضة والمجلس العسكري في السودان على خارطة طريق أخرى بعد أن تم الإجهاز على الصيغة الأولى.

في السنة الماضية، وقبل اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، كانت مؤشرات ما بعد جائحة كورونا تدفع للتقدير بإمكان اندلاع موجة أخرى من هذا الربيع، لكن، الاعتبار العالمي للجائحة، واستواء كل الدول في مواجهة الآثار نفسها، مع اتخاذ إجراءات موحدة تأخذ صفة الطوارئ وتحد من الحرية، عطل هذه الموجة، بمبرر أن دول العالم تعيش الوضعية نفسها، وألا وجود لفارق يمكن البناء عليه في تبرير قيام موجة ربيع آخر.

لكن، مع الحرب الروسية على أوكرانيا، واشتداد حرب الاستنزاف بين الشرق وبين الغرب، والآثار الكارثية التي تركتها (ارتفاع أسعار مصادر الطاقة، صعوبة وصول الإمدادات الغذائية، ارتفاع نسب التضخم وغلاء المواد الغذائية) وما يرتبط بها من غلاء المعيشة وتهاوي الطبقة الوسطى، لم يعد هناك أي اعتبار يمكن البناء عليه لتبرير تأخر الموجة المقبلة من الربيع.

المؤشرات الاقتصادية لعدد من البلدان العربية، تقر بوجود تفاوت كبير، بين دول الوفرة المالية، التي استفادت من ارتفاع أسعار مصادر الطاقة، وحصلت إمكانات مالية غير مسبوقة، وبين دول الندرة، التي لا تكلفها الفاتورة الطاقية ميزانية ضخمة لا تتحملها موازنتها السنوية.

دول الندرة الطاقية، ليست على درجة واحدة، فمنها من اتجه إلى إصلاح نموذجه الاقتصادي، بعد سنوات من تقييم ارتهان النموذج التقليدي لعوامل الطبيعة وتقلبات أسعار المواد الطاقية في العالم (نموذج المغرب) ومنها من بقي مرتهنا لنموذجه الاقتصادي التقليدي، واضطر في لحظة الأزمات للعب بورقة الوضع والدور الإقليمي لطلب لاستدرار الدعم المالي من دول الخليج أو من الولايات المتحدة للخروج من الأزمة (مصر والأردن) بحجة أن أي تهديد للاستقرار في هذه الدول، ينتج عنه ضرورة تهديد للأمن الإسرائيلي وللمصالح الأمريكية في المنطقة.

هذا الفرز الثلاثي، لمجموعة الدول العربية، يفترض خطوة متصورة للموجة الثانية العارمة من الربيع العربي، تبدأ أساسا من دول الندرة التي لم تجدد نموذجها الاقتصادي، ودول الندرة ذات الوضع الإقليمي الحساس، التي تغير تقدير الغرب لدورها، فصار يعتقد أن تأمين الاستقرار لا يتناسب مع بقاء الأنظمة السائدة بها.

المؤشرات الاقتصادية الراهنة ترجح نفس سيناريو اندلاع الربيع العربي الأول، أي تونس ومصر، فتونس، تعيش وضعية إفلاس اقتصادي كامل، ولولا الدعم الجزائري الذي يدخل ضمن حسابات إقليمية، لكان وضع تونس شبيها بوضع سيريلانكا، فالجزائر اليوم، تقوم بالتقليل من الفاتورة الطاقية التونسية، وتدفع مستحقات الموظفين التونسيين لأكثر من أربعة أشهر. أما مصر، فلولا الدعم النفطي السعودي الإماراتي الكويتي، لكان وضعها أسوأ من وضع تونس نفسها. وقد اعترف الرئيس عبد الفتاح السيسي وبشكل علني بهذا الواقع، ولم تتردد مراكز أبحاث صهيونية في الحديث عن مسؤولية الكيان الصهيوني في منع هذا السيناريو أو العمل على ترتيب سيناريو آخر يتلافى أي سيناريو وصول الإسلاميين إلى مربع الحكم كما حصل في الربيع الأول.

الوضع في لبنان أسوأ من تونس ومصر، فلبنان تعيش من مدة على وقع إفلاس اقتصادي ومالي، وما يتفجر بين الحين والآخر، من قيام مواطنين باستعمال السلاح داخل المؤسسات البنكية للمطالبة بودائعهم المستحقة، يرسم الصورة الواضحة لهذا الإفلاس، لكن، ما يمنع تفجر الوضع، الصراع الإقليمي التقليدي بين السعودية وإيران في المنطقة، فالدعم المقدم من هذه الدول مرتبط بالتوافقات السياسية التي سيتم تحقيقها، وما إذا كانت الصيغة المتوصل لها، مقنعة لتأمين استمرار الدعم من الرياض وطهران.

وضع العراق، لا يختلف عن وضع لبنان، فاستقرار الوضع السياسي مرتبط بالتوافقات بين الفرقاء السياسيين، والتوافق نفسه، مرتبط بصيغة يحصل فيها تقليص النفوذ الإيراني، وإحداث توازن سياسي، تشعر فيه القوى الإقليمية والدولية المناهضة لطهران، أن كسبا آخر محتملا تحقيقه في الجولة المقبلة.

وضع الأردن، يشبه مصر من حيث المؤشرات الاقتصادية، ولكنه يختلف عنها سياسيا، فوجود الملكية، فضلا عن حساسية الأردن في محيطها الإقليمي، يرشح أن تكون موجة الربيع العربي مجرد صدى لرياح ربيع إقليمي جارف، فيصير في أسوأ أحواله بخلفية سياسية إصلاحية مع سقف مرتفع نسبيا عما كان عليه سابقا.

المؤشرات الاقتصادية في المغرب، لم تصل حد دق ناقوس الخطر، فالتوازنات المالية للدولة لا تزال مستقرة، هذا إن لم نقل بأن الموازنة استفادت من ارتفاع الفاتورة الطاقية وحسنت إيراداتها وقلصت من العجز، لكن المؤشرات الاجتماعية جد مقلقة، فتقرير المندوبية السامية للتخطيط، يتحدث عن تهاوي الطبقة الوسطى، وبداية استنفاد ادخاراتها في السنوات الماضية، ويتحدث أيضا عن مس خطير بالقدرة الشرائية للمواطنين، فإذا أضيف إلى ذلك واقع الجفاف وتداعياته الخطيرة على النمو الاقتصادي (نقص نقطتين تقريبا من نسبة النمو) فإن ذلك يدعم إمكانية شمول هذه الموجة للمغرب، على الأقل، في حال ما إذا انطلقت في دول أخرى، ووصلت كصدى إقليمي كما حدث في الموجة الأولى.

الموجة القادمة من الربيع العربي ستكون مسبباتها مختلفة، فسنوات ما بعد الربيع الأول، رسخت تمثلا عارما في مزاج الرأي العام العربي، أن مطلب الحرية والديمقراطية في نظم مغلقة، يجعلها في صراع مباشر مع المؤسسة العسكرية، ولذلك، من الأرجح أن تكون الموجة المقبلة من الربيع العربي بخلفية اجتماعية، وأن تراهن على انقسام السلطة من داخلها، والتحاق جزء منها بمطالب الجماهير، لا أن يتم الرهان على وصول نخب الربيع للسلطة.

البعض يعتقد أن بلدان الوفرة الاقتصادية ستكون بمنجى عن هذا الربيع، لكن، في الواقع ثمة فوارق بين هذه البلدان تتعلق بمؤشرات التنمية (الدخل الفردي في هذه الدول، وخدمات التعليم والصحة والسكن) فثمة دول تحقق وفرة مالية كبيرة عند ارتفاع اسعار الطاقة، لكن ثمار النمو لم تكن تصل إلى الشعب، ولم تكن تظهر على مستوى مؤشرات التنمية.

الجزائر تأخرت فيها موجة الربيع العربي ثماني سنوات، وظل عدد من الساسة والمثقفين الموالين للسلطة يتحدثون عن الاستثناء الجزائري، وبعض المثقفين غير الموالين للسلطة فسروا الأمر على نحو مختلف، فالشعب الجزائري الذي عاش قساوة عشرية (بعد إسقاط العسكر للخيار الديمقراطي) لم يعد يتحمل أن يقوم بحراك يدفع به إلى نفس النتيجة، لكن في الواقع، حصل الحراك إلى سنة 2019، ولم يكن هناك أي استثناء.

الجزائر مرشحة أن تعرف حراكا جديدا، لكن هذه المرة، ستنضاف حجة أخرى إلى الحجة السابقة، فالجزائر تنفق عائداتها المالية، في تدبير صراعها الدبلوماسي والإقليمي مع المغرب، في الوقت الذي يعيش فيه الشعب الفقر وتتراجع فيه مؤشرات التنمية بنحو مخيف.

التقدير، أن الموجة القادمة، ستبدأ بشكل متموج، من الحلقة الأضعف (دول الندرة ذات المؤشرات الاقتصادية المنهارة) إلى دول الندرة التي لم تعدل نموذجها الاقتصادي، إلى دول الوفرة المالية التي لا تصل ثمار النمو فيها إلى الطبقات الفقيرة والمتوسطة، إلى الدول التي ستجتاحها الموجة من بوابة الصدى الإقليمي.

الدول المتقدمة، بسبب كلفة الحرب على روسيا، وبسبب تراجع اقتصاداتها، وأيضا بسبب تقديراتها لاعتبارات الأمن الإسرائيلي والمصلحة الغربية، ستكون مضطرة إلى تقليص دعمها للدول العربية ذات الحساسية الإقليمية، وبشكل خاص مصر. وإذا ما اتجه التقدير لهذه الجهة، فربما ستكون موجة الربيع القادم أكثر قوة من حيث الزخم من سابقه.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن أرض الصومال اليوم عبر موقع أفريقيا برس