أفريقيا برس – السودان. تقرير: عبدالله عبدالرحيم – ارتباك كبير فرض سيطرته على المشهد السياسي، وحالة خوف عارمة بدأت تجتاح الساحة السياسية الداخلية والخارجية عقب دخول الحركات المسلحة القادمة من جوبا على نسق اتفاق السلام الموقع في أكتوبر من العام الماضي وما أحدثه وجودهم في العاصمة من مخاوف وسط المواطنين والقوى السياسية لجهة أنهم ما زالوا يحملون السلاح رغم اتفاق السلام بسبب عدم إكمال الترتيبات الأمنية البند الأوسع شهرة وانتقاداً في وثيقة جوبا، هذا الأمر أظهر الكثير من المخاوف والمؤامرات حيال هذه الحركات، ولكن بفطنة قياداتها استطاعات أن تعبر تلك المرحلة بسلام بعد أن أظهرت للخائفين سوء ظنهم، وبفضل جهود شركاء السلام. وبعد أن فرضت خلافات الحرية والتغيير سيطرتها على المشهد السياسي ككل لم تسلم هذه الحركات من تلك الخلافات والصراعات ونشطت وسط المعسكرين، مناهضون وداعمون لكليهما، ونتاجاً لذلك جاء اعتصام القصر عقب موكب يوم 16 أكتوبر الماضي، بعد أن فرض تحالف كيانات الحرية والتغيير العودة لمنصة التأسيس سيطرتهم على المشهد بإنفاذ موكبهم وقاد جموعه للاعتصام أمام بوابة القصر الرئاسي ليدخل في يومه السابع اليوم، وهو ينادي بحل الحكومة والعودة لمنصة التأسيس لحكم ما تبقى من فترة المرحلة الانتقالية عبر كفاءات وخبرات دون الانتماء السياسي تلعب فيه الحركات المسلحة دوراً رئيساً، فيما شهدت البلاد الأول مواكب ٢١ أكتوبر والتي خرجت فيها جماهير وجموع القوى السياسية المناهضة، ما أشاع الخوف وسط الساحة السياسية بإمكانية انفراط عقد الأمن لجهة أن بعض طرف العملية السياسية مسلحون، ولكن أظهرت الحركات أسلوباً مدنياً وحساً سياسياً عالياً ما يشير إلى أن التحول الديمقراطي كعملية جوهرية قد بدأ بالفعل..
تحول المسلحون:
السفير والدبلوماسي خالد موسى يرى أن من إيجابيات هذا الحراك أن الحركات المسلحة أصبحت منخرطة في العمل السياسي السلمي من حيث الحشود والمخاطبات الجماهيرية، واستخدام تكتيكات المناورة وعقد التحالفات، وتقديم البرامج، وممارسة الضغوط السياسية عبر الشارع واستخدام الإعلام..
وعد موسى هذا الحراك بالخطوة المهمة، في إطار التحول من حركات مسلحة الى العمل السياسي المدني، مما يعزز مسارات تحولها الى كيانات قومية ذات أجندة وطنية شاملة وقاعدة شعبية عريضة. وأكد موسى إن البعض يريد للحركات أن تظل مسلحة بعيداً عن العمل السياسي، حتى تظل (غريبة الوجه واليد واللسان) عن معمعات التدافع السياسي وترضى بأدنى ثمر السلطة، مطالباً النخب السياسية للترحيب بهذا الحراك المدني السياسي السلمي للحركات، لأنه تدافع باللسان لا بالسنان وهي أولى عتبات التحول الديمقراطي.
لكن تكمن الخطورة في أن تأخير الترتيبات الأمنية بسبب الفوضى السياسية أو ضعف الإرادة المشتركة سيجعل منها كيانات سياسية تملك أجنحة عسكرية، مما يعني إعادة نمذجة حزب الله في البيئة السودانية دون مرجعية دينية أو سياسية.
الدور الدولي:
يأتي هذا فيما دعا رئيس البعثة الأممية المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية بالسودان (يونيتامس) الأطراف المعنية إلى خفض حالة التوتر، والمحافظة على الشراكة القائمة بين المكونين العسكري والمدني وتنظيمات الكفاح المسلح. وتطرق لقاء فولكر بيترس رئيس البعثة الأممية المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان “يونيتامس”، مؤخراً وعضو مجلس السيادة الفريق أول شمس الدين كباشي الاثنين الماضي إلى جملة من القضايا في مقدمتها العلاقة بين شركاء الحكم، وقضية شرق السودان إلى جانب موضوع صناعة الدستور، وطالب فولكر السودانيين بضرورة المحافظة على الشراكة القائمة بين المكونين العسكري والمدني وتنظيمات الكفاح المسلح الموقعة على السلام، وناشد بخفض حالة التصعيد، والتركيز على القضايا المهمة خلال المرحلة المتبقية من عمر الفترة الانتقالية، مشدداً على ضرورة عودة الأطراف إلى مائدة الحوار، وإلى ضرورة الاتفاق على خارطة طريق بشأن القضايا الاستراتيجية. وتباعدت المواقف وعلت أصوات الانتقادات والاتهامات بين المكونين المدني والعسكري بعد عامين من الفترة الانتقالية التي فشلت في تحقيق أهداف الثورة التي جاءت من أجل تغيير الواقع إلى الأفضل بتطبيق شعارات “الحرية والسلام والعدالة”، مع تردي اقتصادي مريع وسياسات غير سوية نتيجة تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي بحسب مراقبين اقتصاديين وسياسيين، في وقت يحاول كل طرف أن يحقق انتصاراً في معركة “كسر العظم” نتاج التعقيدات السياسية التي وصلت مراحلها الأخيرة بين قوى الحرية والتغيير المنقسمة على نفسها.
قطع الطريق:
ويرى الناطق الرسمي بحزب البعث العربي الاشتراكي عادل خلف الله المشهد السياسي بأنه في حالة غير مسبقة ومعتم الرؤية من خلال التدافع بين من يدافع عن وحدة الوطن ودعم التحول الديمقراطي، ومن يعيق التحول الديمقراطي، يرى أحمد منصور إسحق قيادي بقوى الحرية والتغيير أن المعركة فاصلة على سارقي الثورة والمستأثرين بالحكم على حساب الرفاق. وقال إنه ورغم حشدهم المنتظر إلا أن الشعب السوداني جميعه يؤيد العودة لمنصة التأسيس وقطع الطريق على سارقي الثورة جهود الثوار والشهداء، مبيناً أن يوم الخميس كان يوماً مفصلياً وأن الحكم سيعود لأهله من الذين حاولوا تدجين الثورة لمصالحهم الشخصية وقد مارسوا نفس التمكين السابق الذي من أجله خرجت هذه الثورة.
وأشار إلى أن بعض الجهات حاولت وصفنا بفلول النظام البائد ولن تثنينا عن المضي قدماً في تطهير دولاب حكم الدولة في فترتها الانتقالية المتبقية من هؤلاء اللصوص. وقال إن المظهر السلمي للحركات المسلحة والسياسي ليس غريباً عليهم لأن الظروف التي قادتهم لحمل السلاح قد انتهت وعادوا الآن لطبيعتهم.
مواقف تاريخية:
وبحسب د. أبوبكر آدم الخبير الاستراتيجي والأكاديمي فإنه لأول مرة في التاريخ السياسي تصر فيه القوات المسلحة على الحكم المدني الديمقراطي عبر الانتخابات ويرتجف فيه السياسيون ويرتدون عن ديمقراطيتهم المكذوبة مشيراً الى أن الجيش استطاع أن يكشف عوارهم السياسي ولكنهم ما زالوا يراهنون على خداع الناس، وأكد إسحق أن الشعب السوداني وعي الدرس وأنه لن ينخرط مرة أخرى ويجري خلف من باعوه الوهم وأن الثورة عائدة لأهلها وأصحابها ولا مجال لتمكين مضاد. وأكد أنه من الأفضل للقوى السياسية الأربع العودة لمنصة التأسيس لغسل أيديهم مما اقترفوه من ظلم بحق الرفاق، وقال إن الحركات المسلحة لن تعود لحمل السلاح مرة أخرى وقد أظهت براعة وتفوقاً في العمل السياسي وهذا يدفعهم لبذل كل جهدهم لإكمال التحول الديمقراطي.
التحول الديمقراطي:
ويرى الأستاذ عادل خلف الله الناطق الرسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي، أن استمرار الاعتصام الحالي مرهون على مقدرة الشعب وقواه لحماية الثورة ودعم التحول الديمقراطي، مبيناً أن جهات داخل السيادي تدعم هذا الحراك والاعتصام. مؤكداً أن هذا يرجع لعدم رغبة البرهان لتسليم رئاسة المجلس السيادي عقب اكتمال دورته، وأن ما يجري جهود لعرقلة التحول الديمقراطي السلمي. فيما أكد خلف الله من أنهم يدعمون التحول الديمقراطي، وقال: نطالب بمحاربة الفساد القديم والجديد، وإكمال هياكل الدولة والمجلس التشريعي، ونجدد بأن الردة مستحيلة. فيما يرى الناطق الرسمي باسم الحرية والتغيير (العودة الى منصة التأسيس) علي خليفة عسكوري، أن موكب 16 أكتوبر هو تعزير للمطالب السبعة التي قدمت الى رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك في اجتماع مشترك منها، إشراك قوى الحرية والتغيير في كل مفاصل الدولة وهذا يعني حل المؤسسات الحالية القائمة. وكشف عسكوري أن اعتصام القصر هو دليل على تمسكهم بالمطالب حتى ترى النور، وأن الأيام القادمة سيكون هنالك تصعيد آخر حتى تحقيق المطالب، وقال: مطالبنا سبعة منها تكوين المجلس التشريعي والانتخابات وإكمال هياكل الدولة وحل قضية شرق السودان وعدد من المطالب. وأكد عسكوري أن الاعتصام مستمر ولن يتم رفعه إلا بحل الحكومة، وأن المخرج الوحيد للبلد هو وثيقة التوافق الوطني. وأعتقد أنها آخر فرصة ليجتمع الناس لإخراج البلد من هذه الورطة، وإذا لم يتم هذا الأمر فسنستمر في طرحنا ونخرج الى الشارع ونحدث عضويتنا، أن الأحزاب الأربعة فشلت في إدارة الدولة لذلك نحن سنبتعد عنهم إذا لم يقبلوا أن يعودوا الى منصة تأسيس الحرية والتغيير، وأن المنصب العام قائم على الكفاءة وليس بقرابة الدم، ومضى قائلاً: سنكون بعيدين عنهم وعليهم أن يتحملوا تبعات الانفراد بالسلطة وعلى رئيس الوزراء حل هذه الحكومة، وزاد: هنالك إجراءات مسبقة يجب أن يتم إكمالها حتى نذهب الى الانتخابات ويتم تحول سلمي ديمقراطي للسلطة. هذه الإجراءات المسبقة أتت وذهب موعدها ولم يكونوها لأنهم يتصارعون، وقد أخذت وقتاً طويلاً وذهب الوقت المضروب لها وهم يتعمدون هذا حتى تأتي الانتخابات ثم يعتذروا بأن هنالك أشياء لم نكملها ويقولون دعونا نمدد سنتين مرة أخرى حتى لو أعطوهم هذه المدة لن يفعلوا شيئاً لأنهم لا يملكون قواعد، والتمديد هو اللعبة التي يخططون لها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس