أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. أكد فتحي حسن عثمان، رئيس القطاع السياسي بحزب الأمة السوداني، أن الحرب مستمرة بسبب تعنت المليشيا وعدم التزامها باتفاق جدة، مشددًا في حواره مع “أفريقيا برس”، على أن القوات المسلحة نجحت في امتصاص الصدمة وتحقيق انتصارات ميدانية.
وقال إن الحل يكمن في مسارين: عسكري بتحطيم شوكة المليشيا، وسياسي عبر حوار سوداني-سوداني شامل.
وأوضح أن لا مستقبل لقوات الدعم السريع كمؤسسة، داعيًا إلى دمج أفرادها عبر برامج دولية. وأضاف أن مشاركة الإسلاميين مع الجيش دفاع عن الوطن، وليس بحثًا عن سلطة. وشدد على ضرورة إنهاء ظاهرة استثمار القوات النظامية في الأنشطة الاقتصادية لدرء الفتن والصدامات.
تستمر رحى الحرب في السودان، في وقت تغيب فيه الحلول لوقفها سوى بالحسم العسكري أو التفاوض… أين يكمن الخلل؟
الحرب مستمرة نتيجة لعدم التزام المليشيا وداعميها واستعدادهم لتنفيذ اتفاق جدة، لاعتقادهم بإمكانية انهيار القوات المسلحة السودانية وتمكنهم من استلام السلطة بعد فشلهم في ذلك صبيحة الخامس عشر من أبريل.
القوات المسلحة وجدت نفسها في موقف الحصار والدفاع عن دورها ومقارها، لكنها استطاعت امتصاص الصدمة، وبالتكتيك والخبرة والدراية تحولت من خانة الدفاع إلى خانة الهجوم والانفتاح، وحققت نجاحات بتحرير ولايات وسط السودان: سنار والجزيرة، وأجزاء من النيل الأزرق والنيل الأبيض والعاصمة القومية الخرطوم وشمال كردفان.
والآن انطلقت متحركات عديدة لتحرير كامل تراب كردفان ودارفور، وهي مسألة وقت فقط.
يعتقد البعض أن الحرب لا تُحسم عسكريًا؛ هذا الحديث صحيح في ظاهره، لكنه يستبطن فكرة الحوار مع المليشيا، وهو أمر لا ترفضه قيادة القوات المسلحة السودانية التي أعلنت خارطة طريق لحل الأزمة، حيث طرحت فكرة تجميع المليشيا في معسكرات يتم التوافق عليها في إقليمي كردفان ودارفور.
ولكن المليشيا ردت على خارطة الطريق هذه بمزيد من التصعيد العسكري، عبر قصف معسكرات النازحين في زمزم وحول الفاشر، وتشديد الحصار على مدينة الفاشر وتجويع أهلها بغرض كسر إرادتهم وإسقاط المدينة وإعلان حكومة المليشيا الموازية منها.
لذلك استمرت الحرب، وفي نهاية المطاف تشير كل المؤشرات إلى أن شوكة أوباش المليشيا ستنكسر في دارفور وكردفان، وسيسعون بأنفسهم إلى الحوار.
هنالك تجاوزات من الحركات المسلحة مع الأهالي، سيما في مناطق التعدين.. هل ستحدث وقيعة بين الأهالي والحركات المسلحة؟
غريب أمر إدارة الدولة السودانية. الآن معلوم بداهة أن القوات النظامية لا تعمل في الأنشطة الاقتصادية ولا تنافس المواطنين السودانيين، وهناك استثناء لبعض القوات النظامية التي لديها استثمارات وفق قانون الشركات، وتخضع للمراجعة وتعمل وفقه.
لكن أن يمارس أفراد قوى عسكرية أو شبه عسكرية أنشطة ذات طابع اقتصادي وهم يحملون السلاح، فهذه فعلة دخيلة على أعراف وتقاليد الدولة السودانية.
أول من قام بها هي مليشيا الدعم السريع، وأعتبرها خطأ فادحًا وقعت فيه حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير، وسارت عليه حكومة الفترة الانتقالية.
هذا الاتجاه خطير جدًا ومعيب جدًا، ويتنافى مع مهام أي قوى نظامية. فطالما أن هناك قوى نظامية تحمل السلاح وتعمل في الأنشطة التجارية والاقتصادية التي كفلها القانون والدستور للمواطنين السودانيين، فإن الاحتكاكات والصدامات واقعة لا محالة.
لذلك، على السيد القائد العام ورئيس مجلس السيادة أن يصدر قراره اليوم قبل الغد بمنع وتحريم هذا العمل، وإلا سيحدث ما لا يُحمد عقباه.
كيف تقيّم مشاركة حركات دارفور في قتالها مع الجيش؟
نحن نسمي الأشياء بمسمياتها؛ فهذه الحركات ظلت ولمدة تسعة أشهر في خانة الحياد، باستثناء جماعة مصطفى نصر الدين تمبور، الذي أعلن انحياز حركته لصف القوات المسلحة السودانية منذ الأيام الأولى للحرب، وهذا أمر معلوم للكافة.
الأمر الثاني، أن هذه الحركات عند اندلاع الحرب لم تكن تمتلك أعدادًا كافية من الجنود، والدليل على ذلك أنها طلبت تمويلًا من قيادة القوات المسلحة لعمليات التجنيد والاستنفار، وتم تنفيذ طلبها.
تزامن ذلك مع إعلان القائد العام للقوات المسلحة الاستنفار لكل قادر على حمل السلاح من أهل السودان، فتدافعت جحافل الشباب للتدريب وحمل السلاح في كل الولايات الآمنة، وأجزاء من ولاية الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض وسنار وشمال كردفان وجنوبها ونهر النيل والشمالية وكسلا والقضارف والبحر الأحمر.
فأصبحت المقاومة الشعبية هي السند القوي للقوات المسلحة السودانية، ومعارك التحرير والنصر الكبير هي انعكاس لسند المقاومة الشعبية.
حركات دارفور المسلحة شأنهم شأن الآخرين، شاركوا وقدموا التضحيات والشهداء مثل بقية المكونات الاجتماعية الأخرى. فالفارق ورجحان الكفة لا يمكن أن يُنسب لمجموعة دون الآخرين.
مشاركة الإسلاميين في الحرب والقتال مع الجيش مثل كتائب البراء… هل هذه المشاركة بغرض البحث عن السلطة؟
شباب الحركة الإسلامية شأنهم شأن شباب السودان الآخرين، شاركوا في القتال إلى جانب القوات المسلحة السودانية والقوات النظامية الأخرى دفاعًا عن الأرض والعِرض والمال وسيادة السودان.
ولأن الإسلاميين كان لهم وجود سابق في السلطة فهم منظمون، ويقابلهم تنظيم آخر هو “كيان غاضبون”، وهو كيان ثوري منظم ظهر إبان ثورة ديسمبر المجيدة، والآن يقاتل إلى جانب الجيش.
صحيح أن هناك تحسسًا وتوجسًا من ظهور أي كيان أو رموز من الإسلاميين، وهذه حقيقة، ولكن لا يمكن منع الإسلاميين من الدفاع عن السودان، إلا إذا أسقطت عنهم الجنسية وحقوق المواطنة. فمن حقهم الدفاع عن بلدهم ورد العدوان عنها.
أما قصة البحث عن السلطة، فهذا يخضع للتدابير التي يُرجى أن يتوافق عليها أهل السودان عبر حوار سياسي سوداني-سوداني لا يهيمن عليه أحد ولا يُقصى منه أحد، يُؤسس لتوافق حول إدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية، بإرساء أسس ومعايير وبرامج متفق عليها بين المكونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تخاطب جذور النزاعات الكامنة والتي تفجرت، وتضع لها الحلول، إضافة إلى وضع تدابير وبرامج لإعادة إعمار ما دمرته الحرب ومعالجة آثارها الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية. فالإسلاميون ليسوا استثناءً في هذا.
ما هي رؤية حزب الأمة السوداني لعملية السلام في السودان؟ وما هي رؤيتكم لما بعد وقف الحرب، ورؤيتكم لمكانة قوات الدعم السريع إذا حدث سلام معها؟
السلام في السودان أخذ مسارين؛ الأول هو المسار العسكري، وقد تمت استضافة فعالياته تحت رعاية المملكة العربية السعودية في مدينة جدة، ومعلوم للعامة إعلان جدة والمبادئ التي حواها. صحيح أن هناك بنودًا تم تجاوزها، مثل إخلاء قوات المليشيا للأعيان المدنية وبيوت المواطنين، وقد حقق الجيش السوداني والقوات النظامية الأخرى هذه البنود بقوة السلاح، فأخرجوا أوباش المليشيا (رجالة وحمرة عين) وحرروا المواقع كما أشرنا في الإجابات السابقة.
تبقى الحاجة إلى النظر إلى الأعداد الكبيرة من هؤلاء الشباب المغرر بهم وآخرين صغار السن الذين لم يحظوا بتعليم نظامي ولا يجدون فرصًا في سوق العمل العام في السودان، ويريدون تحقيق ذواتهم مثل الشباب الآخرين.
وعليه، فواجب الدولة السودانية أن تبحث عن طريق لاستيعابهم، وإلا أصبحوا رصيدًا سهلاً لكل من يريد التمرد على سلطات الدولة، أو يتحولوا إلى عصابات للنهب والسلب تزعزع الاستقرار وتؤرق مضاجع المواطنين. لذلك، لا بد من الحوار للبحث عن حل لأزمة الشباب في كردفان ودارفور وكل السودان، فالحروب والهجرة غير الشرعية والإيدز والمخدرات، ضحاياها جميعًا هم الشباب.
أما فيما يتعلق بمستقبل قوات الدعم السريع، فعملية السلام ترتكز على أن لا مستقبل سياسي أو عسكري أو اقتصادي للدعم السريع كمؤسسة، أما أفرادها فنرى أن يتم تجميعهم في معسكرات يتم التوافق عليها، وتعمل الأمم المتحدة وحكومة السودان على تنفيذ برنامج الدمج والتسريح وإعادة الدمج.
أما فيما يخص المسار السياسي، فهناك عدد من المبادرات التي تعمل على توحيد القوى السياسية والاجتماعية في السودان للخروج برؤية موحدة، مثل الاتحاد الإفريقي، والإيغاد، وحوارات منظمة “برو ميديشن” السويسرية التي تحمل رؤية الاتحاد الأوروبي، ومبادرة جمهورية مصر العربية، التي تعتبر أكثر هذه المبادرات نجاحًا؛ حيث جمعت القاهرة حوارًا سياسيًا لطيف واسع من القوى السياسية السودانية، وتوافقوا على بيان ختامي ممتاز أنهى فكرة الإقصاء السياسي، واعتمدوا مؤتمر مائدة مستديرة للتحضير لحوار سوداني-سوداني على النحو الذي شرحناه سابقًا.
ومن المأمول أن تتكامل كل الجهود وتصب في مبادرة جمهورية مصر العربية، وأن تعقد القاهرة الاجتماع الثاني للقوى السياسية والاجتماعية، ويتم تحديد تاريخ انطلاق الحوار السوداني-السوداني. هذا هو المخرج الآمن للسودان.
أما الحديث عن الحسم النهائي للمليشيا، فهو غير وارد حاليًا، وإن كانت القوات المسلحة قد دمرت القوى الصلبة للمليشيا وستكسر شوكتهم في الأيام المقبلة. فالمطلوب هو التقدم في المسارين: جدة برؤية لتجميع شتات المليشيا، والمسار السياسي. إذا تحقق ذلك، سنكون قد عملنا على اقتلاع بذور التمرد والفتنة من تربة السودان.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس