أفريقيا برس – السودان. أفادت منظمة “أطباء بلا حدود” بأنّ فرقها تعاملت مع موجات تدفّق جماعي لجرحى حرب السودان في الأيام الأخيرة. وذكرت المنظمة، في بيان أصدرته اليوم الأربعاء، أنّ تلك التدخّلات جرت في ثلاث مناطق مختلفة من السودان، في الخرطوم وولايتَي شمال دارفور وجنوب دارفور (غرب)، مشيرةً إلى أنّ الحرب المتواصلة ما بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ نحو 22 شهراً “لا تُعير احتراماً يُذكر لحياة المدنيين”.
وأوضحت “أطباء بلا حدود” أنّ في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، نُقل أمس الثلاثاء 21 جريحاً إلى مستشفى نيالا التعليمي الذي تدعمه المنظمة، بعد غارات جوية شنّها الجيش السوداني على مصنع لزيت الفول السوداني، علماً أنّ التقارير أفادت بمقتل 25 شخصاً. وقبلها بيوم واحد، طاولت غارات جوية مناطق سكنية في نيالا، فأصابت منازل مدنيين ودمّرتها. وبيّنت المنظمة أنّ تلك الغارات وقعت فيما كان أشخاص كثيرون في الأرجاء، فقُتل بالتالي 32 شخصاً وأُصيب العشرات بجروح ونُقلوا إلى مستشفى نيالا التعليمي.
ومنذ اندلاع الحرب ما بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي) في منتصف إبريل/ نيسان 2023، خرجت مئات من مستشفيات السودان عن الخدمة نتيجة القصف الذي خلّف دماراً، بالإضافة إلى عدم توافر العلاجات اللازمة، وكذلك بسبب الاعتداءات المتكرّرة على الأطقم الطبية.
ونقلت منظمة “أطباء بلاحدود” شهادة أحد الكوادر في مستشفى نيالا التعليمي، فقال إنّ “القصف كان قريباً من المستشفى وشعرنا باهتزاز المبنى. وما إن توجّهت إلى قسم الطوارئ، حتى وجدت الوضع مروّعاً. كانت الدماء في كلّ مكان، وكان ثمة جرحى يعانون من كسور، وعدد منهم فقد أطرافه”. أضافت المنظمة نقلاً عن الكادر المذكور: “وقد رأيت في أثناء تجوّلي في غرفة الطوارئ طفلَين، الصبي في الرابعة من عمره والبنت تبلغ من العمر عامَين. أخبرتنا خالة الطفلة أنّها فقدت ثلاثة من أشقّائها ووالدتها، ولم ينجُ سوى شقيقها الأكبر منها ووالدها لأنّهما كانا في العمل”.
أضافت المنظمة، في بيانها نفسه، أنّ مدنيين قُتلوا في مدينة الفاشر في شمال دارفور، التي شهدت اشتباكات عنيفة في الأشهر الأخيرة، شارحةً أنّ الفرق الطبية التابعة لها عالجت، في الأيام القليلة الماضية، جرحى مدنيين في مخيم زمزم (حيث تتفشّى المجاعة) بعد أن أدّى تصاعد القتال العنيف إلى سقوط عشرات الضحايا. وأشارت إلى أنّ المستشفى الميداني التابع لها في المخيم المذكور استقبل 21 جريحاً، أكثر من نصفهم من الأطفال، كانوا قد أصيبوا في أثناء فرارهم من قرية شقرة في محليّة الفاشر.
وحذّرت “أطباء بلا حدود” من استمرار حصار الجرحى الذين يعانون من حالات حرجة في مخيم زمزم بولاية شمال دارفور، من دون أن يتمكّنوا من الحصول على الرعاية التي من شأنها إنقاذ حياتهم. وبيّنت أنّ أربعة جرحى توفّوا، فيما أُحيل خمسة آخرون على الفاشر في الثالث من فبراير/ شباط الجاري، فهناك ما زال المستشفى السعودي يعمل إلى حدّ ما على الرغم من الهجمات المتواصلة التي أدّت قبل أسابيع إلى مقتل 70 شخصاً في قصف استهدف هذا المستشفى.
في سياق متصل، كشفت منظمة “أطباء بلاد حدود”، في بيانها، أنّ آلاف الهاربين من منطقة شقرة (شمال دارفور) وصلوا إلى مخيم زمزم في الأيام الأخيرة، بحثاً عن مكان آمن، وقد تركوا كلّ شيء وراءهم، لافتةً إلى أنّ هؤلاء تحدّثوا عن عنف مروّع في المنطقة. أضافت أنّ نحو 60 عائلة هربت من شقرة ووصلت إلى طويلة، التي تدير المنظمة فيها برنامج طوارئ يقدّم رعاية الطوارئ وخدمات التغذية والرعاية الصحية إلى الأطفال والحوامل والأمّهات. وتابعت أنّ هؤلاء الأشخاص أخبروا فرق “أطباء بلا حدود” أنّهم الناس يتعرّضون للسرقة ولهجومات في أثناء فرارهم على طول الطريق.
وأكدت منظمة “أطباء بلا حدود” أنّ أعمال العنف اشتدّت في ولاية الخرطوم منذ بداية فبراير الجاري، وأنّ انفجارات وقعت أمس الثلاثاء على بعد مئة متر من مستشفى النو المدعوم منها، بعد قصف شنّته قوات الدعم السريع على مدينة أم درمان. وبيّنت أنّ ستة أشخاص قُتلوا في هذا القصف، فيما أُصيب 38 آخرون، من بينهم متطوّع في إدارة المستشفى.
وأوضحت المنظمة أنّها المرّة الثانية التي يستجيب فيها المسعفون العاملون في المستشفى لتدفّق أعداد كبيرة من الجرحى في الأيام الأخيرة. ففي الأوّل من فبراير، أدّى هجوم شنّته قوات الدعم السريع على أحد الأسواق إلى مقتل 54 شخصاً، فيما تعرّض مستشفى النو لثلاثة انفجارات منذ بدء حرب السودان المتواصلة، أوّلها في أغسطس/ آب 2023 ثمّ في أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه، وآخرها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
يقول مدير الطوارئ في منظمة “أطباء بلا حدود” أوزان أغباس إنّ “العنف الذي تمارسه قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية (الجيش) على الناس في كلّ أنحاء السودان أمر مأساوي ومروّع، فالعنف يدمّر حياة الناس ويصعّب حصولهم على الرعاية الصحية ويعرّض العاملين في مجال الرعاية الصحية للخطر”. وحثّ أغباس الطرفَين المتحاربَين على “حماية حياة المدنيين وتجنيب هؤلاء هذه الحرب”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس