أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. تظل قضية وقف الحرب والسلام في السودان الشغل الشاغل لكل السودانيين. أحزاب سياسية ومبادرات دولية ومحلية تنخرط في مشاورات لوقف نزيف السودانيين المتصاعد، فهل ينجحون؟
في هذا الحوار، تناقش “أفريقيا برس” مع د. أيوب محمد عباس، الأمين العام للمبادرة السودانية للسلام المجتمعي والتعايش السلمي، فرص تحقيق السلام في السودان، وما مدى توافق السودانيين. كما ناقشنا معه رؤية المبادرة السودانية للسلام، واعتذار المؤتمر الوطني للشعب السوداني عن الأخطاء التي ارتكبها في فترة حكمه.
ثمة تواصل بين أعضاء من مجلس السيادة وقيادات حكومة تأسيس وصمود، كيف ترى هذه الخطوة؟ وهل يمكن أن تساهم في وقف الحرب وعودة السلام للسودانيين؟
بغض النظر عن صحة ومصداقية سردية تواصل حكومة السودان مع مليشيا الدعم السريع وصمود، فالحكومة السودانية والجيش السوداني ظلّا حريصين على إيقاف الحرب وتحقيق السلام العادل والشامل، ولعبا وما زالا دورًا جادًا تجاه قضايا الحرب والسلام في السودان.
وساهم الجيش مساهمة فاعلة في وضع حل للحرب الدائرة الآن، وذلك من خلال مشاركته الإيجابية في مبادرات السلام العالمية والإقليمية والمحلية، حيث وقع على اتفاق جدة. وهذا نابع من واجب الحكومة في صون أمن ووحدة السودان، وحفظ استقرار وسيادة السودان وسلامة أراضيه، وإنهاء معاناة الشعب السوداني، واستشعارًا للمسؤولية الوطنية للدولة السودانية بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للقوات المسلحة السودانية.
لا شك أن التواصل والحوار بين السودانيين مهم ومفيد في وقف العنف والحرب، وتحقيق السلام والاستقرار في السودان، ويشكل خطوة في الاتجاه الصحيح.
برأيك، بعد هذه الحرب المدمرة، هل تتوافق القوى السياسية والعسكرية في السودان؟ وما هي العقبات التي تقف في طريق توافق السودانيين؟
الحرب خلقت أكبر أزمة إنسانية في العالم، والوضع كارثي. وقد ارتكبت مليشيا الدعم السريع جرائم حرب، وتطهيرًا عرقيًا، وإبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، فضلًا عن السلب والنهب والقتل وتخريب ممتلكات الدولة السودانية، والاغتصاب، ونشر الفوضى، وترويع المواطنين العزل والأبرياء.
وأفرزت الحرب التشرد واللجوء والنزوح والفقر، مما ولّد أحقادًا وغبائن وسط المواطنين، وحدث شرخ وفتوق في النسيج الاجتماعي، واحتقان شعبي، وظهر خطاب الكراهية.
الحل يكمن في الحل القومي الشامل الذي يحقق السلام العادل الشامل، والتحول الديمقراطي، والتنمية المستدامة، وإرساء حكم القانون، وبناء مؤسسات الدولة السودانية التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.
والحل السياسي الشامل لا يُستثنى منه أحد، ولا يهيمن عليه أحد، وتُطرح على طاولته كل مشاكل وقضايا السودان، ومن ثم إيجاد الحلول الناجعة لها، والتوصل إلى رؤية سياسية شاملة توافق على مشروع وطني جامع، وعقد اجتماعي، وتوفير كل الضمانات اللازمة لتنفيذ مخرجات الحوار بسقوفات زمنية محددة تتفق عليها القوى السياسية والمجتمعية.
ومن ثم الانتقال إلى المؤتمر القومي الجامع الذي يشارك فيه كل أهل السودان بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية والعرقية والجهوية والثقافية والدينية. وأرى أنه يلوح في الأفق مخرج سلمي وقومي لأزمة السودان.
كيف يكون شكل الحوار الوطني؟
الحوار الوطني يكون تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، ويشهده ممثلون لأشقاء وأصدقاء السودان وجيران السودان. وقد رشح في الإعلام عن لقاء مرتقب بين الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، تحت رعاية الرئيس المصري عبد الوهاب السيسي، حيث يمثل اللقاء فرصة ثمينة لتعزيز الحوار الوطني والوصول إلى حلول دائمة للأزمة السياسية الراهنة والحرب اللعينة.
ماذا عن العقبات التي تقف في طريق السلام؟
العقبات التي تقف في طريق السودانيين من أجل تحقيق السلام ووقف الحرب تتمثل في غياب الإرادة السياسية، واستمرار النزاع المسلح، والانتهاكات والجرائم وتجاوزات حقوق الإنسان التي قامت بها قوات الدعم السريع.
كما أن هناك رأيًا عامًا سالبًا يجرّم ويعرقل مجهودات ومبادرات السلام، بالإضافة إلى تدخلات الدول الإقليمية التي تؤجج نيران الحرب من أجل تنفيذ أجندات أجنبية ضد السودان وشعبه. وأيضًا، أصحاب الأجندة الحزبية يعملون على استمرار الحرب من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية والحزبية الضيقة.
ما هي رؤيتك لتحقيق السلام في السودان وفقًا للمبادرة الاجتماعية التي تطرحها؟ وماذا أنجزتم فيما يتعلق بالسلام المجتمعي؟
نعمل على إدارة الخلاف والتنوع الديني والثقافي والإثني في السودان، وتسوية وحل النزاعات، وتوحيد إرادة الشعب السوداني، وبناء مجتمع سوداني معافى وخالٍ من كل الشوائب والأمراض المجتمعية.
نحرص على التواصل مع المجتمعات السودانية وتوجيهها نحو التغيير الإيجابي، وذلك بتزويدها بالأفكار والقيم والخبرات والمواقف والمعارف والعلوم. كما نعمل على إشراك السكان وقيادات المجتمع السوداني في إنشاء لجان مصالحات، وهو أمر بالغ الأهمية لتجنب أعمال الانتقام التي تطيل أمد الحرب والعنف.
ونسعى إلى توحيد القوى السياسية والمجتمعية في رؤية وبرنامج وطني جامع، وعقد مصالحة وطنية وتسامح وتعايش سلمي بدون إقصاء أو عزل، والوصول إلى أرضية مشتركة يلتقي عندها الجميع.
كذلك نعمل على تحقيق السلام المجتمعي والتعايش السلمي، ونبذ العنصرية والجهوية، ومحاربة خطاب الكراهية، ورتق النسيج الاجتماعي، ودعم خطوط الحوار بين المجتمعات السودانية، وتعزيز مقومات الوحدة الوطنية، وترسيخ مرتكزات القومية السودانية، وخفض التوتر الاجتماعي والاحتقان السياسي، والحد من الخلافات.
وقد عقدنا مصالحات مجتمعية بين مكونات المجتمع السوداني في الولايات المتأثرة بالصراع، في الجزيرة وسنار وغيرها من مناطق السودان المختلفة.
المؤتمر الوطني يعتذر للشعب السوداني عن الأخطاء التي ارتُكبت في فترة حكمه. كيف تُعلّق؟ وهل يُعدّ الاعتذار بداية لموافقة الإسلاميين على التفاوض؟
المؤتمر الوطني ليس على قلب رجل واحد، وهو مثل الأحزاب والكيانات السياسية السودانية الأخرى، منقسم ويعاني من صراعات داخلية وصراع شرعيات. لا تجمعهم مؤسسة حزبية واحدة، وهو متعدد التيارات ومختلفون حول القيادة والمرجعية، في ظل تباين واختلاف في الرؤى الفكرية والمواقف السياسية.
الاعتذار صدر من الدكتور النعمان، وهو ضمن تيار إبراهيم محمود، وهو تيار كبير ومؤثر داخل أروقة المؤتمر الوطني.
الاعتذار عن الأخطاء في عهد حكومة الإنقاذ يُعدّ مؤشرًا إيجابيًا وحالة صحية، فالاعتذار في حد ذاته يُعدّ أدبًا سياسيًا متقدمًا ومدرسة سياسية متفردة.
المطلوب من كل الأحزاب السياسية إجراء مراجعات وتقييم تجاربها في الحكم والمعارضة، والاعتذار عن أخطاء الماضي، وترتيب البيت الحزبي عبر البناء التنظيمي، ومعالجة الخلل السياسي داخل تلك الأحزاب، وممارسة الديمقراطية فيها، وإقامة مؤتمرات قاعدية وقطاعية وصولًا إلى المؤتمرات العامة.
ينبغي انتخاب قيادات جديدة بضخ دماء جديدة في شرايين الأحزاب، بالدفع بقيادات شابة مؤهلة وطموحة، لأن الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل، وهم يمثلون 70% من الشعب السوداني.
يجب إنتاج أحزاب ديمقراطية حديثة ذات مؤسسات فاعلة، وإعداد برامج متطورة تواكب مستجدات العصر والتطور العلمي، وتحقق تطلعات الشعب السوداني. وعلى الإسلاميين قبول الآخر، والقبول بمبدأ التفاوض، والمشاركة في الحوار الوطني في إطار قومي.
دول الرباعية بقيادة أمريكا ومصر والإمارات… هل تنجح في إقناع الجيش بالدخول في مفاوضات جديدة مع الدعم السريع؟ وما هو سيناريو حدوث التفاوض؟
مبادرة الرباعية هي مبادرة دولية مدعومة من المجتمع الدولي، ووساطة من الإدارة الأمريكية، وحكومات المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، وجمهورية مصر العربية.
تهدف المبادرة إلى إيقاف الحرب، وتحقيق السلام والاستقرار في السودان، والانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي، والتوصل إلى رؤية سياسية شاملة توافق على مخرج سلمي وقومي للأزمة السودانية.
تمثل الرباعية فرصة تاريخية، فهناك إرادة وطنية صادقة، ورغبة محلية وإقليمية ودولية. ومنبر الرباعية يُعدّ فرصة لتوصيل رؤية الحكومة السودانية والشعب السوداني إلى المجتمع الدولي، ووضعه أمام مسؤولياته الأخلاقية والقانونية.
نطالب مليشيا الدعم السريع بالخروج من المدن والقرى والأرياف، وتنفيذ اتفاق جدة، وإخلاء منازل المواطنين والأعيان المدنية، وإيصال المساعدات الإنسانية للمتأثرين بالحرب في كردفان ودارفور، وهو ما يُعدّ جوهر اتفاق جدة.
الرباعية مدعومة من المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية والإقليمية، مثل الأمم المتحدة، والاتحادين الأوروبي والأفريقي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة الإيقاد، وجيران السودان. وهذه الدول مؤثرة ومتداخلة في الصراع السوداني.
ليس من الحكمة والذكاء السياسي، ولا من المصلحة الوطنية، أن تغيب الحكومة السودانية عن المشاركة في مفاوضات الآلية الرباعية، فهي مهمة وضرورية في وضع حد للعنف والاقتتال، وتحقيق السلام والاستقرار في السودان.
الحكومة السودانية تتحمل مسؤولية وطنية وأخلاقية تجاه شعبها، وهي تمثل كل أهل السودان. ومن واجباتها إدارة شؤون الدولة، ورعاية المواطنين، ووقف انهيار السودان، والتخفيف من وطأة الإرهاق وإفقار الشعب السوداني.
على أهل السودان حل النزاعات والخلافات عبر الحوار البنّاء والنقاش الهادف، وإيجاد آلية ورؤية لحل الصراعات سلميًا. يجب حقن دماء السودانيين، خاصة الشباب، لأنهم الشريحة الأكثر تأثرًا وتأثيرًا بكل النزاعات في العالم، ولا سيما في السودان.
وأدعو كافة القوى السياسية والمجتمعية والمدنية، والقوات المتقاتلة، إلى إخلاص النوايا وتضافر الجهود، والسمو فوق المصالح الشخصية والحزبية والجهوية، والتوحد حول القضايا الوطنية الكبرى والمصلحة العليا للبلاد، حتى نطوي صفحة العداء بين السودانيين، وتكون هذه الحرب آخر حروب السودان.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس