الجوع ينهش السودان حيث “لا طعام ولا دواء ولا أيّ شيء”

23
الجوع ينهش السودان حيث
الجوع ينهش السودان حيث "لا طعام ولا دواء ولا أيّ شيء"

أفريقيا برس – السودان. في خلال شهرَين، دفنت منى إبراهيم اثنَين من أولادها، بعدما قضيا جوعاً في مخيّم للنازحين في السودان الذي تنهشه حرب أهلية منذ نحو عامَين بين الجيش وقوّات الدعم السريع. وقد شهدت هذه الأمّ السودانية البالغة من العمر 40 عاماً، التي لا حول لها، كيف انطفأت ابنتها رانيا في عامها العاشر قبل أن يهلك ابنها منتصر في شهره الثامن في مخيّم زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور غربي البلاد.

وتخشى منى اليوم تخشى على حياة ابنتها رشيدة (أربعة أعوام) التي تعاني من فقر حاد في الدم، من دون أيّ رعاية طبية. وفي تسجيل مصوّر أرسلته المرأة السودانية إلى وكالة فرانس برس، عبر تطبيق واتساب، تظهر أمام مأوى بلا سقف بالقرب من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي تحاصرها قوّات الدعم السريع منذ مايو/ أيار الماضي، وهي تقول: “أنا خائفة جداً من أن تضيع (رشيدة) منّي”، مضيفةً “نحن متروكون”. وتؤكّد “لا يتوفّر طعام ولا دواء ولا أيّ شيء”.

وتخبر منى كيف فقدت اثنَين من أولادها ضحية الجوع وقد عجزت عن مساعدتهما، لافتةً إلى أنّها لم تتمكّن إلا من “ضمّهما وهما تُحتضران”. وكانت رانيا قد لقيت حتفها بداية في المستشفى الوحيد بمدينة الفاشر الذي ما زال يقدّم خدماته، على الرغم من أنّه يعاني من نقص شديد في الطواقم والمعدّات الطبية، وقد وقع ذلك في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بعد ثلاثة أيّام من إدخالها إلى المستشفى بسبب إصابتها بإسهال حاد. وبعد بضعة أسابيع، لحقها منتصر وقد انتفخ جسده الصغير بسبب سوء تغذية حاد. وبالقرب من الصغيرة الممدّدة على فراش بلا طاقة ومقطوعة النفس، تجلس والدتها وتقول: “لا أعلم إلى أيّ حدّ يمكننا أن نصبر”.

“هذا كلّ ما لدينا” في مخيّم زمزم

وكانت حالة المجاعة قد أُعلنت في مخيّم زمزم الذي يُعَدّ أكبر مخيّمات السودان والذي أُقيم في عام 2004 ويؤوي ما بين 500 ألف شخص ومليون، وذلك استناداً إلى نظام تصنيف مدعوم من وكالات الأمم المتحدة. كذلك انتشرت المجاعة في مخيّمَين آخرَين وفي أنحاء من جبال النوبة جنوبي السودان المأزوم. لكنّ الحكومة الموالية للجيش السوداني نكرت حدوث مجاعة في البلد، في حين يعاني ملايين الأشخاص من نقص في التغذية.

في “سلام 56″، إحدى الوحدات الـ48 المكتظّة بالنازحين التي تشكّل مخيّم زمزم، تهزهز أمّهات أطفالهنّ الذين يعجزون عن المشي من شدّة الإنهاك. وتتشارك عائلات بقايا طبق فول لا مذاق له. وتقرّ راوية علي (35 عاماً) وهي أمّ لخمسة أطفال بأنّ “هذا كلّ ما لدينا”. وإلى جانبها، دلو فيه مياه عكرة من خزّان لجمع الأمطار على بعد ثلاثة كيلومترات، “تشرب منه الحيوانات ونحن كذلك”، بحسب ما تفيد.

وتؤوي وحدة “سلام 56″ في مخيّم زمزم أكثر من 700 أسرة نزحت من جرّاء حرب السودان الطاحنة التي تدور منذ نيسان/ إبريل 2023 ما بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوّات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي). ويقول المنسّق المشرف على الوحدة آدم محمود عبد الله إنّه لم يتلقَّ إلا أربع شحنات من المساعدات الغذائية منذ اندلاع الحرب، تعود آخرها إلى سبتمبر/ أيلول 2024 مع نحو عشرة أطنان من الدقيق، و”مذاك الحين، لم يصلنا شيء”. ويعكس البؤس الذي حلّ بمخيّم زمزم ضراوة هذه الحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف وهجّرت أكثر من 12 مليون شخص وتسبّبت في “أكبر أزمة إنسانية تُسجَّل على الإطلاق”، بحسب بيانات “لجنة الإغاثة الدولية” (آي آر سي).

وعلى بعد نحو 700 كيلومتر من جنوب شرقي مخيّم زمزم، لا يبدو الوضع أفضل حالاً. وأمام أحد آخر المطابخ الجماعية العاملة في مدينة ديلينغ في جنوب كردفان، تمتدّ طوابير الانتظار إلى ما لا نهاية له، بحسب ما تخبر نازك كابالو التي تدير مجموعة للدفاع عن حقوق المرأة. وفي الصور التي تشاركتها كابالو مع وكالة فرانس برس، يَظهر رجال ونساء وأطفال هزلى منتفخي البطون عظامهم ناتئة يصعب عليهم الوقوف من شدّة الإنهاك. وتؤكد أنّ بعد أيّام من دون أيّ لقمة تسدّ الرمق، “ينهار بعض منهم… في حين يتقيّأ بعض آخر عندما يحصل على بعض الطعام”.

وفي كردفان الجنوب التي كانت في ما مضى منطقة زراعية غنيّة، يتناول مزارعون بذوراً كان من المفترض بهم زرعها، أو يعمدون إلى غلي أوراق نبات. وتؤكّد كابالو: “بتنا نلحظ الجوع في مناطق من السودان لم تشهد سابقاً مجاعة”. وقد حلّ الجوع في هذا البلد الزاخر بالموارد الطبيعية، حتّى على بعد مئات الكيلومترات من المناطق التي ضربتها المجاعة. وفي القضارف، على بعد 400 كيلومتر من جنوب شرقي الخرطوم، حيث يعيش أكثر من مليون نازح، تصل عائلات بعد فرارها من المعارك الضارية، وهي في حالة يأس وتتضوّر جوعاً.

وتخبر مديرة الشؤون الإنسانية في منظمة “سايف ذا تشيلدرن” (أنقذوا الأطفال) غير الحكومية ماري لوبول وكالة فرانس برس أنّها رأت “أطفالاً شديدي الهزل تسيل أنوفهم ويعانون التهاباً في ملتحمة العين”. تضيف أنّ “الأهل يتّخذون قرارات تدمي القلوب ليحدّدوا أيّاً من أطفالهم تحتَّم عليه الموت”.

تداعيات طويلة الأمد في السودان المأزوم

في جنوب العاصمة الخرطوم، يخبر عمّال في برنامج الأغذية العالمي أنّهم رأوا أشخاصاً “جلد على عظم” يقتاتون عدساً وحبوباً مغليّة، بحسب ما تفيد المسؤولة عن التواصل في البرنامج ليني كينزلي وكالة فرانس برس. وتُبيّن المنظمات المعنية بالمساعدات الإنسانية أنّ الحرب تجعل عملها “شبه مستحيل”.

وتقرّ لوبول بأنّه “لا يمكننا بكلّ بساطة أن نحمّل الإعاشات في شاحنة وننقلها إلى المناطق المتأثّرة بالمجاعة. فحواجز العبور وقرارات الرفض وعمليات النهب من جماعات مسلّحة تحرم من هذه المساعدات من هم في أشدّ الحاجة إليها”. ومن دون تحرّك سريع، قد تعيث المجاعة خراباً في البلد، بحسب منظمات غير حكومية. وتحذّر لوبول من أنّ “أشخاصاً يموتون في الوقت الراهن، لكنّ التداعيات طويلة المدى سوف تلاحق السودان على مدى أجيال”.

(فرانس برس)

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here