السودان في مرمى ارتدادات الحرب الأهلية في إقليم تيغراي الإثيوبي

17
السودان في مرمى ارتدادات الحرب الأهلية في إقليم تيغراي الإثيوبي
السودان في مرمى ارتدادات الحرب الأهلية في إقليم تيغراي الإثيوبي

افريقيا برسالسودانوجد السودان نفسه مع اشتداد الأزمة في إقليم تيغراي الإثيوبي في موقف محرج خشية التداعيات التي قد يتحمل تكاليفها الباهظة في وقت لا تزال البلاد تحاول النهوض من كبواتها السياسية والاقتصادية، وهو ما اعتبره مراقبون تحديا يأتي في وقت غير مناسب بالمرة.

ومع احتدام الصراع بين الحكومة الفيدرالية وحكومة إقليم تيغري شمال إثيوبيا والمجاور لولاية كسلا السودانية، اضطرت الخرطوم في مرحلة أولى إلى إغلاق حدود ولايتي القضارف وكسلا حتى إشعار آخر ثم دفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى شرق البلاد، لحماية الحدود، ولمنع تدفق عناصر من الجيش الإثيوبي أو مقاتلي جبهة تحرير تيغراي إلى السودان.

ولكن يبدو أن التعزيزات السودانية لن تتمكن من محاصرة مهربي المؤونة أو حتى المتاجرين بالأسلحة في السوق السوداء وهو ما يجعل الخرطوم أمام سيناريوهات معقدة، حيث رجح أنور إبراهيم، وهو كاتب ومحلل إثيوبي أن يتأثر السودان حتى مع إغلاق حدوده لا محالة، سواء انتصرت الحكومة الفيدرالية الإثيوبية أو إقليم تيغراي.

وتطورت الأزمة مع الحكومة الفيدرالية بعد أن أجرى إقليم تيغراي انتخابات محلية في سبتمبر الماضي، متحديا حكومة آبي أحمد، التي قررت تأجيل الانتخابات على مستوى البلاد بسبب جائحة كورونا.

ويبدو ذلك مجرد قمة جبل المشكلة حيث أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي كانت تهيمن على الحياة السياسية في البلد الأفريقي لنحو ثلاثة عقود لم تستغ وصول آبي أحمد إلى السلطة عام 2018 ليصبح أول رئيس وزراء من عرقية أورومو، لتطفو الصراعات بين الطرفين منذ ذلك الوقت.

وأعلن الجيش السوداني السبت الماضي، إحباط تهريب ذخائر ومخدرات كانت في طريقها إلى إحدى دول الجوار الأفريقي، بحسب وكالة الأنباء الرسمية. وقال مصدر أمني محلي، طلب عدم نشر اسمه، للأناضول، إن الذخائر كانت في طريقها إلى إقليم تيغراي، لتغذية الصراع المسلح.

كما أشارت تقارير استخبارات إلى أن الفرقة الثانية مشاة التابعة للجيش السوداني ضبطت عربات تجرها حيوانات تحمل أكثر من 95 ألف طلقة وكمية من المخدرات، وهذه المجهودات قد تكون تمهيدا لشن حملات أكبر في الفترة المقبلة خاصة وأن أمد الأزمة في تيغراي قد يطول.

ويقول عبدالمنعم أبوإدريس، وهو خبير في شؤون القرن الأفريقي، إن آبي أحمد قطع الطريق أمام المنظمة الحكومية الأفريقية شبه إقليمية (إيغاد) لعقد قمة تفرض الوساطة مع جبهة تحرير تيغراي وهدد بالانسحاب من المنظمة رغم أن موقفه ليس قويًا على الأرض، “والحرب يمكن أن تستمر لأعوام”.

ولدى جبهة تحرير تيغراي خبرات قتالية كبيرة واستولت على رئاسة القطاع الشمالي للجيش الإثيوبي والفرقة الخامسة مدرعات، التي يقدر تسليحها بحوالي 700 دبابة، غير المركبات المدرعة، ومع ذلك يستبعد أبوإدريس أن يتورط السودان في الحرب لكن إريتريا قد تنخرط في هذا الاحتمال.

ويعتقد الخبير في الشأن الإثيوبي محمد حامد جمعة نوار أن الحسابات العسكرية معقدة في جوانبها الميدانية، نظرا لطبيعة الأرض الإثيوبية وتضاريسها، خاصة في تيغراي ومن الصعوبة عمليًا أن يحقق الجيش الفيدرالي نصرًا سريعا لأسباب أهمها قوات الأقاليم.

والسودان يعاني أصلا من أزمات سياسية رغم اتفاق السلام وأزمة اقتصادية طاحنة وهشاشة أمنية، وشرقه الممتد على الحدود الإثيوبية الإريترية لا يزال منخرطا في صراع سياسي ذو طابع قبلي.

وتحكم السودان سلطة انتقالية، حتى إجراء انتخابات في يناير 2024، وتهمين على الفترة الانتقالية حتى الآن خلافات حادة بين القوى السياسية ونقص متجدد في سلع استهلاكية أساسية.

ومن هنا يرى عبدالجليل سليمان المحلل السياسي السوداني أنه إذا اتسع نطاق الحرب الإثيوبية، فلن يكون السودان بمنأى عنها، بل سيتعرض لموجات لجوء هائلة، مع إمكانية تسرب مسلحين إليه وسيتضاعف نشاط العصابات، ما يمثل تهديدا حقيقيا ومباشرا للمزارعين السودانيين في منطقة الشفتة الحدودية الخصبة التي تتعرض لهجمات متكررة من مجموعات إثيوبية حتى قبل اندلاع الحرب.

ومن الواضح أن مخاوف الخرطوم لها ما يبررها إذ كلما ازدادت الحرب ضراوة، كلما راجت تجارة السلاح، خاصة وأن ميدان الحرب هو المثلث الحدودي بين السودان وإثيوبيا وإرتيريا أي منطقة حُمرا الإثيوبية المجاور لبلدة حمداييت السودانية وأُم حجر الإريترية.

ويتسم ميدان الحرب الراهنة بالتداخل الديمغرافي الكثيف بين الدول الثلاث، فضلا عن أهميته الاقتصادية في مجالات الزراعة وتجارة الحدود والاستراتيجية الأمنية، فهي تخوم وعرة التضاريس ومفتوحة وتصعب السيطرة عليها. وقال سليمان “إذا استمرت الحرب في ميدانها الحالي، ومع الأوضاع الهشة شرق السودان، فسيكون الحصول على السلاح متاحًا للجميع”.

وثمة مخاوف من ازدهار عمليات تهريب كبرى ستطال السلع الاستهلاكية الأساسية والوقود، فالحرب تحتاج دعمًا لوجستيًا لا يمكن توفره لإقليم تيعراي، الذي لا يملك موانئ ولا سواحل.

وقد قطعت الحكومة الفيدرالية الإثيوبية الإمدادات عن إقليم تيغراي، وإريتريا تميل إلى آبي أحمد، ولا منفذ لتمويل الحرب إلا عبر التهريب من السودان، الذي يعاني شحا في هذه السلع، ما يهدد بارتفاع جنوني لأسعارها.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here