أفريقيا برس – السودان. مما لا شك فيه أن توسع المظاهرات الرافضة للانقلاب وتواترها في السودان، التي أعقبت استقالة رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبدالله حمدوك، قد فرض واقعاً جديداً على المستوى السياسي والميداني السوداني، الذي يتسم حالياً بطابع المواجهة المفتوحة، بين المكون العسكري في المجلس السيادي، والشارع السوداني وقواه السياسية والشبابية، ومما لا شك فيه أيضاً أن المعطيات الراهنة في السودان، الناتجة عن هذه المواجهة ستفرض تأثيرها المباشر في بعض ملامح التفاعلات السياسية المستقبلية المتوقعة، وفي طبيعة التدخلات الدولية والأممية في الأزمة السودانية المتنامية.
طبعاً هذا الواقع المعقد بكلياته وجزئياته، يضع أمامنا مجموعة من ملامح التفاعلات السياسية المستقبلية المتوقعة، لعل أبرزها أن لجان المقاومة الشبابية، وتجمع المهنيين السودانيين، سيلعبان دوراً بارزاً في تشكيل المشهد السياسي المستقبلي في السودان، على اعتبار أن هذه الأطراف كانت وما زالت لاعباً أساسياً في جميع مراحل المشهد السوداني، وتملك من التأُثير والنفوذ في الشارع السوداني ما يمكنها من لعب هذا الدور.
ومن الملامح المهمة التي يمكن التوقف عندها أيضاً، هو أن مستقبل عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي – لأكثر من سنتين – قد أصبح على المحك، واحتمالية اختفائه من المشهد السياسي السوداني تزداد، على اعتبار أن هذا الرجل كان المسؤول الأول عن عرقلة عملية التحول الديمقراطي في السودان، برفضه تسليم قيادة مجلس السيادة الانتقالي إلى المكون المدني، بعد انقضاء فترة المكون العسكري، كما نص على ذلك الاتفاق السياسي الموقع بين الطرفين عام 2019.
كذلك يمكن القول إن محاولة المكون العسكري في مجلس السيادة الانتقالي، في تعيين أي شخص جديد لتولي رئاسة الوزراء بدلاً من حمدوك، ستزيد الأزمة السياسية في السودان اشتعالاً، على اعتبار أن أي سياسي يتولى حكومة بقيادة الجيش، لن يحظى بمصداقية من الشارع، في حين أنه من الصعب الحفاظ على الوضع الراهن لحين إجراء الانتخابات عام 2023، في ظل الانسداد السياسي، وانعدام للثقة وغياب المرجعيات الدستورية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وسقوط المزيد من القتلى، نتيجة الإفراط في استخدام العنف ضد المتظاهرين.
في ضوء هذه الملامح وغيرها، يمكن القول إن محاولة إيجاد حل للأزمة السياسية السودانية تكتنفه معضلتان أساسيتان، تتعلق الأولى بانقسامات المكون المدني، وصراعاته وغياب الرؤية المستقبلية لدى قواه، وهذا الأمر بدا واضحاً في كثير من المواضع، التي أعقبت انقلاب البرهان على الوثيقة الدستورية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وتتعلق الثانية بتمسك المكون العسكري بموقعه في السلطة، وتضامنه وسعيه إلى تعميق انقسامات المكون المدني، فتحركات المكون العسكري بدءاً من اللحظات الأولى للإطاحة بنظام عمر البشير، وحتى الوقت الراهن، لا يمكن فصلها في أي شكل عن الأشكال عن السياق التاريخي السوداني المعاصر، الذي يُظهر خضوع السودان منذ استقلاله عام 1956 حتى سقوط نظام البشير عام 2019 لـ55 عاماً، لحكم العسكر عبر ثلاثة انقلابات ناجحة (النميري وعبود والبشير) مقابل 7 سنوات فقط من الحُكم المدني.
لذا، من المتوقع أن يلجأ المكون العسكري في مجلس السيادة، وفي سبيل استغلال هذا الوضع إلى خيارين اثنين، الأول اللعب على موضوع انقسام القوى
السياسية المدنية وتشتتها لصالحه، في اتصالاته مع المجتمع الدولي، لاسيما وأن هذه القوى لم تتمكن من التوصل إلى إجماع سياسي على طرح ميثاق سياسي واحد حيال تحديات الأزمة السودانية، في وقت أن المبادرة التي أعلنت عنها بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان «يونيتامس» بقيادة فولكر بيرتيس تعترف بالمكون العسكري، بوصفه طرفاً رئيسياً في المفاوضات، مقابل مجاميع القوى المدنية غير المتفقة حتى الآن، الأمر الذي قد يفتح المجال واسعاً لتقبل المجتمع الدولي بقاء المكون العسكري في قيادة مجلس السيادة الانتقالي لحين انتهاء الفترة الانتقالية، بحجة الحفاظ على الاستقرار في السودان، والثاني الاستثمار في هذا الانقسام وزيادته، مع الرهان على تعب الشارع وتململه، والاستمرار في استخدام القوة والحل الأمني لترهيبه، مع محاولة اختيار شخصية مدنية من قوى المعارضة لتولي منصب رئيس الوزراء بدلاً من عبدالله حمدوك، في ظل وجود بعض القوى المدنية التي لديها استعداد للتعاون مع المكون العسكري، والقبول بصيغة الحكم المشتركة، وهنا يرى العديد من المتابعين أن قرار مجلس الدفاع والأمن القومي السوداني، بتشكيل قوة خاصة لمكافحة «الإرهاب» ومجابهة التهديدات المحتملة، هو أحد المؤشرات على إصرار المكون العسكري على الاستمرار في تعامله الأمني مع تعقيدات المشهد السوداني خلال الفترة المقبلة وصولاً لهدفه المنشود.
في سياق ما سبق، يبدو أن ملامح التفاعلات السياسية المستقبلية المتوقعة في السودان، ستكون مفتوحة على الاحتمالات والسيناريوهات كافة، خصوصاً بعد تسارع الأحداث التي أعقبت مقتل سبعة متظاهرين خلال مليونية الاثنين الماضي، وإعلان قوى ثورية وتجمعات مهنية الدخول في عصيان مدني لمدة يومين، كإجراء تصعيدي جديد، اعتراضاً على الإفراط في استخدام العنف ضد المواطنين من قبل القوى الأمنية والعسكرية، الأمر الذي يدفع للتأكيد مجدداً على أن لجان المقاومة الشبابية، والتجمعات المهنية ستكون اللاعب الأبرز حضوراً وتأثيراً في كل الاحتمالات والسيناريوهات المتوقعة، وستُشكل نقطة التوازن الحرجة فيها، على اعتبار أنه يقع على عاتقها حالياً جزء مهم من عبء تشكيل المشهد السياسي المستقبلي في السودان، بعد تضاؤل فرص نجاح المبادرة الأممية، التي أصبحت غير مقبولة من قبل قطاعات شعبية عريضة، رافضة لمبدأ الحوار مع المكون العسكري بعد تغوله في استخدام القوة والعنف ضد المتظاهرين، وسقوط العديد منهم خلال الأيام القليلة الماضية.
بشار نرش، كاتب سوري
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس