السودان: 100 يوم من الحرب والخراب

12
السودان: 100 يوم من الحرب والخراب
السودان: 100 يوم من الحرب والخراب

أفريقيا برس – السودان. مائة يوم، بالتمام والكمال، هو عمر الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. ولعل أكثر من أعطاها توصيفاً حقيقياً هو قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان في أول أيامها حينما قال إنها حرب عبثية.

بدأت الحرب في 15 إبريل/نيسان الماضي في العاصمة الخرطوم، وتحديداً من أرض المعسكرات التابعة لقوات الدعم السريع، التي تقع بالقرب من المدينة الرياضية، جنوبي الخرطوم. وسرعان ما امتدت في دقائق إلى داخل قيادة الجيش والقصر الرئاسي، ومطار الخرطوم الدولي ومطار مدينة مروي، شمالي السودان، ومدن العاصمة الثلاث، الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان.

وفي أيام معدودة، وصلت الحرب إلى خمس ولايات في دارفور وكردفان، وتأثرت بها حدود ولايات الجزيرة، وسط السودان، وهي من الولايات المتاخمة لولايات الخرطوم من الاتجاه الشرقي الجنوبي.

في الخرطوم، سيطرت قوات الدعم السريع على مواقع استراتيجية، بعضها كانت موجودة فيه أصلاً قبل اندلاع الحرب، مثل القصر الرئاسي بالخرطوم، ومقر الهيئة الحكومية للإذاعة والتلفزيون بمدينة أم درمان.

وحاولت “الدعم” منذ الساعات الأولى من الحرب الاستيلاء على مقر قيادة الجيش، وهاجمت مقر إقامة البرهان، فدافع عنه حرسه الخاص وقتل منهم أكثر من 30 فرداً. ولاحقاً، سيطرت “الدعم” على مقار مهمة، مثل مصفاة الجيلي ومصنع اليرموك وقيادة الدفاع الجوي، ومركز الاحتياطي المركزي التابع لقوات الشرطة. ونشرت نقاط تفتيش وارتكازات في أكثر من 80 بالمائة من العاصمة، عدا سيطرتها على معظم الكباري والجسور، ومداخل العاصمة.

إحصاءات أولية: مقتل 3 آلاف مدني في الخرطوم و5 آلاف في الجنينة

في المقابل، دافع الجيش عن مقار أخرى، ويقول إنه أفشل، رغم كل ما فعلته قوات الدعم السريع، مخطط الاستيلاء كلياً على السلطة. ويراهن الجيش على عوامل قوة لديه، من بينها التفوق الجوي، وعلى الدعم الشعبي الذي يقول إنه وجده بعد دعوته المواطنين لحمل السلاح للقتال إلى جانبه.

خارج الخرطوم، دارت معارك طاحنة وشرسة خلال المائة يوم في أكثر من مدينة، مثل الفاشر والأبيّض والجنينة ونيالا وزالنجي وكتم. وتدخل زعماء القبائل هناك، أكثر من مرة، لإبرام هدن متفرقة، أتت أؤكلها في بعض المرات ثم انهارت بعد ذلك.

تأثر المدنيين جراء الحرب

العنوان الأبرز في الحرب هو تأثر المدنيين والمؤسسات الخدمية، لا سيما الصحية، حيث خرجت في وقت من الأوقات غالبية المستشفيات في الخرطوم عن الخدمة.

وليست هناك إحصاءات دقيقة عن أعداد القتلى من الطرفين، ولا من المدنيين، لكن المؤكد، وحسب الإحصاءات الأولية، أنّ ما لا يقل عن 3 آلاف مدني قتلوا في الخرطوم وأكثر من 5 آلاف في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، التي تقول منظمات دولية إنها شهدت، في الأسابيع الأولى من الحرب، جريمة إبادة جماعية ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق قبيلة المساليت، المستوطنة لمئات السنين في الولاية المجاورة لدولة تشاد.

وفي سياق التأثر المدني بالحرب، فإن ملايين السودانيين هجروا منازلهم في الخرطوم وبقية المدن، وتحولوا إلى نازحين في الولايات الآمنة، أو لجأوا إلى دول الجوار، مثل مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان.

وتُتَهم قوات الدعم السريع بطرد المواطنين من منازلهم، لاستخدامها سكناً لمقاتليها، أو مراكز عسكرية، خصوصاً بعد أن دمر سلاح الطيران العديد من معسكراتها. كما دمرت الحرب الكثير من المؤسسات الخدمية والمقار الحكومية، وتأثرت خدمات المياه والكهرباء.

ندى أبوسن، وهي واحدة من المتضررين من الحرب في الخرطوم، روت، لـ”العربي الجديد”، معاناتها مع الحرب، قائلة إنها مثلها مثل كل القاطنين بولاية الخرطوم الذين تنوعت خسائرهم في هذه الحرب، وإن كان القاسم المشترك لمعظم الناس هو فقدان الوظيفة والأعمال الخاصة، وتوقف مصادر الدخل ومواجهة معاناة النزوح ومغادرة المنازل بكل محتوياتها، وهي تمثل للكل حصاد سنوات طويلة من الجهد والكفاح.

وأشارت أبوسن إلى أنها، خلال رحلة النزوح، اضطرت، في أيام الحرب الأولى، للذهاب إلى ولاية الجزيرة وسط السودان. وقالت: بقيت في منزل أختي، أحاول التأقلم مع الوضع الجديد وأستوعب هول الصدمة، وما ترتب على الحرب من مستجدات جراء فقداننا أعمالنا وممتلكاتنا.

عصام دكين: لا أعتقد أن الحرب ستنتهي في الوقت القريب

وتابعت: بعدها فكرت في اللجوء إلى مصر، بعد أن تدهورت حالتي الصحية، الأمر الذي استغرق وقتاً طويلاً جداً، نظراً للتعقيدات التي ترتبت على السفر بسبب الحرب، وتوقف خطوط الطيران العالمية، واقتصارها على الطيران المحلي، وتحول المطار إلى بورتسودان، التي عانيت فيها، كغيري من النازحين إليها، إلى أن تمكنت من المغادرة بعد أكثر من 20 يوماً، وتركت أبنائي وزوجي خلفي لصعوبة حصولهم على تأشيرة، وارتباطهم ببعض الأمور في السودان على أمل اللحاق بي.

وأوضحت: في 26 يونيو/حزيران، فقدت الاتصال بزوجي من دون مقدمات، لأكتشف لاحقاً أنه معتقل من قبل قوات الدعم السريع. وبرأي أبوسن، فإن الحل لأزمة الحرب يجب أن يستوعب كل المتضررين، بما في ذلك المدنيين، مشيرة إلى أن الحل يكمن في العودة إلى الاتفاق الإطاري الذي تقول إنها عارضته في السابق “لكني أقبله الآن بشرط أن تأتي حكومة كفاءات شبابية مستقلة”.

طرفا القتال يؤكدان تحقيق انتصارات

ورغم كل تلك الخسائر وغيرها، فإن طرفا القتال يؤكدان أنهما حققا انتصارات، ويزعمان قدرتهما على حسم المعركة. اللواء المتقاعد صلاح عيساوي، وهو خبير عسكري وقريب من دوائر “الدعم السريع”، قال، لـ”العربي الجديد”، إن الأخيرة أول ما حققته من أهداف هو “قصقصة أجنحة الجيش تماماً، وانتصرت عليه على الأرض بالعاصمة والولايات الغربية، وأحكمت قبضتها على سرداب داخل قيادة الجيش يوجد فيه البرهان نفسه، وتحاصر سلاح المدرعات وكذلك سلاح المهندسين، وهاجمت قاعدة وادي سيدنا الجوية، وأربكت خدمات المطار العملياتية، وتحكمت في التصنيع الحربي، واستولت على عتاد الدفاع الجوي بحجر العسل”.

ووفقاً لعيساوي، فإن قوات الدعم السريع “استطاعت القضاء على كل متحركات الجيش التي دخلت الخرطوم، وأوقفت تدفقات الحشود العسكرية والمليشيات من الولايات، واستطاعت إسقاط عدد كبير من الطائرات الحربية، ما حد من نشاط سلاح الجو السوداني، كما أسرت أكثر من 5 آلاف”، وفقاً لقوله.

وأشار إلى أن طلب الجيش مفاوضات جدة يدل على اعترافه بالهزيمة، مؤكداً أن مفاوضات جدة يجب أن تخرج باتفاق ينفذ بنود وشروط الاتفاق الإطاري الموقع نهاية العام الماضي لإنهاء الأزمة السياسية وتسليم السلطة للمدنيين، وإن لم تصل المفاوضات إلى ذلك فسوف يستمر القتال.

الجيش “حقق انتصاراً باهراً”

لكن الخبير الاستراتيجي عصام دكين رأى أن الجيش حقق “انتصاراً باهراً” بعد مائة يوم من الحرب، مشيراً إلى أن الجميع كان يتوقع أن تنتهي الحرب خلال الأسابيع الأولى أو الأشهر الأولى، وتعود الحياة إلى مجراها الطبيعي، لكن وجود “الدعم السريع” وتقاسم المواقع بينه وبين قوات الجيش هو الذي أدى إلى تأخير إنهاء الحرب.

وأضاف: “لا أعتقد أنها سوف تنتهي من الناحية العسكرية في الوقت القريب”. وأوضح أن الجيش دمر وعطل أكثر من 80 بالمائة من قوة “الدعم” من معسكرات ومعدات وآليات حرب، وتفوق عليها تماماً، ولم يتبق إلا جيوب لقوات الدعم السريع كأفراد يحملون أسلحة الكلاشنكوف ويتجولون في الأحياء السكنية.

وبرأيه، فإن هذا المشهد المرعب جداً للمواطنين يعطي إحساساً بأن الجيش لم يستطع حسم المعركة، لكن المعركة في تقديري حسمت، وما تبقى قوة خارج الإطار التنظيمي لقوات الدعم السريع، يمكن أن نسميها متفلتين مع بعض قوات “الدعم”. وأكد أن خيار الحسم السريع للمعركة غير متاح للجيش السوداني لوجود تعقيدات اجتماعية أخرى، “لكن الجيش مسيطر تماماً، لكن لا يستطيع إعلان نهاية العمليات العسكرية ما لم يقض على كل التفلتات الأمنية”.

وأضاف دكين أن الأسلم لكل السودانيين هو دخول الطرفين في عملية تفاوضية تضمن سلامة خروج قوات الدعم السريع من المنازل والمرافق العامة ودمج أفرادها في الحياة العامة من دون أن يخرجوا بعد هزيمتهم بأسلحتهم، لأن ذلك يعني حرباً أخرى، ولو بعد سنوات.

وشدد على أن الحل المطلوب هو الحل الشامل والعادل، الذي يجب أن يتضمن دمج ما تبقى من قوات الدعم السريع في الجيش، وجبر ضرر الذين تضرروا من انتهاكاتها، ومصالحة وطنية شاملة تشترك فيها القوات المسلحة والحركات المسلحة للوصول إلى جيش قومي.

الحرب أفرزت انقسامات ضخمة

وبعد مائة يوم من الحرب، لا تزال قوى سياسية مدنية، على رأسها قوى إعلان الحرية والتغيير، تراهن على ما طرحته في السابق من حلول لإنهاء الحرب والعودة إلى المسارات السياسية، مؤكدة أن اندلاع الحرب وما تركته من آثار وما سببته من مآس تمثل قوة دفع إضافية لأهمية الحل السياسي.

القيادي في “الحرية والتغيير” العضو السابق بمجلس السيادة محمد الفكي سليمان قال، لـ”العربي الجديد”، إن الحرب أفرزت واقعاً مريراً، في بلد يواجه أصلاً مشكلات اقتصادية كبيرة، وفيه انقسامات سياسية واجتماعية ضخمة، وهذا فاقم من معاناة الناس بصورة كبيرة جداً خلال حرب قوية وشرسة، دمرت البنية التحتية الضعيفة، وفقدنا فيها عدداً كبيراً من المواطنين الذين لا ذنب لهم، وآخرين تعطلت حياتهم تماماً، وأغلقت المشافي.

محمد سليمان: الحرب خلقت حالة اصطفاف سياسي بين المدنيين

وأضاف سليمان أن الحرب خلقت حالة اصطفاف سياسي بين المدنيين وفقاً لخطاب الشحن الموجه، وهذا يخلق حالة أكثر صعوبة في المرحلة القادمة. وبرأيه أن “هناك اتفاقاً بين معظم السودانيين، ما عدا فلول النظام السابق من الإخوان المسلمين، من أجل إنهاء تلك الحرب وبسرعة”.

وبيّن أنّ وفداً من “الحرية والتغيير” شعر أيضاً خلال جولته الخارجية بأن كل دول العالم، خصوصاً دول الجوار، لديها تخوفات كبيرة جداً من حرب السودان، ولديها علم بأهمية البلد ومركزيته وأهمية استقراره، لأنه يلقي بظلاله على كل الإقليم.

وفيما أكد أهمية إنهاء الحرب فوراً، قال: “نحن نراهن جداً على منبر جدة التفاوضي وعلى الدور الكبير الذي تقوم به السعودية وأميركا، وشركاؤهما من الاتحاد (الأفريقي) والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، للعمل بعضهم مع بعض لوقف إطلاق نار في المرحلة الأولى وفتح المسارات الإنسانية، ثم تتالي العملية السياسية في المرحلة القادمة بمشاركة المدنيين”.

وأوضح أن “الحرية والتغيير” تعمل وتسعى لتوحيد الجبهة المدنية وضم مزيد من المؤمنين بالديمقراطية لترتيب المرحلة المقبلة لاستعادة المسار السياسي والمدني.

لكن الناشط الحقوقي المحامي المعز حضرة لا يرى استعادة المسار السياسي المدني كافياً ما لم تكن معه نصوص وبرامج تضمن عدم إفلات الذين انتهكوا حقوق الإنسان من العقاب.

وقال حضرة، لـ”العربي الجديد”، إن المدنيين وحدهم من يدفعون فاتورة الحرب، “لأن أمراء الحرب أخرجوا مبكراً أسرهم من الخرطوم، في حين يفقد السودانيون أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم، ولا بد من ملاحقة من تسبب في الأضرار من الطرفين، وإلا لن تقوم للسودان قائمة، لأن الإفلات من العقاب، وعدم معاقبة المجرمين هو الذي جعل الحروب تستمر من قبل في دارفور وتنتقل الآن إلى الخرطوم”.

ولفت إلى أن “العدالة لن تنفذ إلا في حالة وجود دولة مدنية قوية بوجود جيش قوي، وتجرى إعادة تأسيس الدولة السودانية بمؤسساتها قبل 30 يونيو/حزيران 1989، التاريخ الذي استلم فيه نظام الرئيس عمر البشير السلطة عبر انقلاب عسكري”.

“الإسلاميون” هو مصطلح يشار به إلى النظام السابق والتيارات ذات التوجهات الإسلامية التي أظهرت دعماً منقطع النظير للجيش السوداني في حرب المائة يوم حتى الآن. وانضم كثير منهم للقتال بجانب الجيش، وهذا ما وضعهم موضع اتهام بالرغبة في انتهاز الحرب للعودة إلى السلطة والانتقام من خصومهم.

حيال ذلك، قال رئيس منبر السلام العادل محمد أبو زيد كروم، لـ”العربي الجديد”، إن “هدف قيادة الدعم السريع من حربها هو الوصول إلى السلطة عبر انقلاب 15 إبريل، وكان تقديرهم لتنفيذ هذه المهمة حوالي ست ساعات من واقع جاهزيتهم لهذا الهدف المدبر له منذ مدة”.

وأضاف: “الآن بعد مائة يوم، لم تصل الدعم السريع إلى شيء من أهدافها، وتشتتت قواتها ولا يعرف مصير قياداتها وأصبحت بين قتيل وهارب ومفقود، وافتقدت القوة لمشروعها الذي طرحته أخيراً كحامٍ للمواطن ومدافع عن الحريات”.

وبرأيه، فإن “إقحام الإسلاميين في الحرب هو مجرد ورقة أرادت بها المليشيا مخاطبة الداخل من مؤيدي الثورة، وهي في ذاكرتها ثورة ديسمبر (كانون الأول 2018)، وتستخدم هذا كبضاعة للتسويق وفشلت في ذلك لوعي الشعب، وتستخدم ذلك أيضاً للخارج تحت فزاعة الإسلاميين والإرهاب، وهي أيضاً بضاعة أثبتت أنها كاسدة”.

وأضاف كروم أن الاسلاميين لم يطلبوا من قائد “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو (حميدتي) استعداء الجيش أو المجاهرة بمواجهته، وتبني موقف قوى الحرية والتغيير وحصار مطار مروي.

ولفت إلى أن “الإسلاميين لو كان لهم ضلع في هذه الحرب، فهذا يعني أنهم حرضوا حميدتي وليس الجيش من واقع الأسباب أعلاها التي مهدها الدعم السريع لبدء الحرب”. وقال إن “الإسلاميين مثلهم مثل الشعب السوداني تأذوا من أفعال المليشيا وإجرامها، وسيقومون بدورهم كاملاً في الدفاع عن أرضهم وعرضهم مساندة للجيش، كبقية السودانيين، ولن تستطيع جهة منعهم من هذا الدور”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here