أفريقيا برس – السودان. تخيل أن ضوء الشمس وحده يمكنه أن يفكك الهيدروجين ويحول غاز ثاني أكسيد الكربون إلى مواد كيميائية أساسية مثل الإيثان والإيثيلين، دون الحاجة إلى حرارة هائلة أو ضغوط خطرة.
لم يعد هذا خيالا علميا، بل حقيقة توصل إليها فريق بحثي في دراسة نشرت يوم 4 سبتمبر/أيلول الجاري في مجلة ساينس، تفتح الباب أمام استخدام أكثر أمانا وكفاءة للهيدروجين في إنتاج مواد كيميائية عالية القيمة مثل الإيثان والإيثيلين.
ويعتبر الهيدروجين نجم الصناعة الكيميائية، إذ إن ربع العمليات الصناعية تقريبا تحتاج إلى خطوة “هدرجة”، أي إضافة الهيدروجين إلى جزيئات أخرى، لكن العقبة الكبرى كانت دائما في كيفية تفكيك جزيء الهيدروجين نفسه.
وتتطلب الطرق التقليدية حرارة وضغطا عاليا، مما يستهلك طاقة ضخمة ويزيد المخاطر، لكن في الدراسة الجديدة اكتشف فريق من الأكاديمية الصينية للعلوم وجامعة ترييستي الإيطالية أن الضوء يمكن أن يقوم بالمهمة في ظروف طبيعية تماما.
كيف يعمل الضوء؟
يشير قائد الفريق البحثي “وانغ فنغ” أستاذ الكيمياء في معهد داليان للفيزياء الكيميائية بالأكاديمية الصينية للعلوم، في تصريحات للجزيرة نت إلى أن الفريق استخدم محفزا بسيطا، وهو عبارة عن ذرات ذهب مثبتة على ثاني أكسيد التيتانيوم.
ويضيف “عند تعريضه للضوء فوق البنفسجي، تتحرك الإلكترونات نحو جسيمات الذهب، في حين تُحتجز الفجوات الإلكترونية عند نقاط معينة على السطح. هذا التوزيع الذكي للإلكترونات والفجوات يتيح كسر الهيدروجين بشكل غير متماثل، منتجا جزيئات مشحونة عالية النشاط”.
ويقول وانغ “إن الأهم أن معدل التفاعل ارتفع مع زيادة شدة الضوء”، مما يؤكد أن الآلية تعتمد بالكامل على الطاقة الضوئية.
ويضيف وانغ أن الأمر لم يقف عند تفكيك الهيدروجين، وإنما استخدم الفريق الهيدروجين الناتج لتقليل ثاني أكسيد الكربون، الغاز المتهم الأول في قضية تغير المناخ، وكانت النتيجة إنتاج الإيثان بكفاءة عالية في درجة حرارة الغرفة.
وبخطوة إضافية، تمكن الباحثون من تحويل الإيثان إلى إيثيلين، وهو أحد أهم المواد الخام في صناعة البلاستيك، بنسبة نقاء تجاوزت 99% على مدى 1500 ساعة من الإشعاع المستمر.
ثورة محتملة في الصناعة
ورغم أن التجارب بدأت باستخدام ضوء فوق بنفسجي، فإن الفريق أثبت أن التقنية تعمل أيضا مع محفزات تستجيب للضوء المرئي. بل إن تجربة أولية باستخدام ضوء الشمس المباشر حققت نجاحا لافتا بتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى إيثان بنسبة وصلت إلى 90%.
ويوضح وانغ “يقدم هذا العمل طريقا جديدا لإنتاج مواد كيميائية مهمة من الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون في ظروف طبيعية. نحن لا نوفر فقط من استهلاك الطاقة، بل نفتح الباب أمام تقنيات قادرة على خفض الانبعاثات الكربونية بشكل ملموس. طموحنا أن تتحول هذه الإستراتيجية إلى تقنيات صناعية واسعة النطاق تعمل بضوء الشمس”.
ووفقا للباحث، فإن هذا الإنجاز يحمل وعدين كبيرين، أولها تخفيض كلفة الطاقة، وثانيهما تقليص انبعاثات الكربون. ويعتقد المؤلف الرئيسي للدراسة أنه إذا تم تطوير التقنية وتوسيعها، فقد تعيد رسم ملامح الصناعات الكيميائية، وتجعلها أقل اعتمادا على الوقود الأحفوري وأكثر توافقا مع أهداف الاستدامة.
لكن الباحث يلفت إلى أن التحديات لا تزال قائمة، ومن بينها رفع كفاءة استغلال ضوء الشمس وخفض تكاليف المحفزات، لكن ما تحقق حتى الآن يثبت أن ضوء الشمس قد يكون بالفعل الوقود السحري لصناعة المستقبل.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس