أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. في الوقت الذي يشن فيه الجيش السوداني هجومًا عنيفًا على تجمعات قوات الدعم السريع في الخرطوم، تظل مفاوضات السلام بين الأطراف المتنازعة يكتنفها الغموض. العمليات العسكرية تستمر بقوة.
ويرى مراقبون أن الجيش السوداني سيحقق السلام عبر الحسم العسكري، وذلك من خلال إجبار قوات الدعم السريع على الانسحاب من منازل المواطنين بالقوة. في المقابل، يتوقع آخرون أن تعلن قوات الدعم السريع التزامها بتنفيذ مخرجات اتفاق جدة، خاصة مع استمرار الهجوم الشديد الذي تشنه قوات الجيش السوداني ضد مواقعها. هذه التوقعات تعكس تباينًا في الآراء حول المسار الذي ستأخذه الأحداث في ظل تصاعد العمليات العسكرية، بينما يبقى مصير المحادثات غير واضح، مما يزيد من تعقيد الوضع في البلاد.
قوة جبرية
لا يرى خبير الحوكمة عبد الله الطيب علي الياس أن “مليشيات أولاد دقلو الإرهابية تملك حاليًا المساحة الكافية للإعلان عن رغبتها في تنفيذ إعلان جدة، خاصة بعد الهجوم الكاسح الذي تشنه القوات المسلحة السودانية على أماكن تجمعاتها”. وأشار إلى أن “هذه المليشيات لم توقع على إعلان جدة في الأساس من أجل تنفيذه، مما يزيد من عدم مصداقية أي التزامات قد تعلنها فيما بعد”.
وقال الياس لموقع “أفريقيا برس” إن “الجيش السوداني اختار أن يفرض إعلان جدة على مليشيات الدعم السريع بالقوة الجبرية”، مشيرًا إلى أن “النتيجة ستكون واحدة سواء قبلت المليشيات بتنفيذ الإعلان أو تم فرضه عليها بالقوة”. وأضاف أن “هذا سيؤدي في النهاية إلى الاختفاء التام للمليشيات من الحياة السياسية والعسكرية في السودان، وإلى الأبد”.
يرى الياس أن “المواقف السياسية والعسكرية لمليشيات أولاد دقلو وجناحها السياسي “تقدم”، يؤكد أن السبيل الوحيد لتحقيق السلام في السودان هو من خلال انتصار عسكري ساحق على المليشيا وحلفائها. يشمل هؤلاء العملاء المحليين والداعمين الإقليميين والدوليين، الذين يدعمون المليشيات في مجلس الأمن والمنابر الدولية”. وأضاف “السودان لن يستعيد هويته واستقراره الكاملين إلا إذا حقق الجيش السوداني هذا الانتصار الحاسم”، الذي يعتبره الياس ضروريًا لضمان مستقبل البلاد.
مقابض السيوف
وليس بعيدًا عن الحديث السابق، يتوقع الكاتب الصحفي ضرغام أبو زيد أن السلام سيأتي عبر “ألسنة الرماح ومقابض السيوف”، مشيرًا إلى أن “اتفاق جدة الذي كان يهدف إلى تحقيق السكينة والسلام، قد انتهى إلى الفشل ومزبلة التاريخ”. وأضاف أبو زيد بأن “قادة المليشيات رأوا في اتفاق جدة نهاية لحركتهم بطعم “السكر”، وهم يكرهون السكر ويرفضون السلام”.
وقال أبو زيد لموقع “أفريقيا برس” إن “إتفاقية سلام جدة كانت على الأقل ستضمن سلامة قادة الدعم السريع من النهاية المأساوية التي تواجههم الآن”، مشيرًا إلى أن “المقصلة الأبشع قد نُصبت لهم في كل ميادين وساحات الوطن، في إشارة إلى الهجوم العنيف الذي يشنه الجيش السوداني”.
وتابع أبو زيد “الزمن قد دار دورة غير مسبوقة، خلق واقعًا جديدًا لا مفر منه. هذا الواقع يتلخص في حتمية الموت لقوات الدعم السريع، سواء كانوا مدبرين أو مقبلين، أو السحق بنار الجيش الذي قرر مع قواته المشتركة والمستنفرين، وبمساندة الشعب الذي أعلن موقفه الواضح: “الموت أو الفناء”. وأكد أن “كلا الخيارين مرير، كما لو أن كل كلمة عنهم في الألسنة مثل العلقم، مما يعكس الغضب الشعبي والإصرار على إزاحة هذه القوات بأي ثمن”.
وأردف أبو زيد “إنهم سيقبلون باتفاق جدة الجديد بعد أن انتهى عهد جدة القديم”. لكنه أشار إلى أن “غياب الحكمة عنهم يجعل النهاية حتمية وحزينة، وإن كانت لديهم القدرة على الشعور بالحزن بعد أن تبلدت أحاسيسهم”. وأوضح أن “أفعالهم من القتل والسرقة والاغتصاب، وافتخارهم بهذه الجرائم، جعلتهم غير قادرين على إدراك قيمة العواقب التي يواجهونها”.
أوراق ضغط
لكن الناطق الرسمي باسم التحالف السوداني، محمد السماني، لديه وجهة نظر مختلفة. فقد صرح لموقع “أفريقيا برس” بأن “الموقف الرسمي لحكومة السودان منذ العام الماضي، ولا يزال كذلك، هو ضرورة خروج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين”. وأضاف السماني “الحكومة قد توافق على مخرجات اتفاق جدة إذا التزمت قوات الدعم السريع بها، حتى في ظل استمرار الهجمات المتكررة من الجيش”.
وتابع السماني قائلاً “جميع النصوص الواردة في إعلان جدة تتطابق مع نصوص اتفاقية جنيف لحقوق الإنسان”. وأكد بالقول “إذا التزمت قوات الدعم السريع بتنفيذ مخرجات إعلان جدة، فإن الحرب في السودان قد تنتهي، مع مراعاة تجميع ما تبقى من الميليشيات في مناطق محددة”.
ويرى السماني أن “عدم التزام قوات الدعم السريع بمخرجات إعلان جدة هو محاولة لكسب أوراق ضغط خلال الفترة السابقة، من خلال الانتشار الذي حققته في ولايتي الجزيرة وسنار بهدف تعزيز موقفها التفاوضي”. لكنه السماني أشار إلى أن “جميع هذه المحاولات الداخلية والخارجية باءت بالفشل، نتيجة الفظائع التي ارتكبتها هذه القوات ضد الشعب السوداني والدولة، مما أدى إلى فقدان أي فرصة لتحقيق مكاسب من خلال التفاوض”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس