أفريقيا برس – السودان. في ليالي الشتاء الصافية، ومع اقتراب منتصف الليل، تتقدم كوكبة الجبار بهدوء حتى تبدو كأنها تحتل قلب السماء.
الكوكبة هي مجموعة نجوم تبدو لنا من الأرض كأنها ترسم شكلا معينا في السماء، رغم أن نجومها غالبا ليست قريبة من بعضها فعليا.
حينما كنا أطفالا مارسنا تلك اللعبة كثيرا، فرسمنا بالنجوم كلبا وقطة وسيارة وأول حروف اسمنا، العلماء يقسمون السماء كذلك لمجموعة من الأشكال، كل منها يضم مجموعة من النجوم، لهذه الرسوم أصول تاريخية، واستخدمها العلماء لأنها تسهل تقسيم وتحديد الخرائط السماوية.
لا تحتاج إلى تلسكوب كي تميز كوكبة الجبار، فهناك 3 نجوم مصطفة في خط مستقيم تصنع ما يسمى “حزام الجبار. وبهذا الحضور البصري الواضح، تصبح الكوكبة نقطة ارتكاز طبيعية لعين الراصد، كأن السماء نفسها اختارت لها دور المركز في فصل البرد”.
لكن هذا “المركز” ليس مركزا حقيقيا بالمعنى الفلكي، بل نتيجة هندسة بسيطة تتعلق بدوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، والذي يبدل مشاهدنا الموسمية للنجوم، فيأتي وقت من السنة يصبح فيه اتجاه منتصف الليل مواجها لقطاع من درب التبانة يمر قرب كوكبة الجبار.
وما نراه على شكل صورة لرجل صياد في السماء ليس جسما واحدا، بل إنه تجاور نجوم على مسافات شاسعة، بعضها عملاق فائق يقترب من نهاية عمره، وبعضها فتى يتخلق داخل سحب غازية. علم الفلك هنا يذكرنا بأن اللوحة ثابتة ظاهريا، لكنها في الحقيقة مسرح زمني عميق.
ومن هذه المفارقة بالتحديد تولد الأسطورة، فعقل الإنسان يميل الى تنظيم الفوضى ورسم أشكال مألوفة من نقاط الضوء، ثم ينسج حولها حكاية تعطيها اسما ومعنى وذاكرة.
كوكبة الجبار مثال نموذجي على ذلك، فهي كوكبة من النجوم سهلة القراءة بالعين المجردة، تقف في سماء الشتاء كعلامة طريق، فصارت وعاء رمزيا تتقاسمه ثقافات عديدة، كل منها قرأ نجومها بطريقته وربطها بصياد أو بطل، أو ربما “بطلة”.
بين الأساطير
في الأسطورة اليونانية والرومانية كان “أوريون” صيادا بارعا، تبدأ قصته حينما وقع في حب “ميروبي” ابنة الملك أونوبيون، لكن الأخير لم يكن يحبه وأراد أن تتزوج ابنته من شخص آخر، غير أنه خشي أن يقتله أوريون إذا رفض.
وهنا لجأ الملك لحيلة ذكية، فقال إنه سيوافق على الزواج بشرط أن يتخلص أوريون من كل الوحوش البرية في جزيرته، وهذه مهمة مستحيلة، لكن ليس بالنسبة لصياد ماهر مثل أوريون، الذي أكمل مهمته بنجاح، وحينما عاد قال الملك أنه لا تزال هناك بعض الوحوش المتخفية التي لم يصل أوريون إليها.
حينها، عرف أوريون -حسب الأسطورة- أنه كان ضحية خدعة، فشرب كثيرا من النبيذ، وفي أثناء سكره اختطف ميروبي، فغضب الملك وابتكر حيلة جديدة تمكن خلالها من اقتلاع عيون أوريون وألقاه على شاطئ البحر، وسافر أوريون بعد ذلك إلى الشرق كي يواجه شروق الشمس الذي يعيد الأبصار، في هذه الرحلة التقى ديانا إلهة القمر في الأسطورة، فوقع في حبها ووقعت في حبه، لدرجة أنها أهملت عملها، الأمر الذي أغضب أبولو فأقنع ملوك الأرض بإرسال عقرب عملاق لتحدي أوريون.
كانت معركة أسطورية لدرجة أنها لفتت انتباه زيوس ملك الآلهة، حسب الأسطورة، فقام برفع كلا المقاتلين إلى السماء ليكون بمثابة تذكير للبشر لكبح كبريائهم المفرط. وحسب الأسطورة، فإن كلا من العقرب والجبار قد وُضعا في مكانين متقابلين في السماء، لأنهما يكرهان بعضهما بعضا، العقرب يظهر في الصيف وأوريون في الشتاء.
تنوع بديع
أما في الأسطورة العربية، فإن الحكاية لا تحتوي على أي صيادين، بل تتحدث عن فتاة، والواقع أن الفتيات سيطرن على الكوكبات الرئيسية في السماء العربية، وبشكل خاص نتحدث عن بنات نعش والثريا والجوزاء.
دعنا نبدأ من “سهيل”، وهذه قصة أخرى تبدو مختلفة تماما عن هذا الشاب الذي كان ابن سيد من سادة اليمن الخصيب، الذي انطلق ذات صباح في البوادي ليصيد، ولما وصل إلى أرض خضراء، هواؤها بارد، قرر أن يرتاح قليلا فنام تحت إحدى الأشجار.
استيقظ سهيل ليجد 5 فتيات يتسابقن للوصول إلى غدير قريب، من بينهن كانت “الجوزاء” التي أعجبته فورا ووقع في حبها، وبدأت بينهما أحاديث الود والغرام، فقرر أن يخطبها بيد أن أهلها رفضوا أكثر من مرة، بل هددوه بالقتل.
هنا، قرر سهيل والجوزاء الهروب، فركبت وراءه على الحصان وانطلقا في إحدى الليالي باتجاه الجنوب، وفي الطريق اعترضهما نهر المجرة، فعبره سهيل بالخيل، لكنه بعدما وصل نظر خلفه لم يجد الجوزاء، إذ وقعت على الأرض وداست خيول قومها عليها، فانكسر ظهرها.
حاول سهيل العودة إليها، فضربوه وكسروا ساقه فظل في مكانه جنوبا يتطلع إليها. وكانت لسهيل أختان، هما الشعريان ويمثلهما نجمين في السماء (الشعرى اليمانية والشعرى الشامية)، لما سمعن بالأمر أرادا الاطمئنان على أخيهما فتبعته كل منهما ثم جاءتا إلى النهر، عبرته إحداهما، فسميت العَبور، ولم تتمكن الأخرى من العبور فحزنت وبكت حتى غمصت عينيها، وسميت بالغميصاء، بالترتيب.
الجوزاء ليست ما تتصور، حاليا يُطلق اسم الجوزاء على أحد الأبراج، في اللاتينية يعرف باسم (Gemini) وبالعربية يسمى “التوأمان”، أما الجوزاء العربية، فكانت موضع ما يسميه الفلكيون الآن بكوكبة الجبّار (Orion)، ويمكن أن تراها بعينيك في الشتاء فهي تحوي ألمع نجومه، وتخيلها العربي القديم كفتاة جميلة مقاتلة، تحمل قوسا وتوجهه ناحية الأسد القريب.
امتلكت الجوزاء أهمية كبيرة في الشعر العربي، ذلك أنها كوكبة مركزية في سماء الليل الشتوية، ذات نجوم لامعة عالية في السماء، لذا كانت دائما إشارة للمجد والفخر والعزة، ومثلا يقول عمارة اليمني -وكان شاعرا فقيها وأديبا من أهل اليمن- في بداية إحدى قصائد المدح:
جاوز بمجدك أنجم الجوزاء.. وازدد علوا فوق كل علاء
من شين إلى مهندس حتشبسوت
هذا الاختلاف بين الثقافات في النظر للنجوم مدهش حقا، ويعلمك عن اختلاف طبائع البشر وتنوعها، وكيف صاغ كل منهم ثقافته في نجوم السماء. في الصين عرف الناس كوكبة الجبار باسم “شين”، أي الصياد العظيم أو المحارب، ويقع شين في مركز مشهد صيد سماوي عظيم، حيث يكون القمر مكتملا في هذا الجزء من السماء خلال موسم الصيد، في شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول.
في شكله النهائي، يتكون شين من 10 نجوم: الأربعة التي تشكل الخطوط العريضة التقليدية لجبار (النجوم ألفا، وجاما، وبيتا، وكابا)، والنجوم الثلاثة للحزام، والنجوم الثلاثة الممثلة للسيف، والأخيرة هي المنطقة التي تتدلى من الحزام (تأمل خريطة الفصل)، وصورت النجوم العشرة كجنرالات في جيش شين المحارب.
كان شين من بين الشخصيات التي ظهرت في أسطورة صينية قديمة تتعلق بابني الإمبراطور، شيتشن وإيبو، اللذين كانا يتقاتلان دائما.
وكان العداء بينهما شديدا لدرجة أن الإمبراطور اضطر إلى نفيهما معا. فأرسل شيتشن بعيدا ليصبح مسؤولا عن تقديم التضحيات لشين، بينما أصبح إيبو مسؤولا عن تقديم التضحيات لقصر القمر، والمتواجد في برج العقرب الحالي على الجانب الآخر من السماء من شين (الجبار).
أما في مصر القديمة فنجد تمثيلا لمجموعة من نجوم الجبار في سقف مقبرة سننموت، وهو المهندس الكبير من عصر الملكة حتشبسوت، يذكر فيه موعد ظهور “سيبا إن ساح” ومعناه “نجم الملك وأوزيريس”، ويرسم إلى جوار ذلك 3 من نجوم كوكبة الجبار الشهيرة (حزام الجبار)، أوزيريس هو إله البعث والحياة الأبدية في الديانة المصرية.
كان المصريون القدماء يعتقدون أن أوزيريس يحكم السماء والنجوم، وأن روحه تسكن كوكبة الجبار، وبالتالي، كان يُنظر إلى الكوكبة كرمز للخلود.
وفي أفريقيا جنوب الصحراء تحدد عديد من الثقافات نجوم الحزام على أنها حيوانات، يراها شعب السوتو والتسواني والكارانجا في زيمبابوي على أنها 3 خنازير، وأطلق شعب التسواني على 3 نجوم تمثل سيف الجبار اسم “دينتسا لي ديكولوبي”، أي “الكلاب الثلاثة تطارد الخنازير الثلاثة”.
أما بالنسبة لرجال الأدغال في “ناي ناي كونج”، فكان حزام الجبار هو “الحمير الوحشية الثلاثة”. أما شعب السونجي في الكونغو الديمقراطية، فيتعامل مع نجوم حزام الجبار على أنها “صياد مع كلب وحيوان”، ويشير الماساي، بشكل ساحر إلى نجوم الحزام باعتبارها “3 رجال مسنين تطاردهم أرامل وحيدات”، والماساي هم قوم شبه رُحَّل يتمركزون في كينيا وشمال تنزانيا.
هيكل يوناني ونجوم عربية
كان للهنود قصص، وللسكان الأصليين في أستراليا قصص أخرى، وفي ما تعرف الآن بالولايات المتحدة قصص ثالثة، وكل منها تنوع بحسب طباع وثقافة الناس في تلك الأماكن، غير أن الكوكبة حصلت في الأطالس المعاصرة على الجانبين اليوناني والعربي في الأساس: اليوناني في اسم الكوكبة، والعربي في أسماء نجومها.
تأمل مثلا نجم “يد الجوزاء” أو “منكب الجوزاء” وهو الاسم الأشهر، باللاتينية يكتب (Betelgeuse)، ويعني ذلك إشارة للجوزاء، لكن لو قررت البحث خلف تاريخ التسمية ستكتشف أنه لم يكن يُكتب كذلك تحديدا، بل كان شيئا قريبا من (Bedlgeuze)، أو “بد الجوزاء”، حسب بول كونتش وهو أستاذ متمرس في جامعة ميونخ اهتم بتاريخ النجوم العربية.
وكما تلاحظ فإن الكلمة العربية الحقيقية هي “يد الجوزاء”، ولكن في أثناء الترجمة من العربية إلى اللاتينية فُقدت نقطة من “يد” فأصبحت “بد”، وبعدها -لأن النجم يقع بالفعل تحت إبط الصياد- سمي “بت” من إبط، أي “إبط الجوزاء”.
نجوم كثيرة في الكوكبة ترتبط بالجوزاء “الفتاة” وليس الصيّاد الرجل، خذ مثلا منطقة حزام الجبار، أولها نجم النطاق وفي اللاتينية يسمى (Alnitak)، هو نطاق الجوزاء، والنطاق تربطه الفتاة حول وسطها فنقول مثلا إن أسماء بنت أبي بكر “ذات النطاقين”.
إلى جواره تجد نجمان آخران يتعلقان بالفكرة نفسها، وكأنهما أجزاء من نطاقها، وهما النظام (Alnilam) والمنطقة (Mintaka)، في “النظام” استخدمت “L” بدل “Z”، في خطأ حدث في أثناء النقل من العربية للاتينية، الآن نعرف أن هذه النجوم الثلاثة عمالقة ضخمة ساخنة تشع بضوء أزرق أبيض اللون.
على الجانب الآخر، تأتي أسماء عربية أخرى لتخدم الأسطورة اليونانية، ومنها رِجل الجبار (Rigel) وسيف الجبار (Saiph)، كانت العربية في تلك الفترة من لغات العلوم المهمة، ولأن العرب كانوا ممن نسقوا مواضع النجوم في السماء وتسمياتها بشكل ممتاز، فقد نقلت عنهم الأسماء التي ابتكروها للنجوم، بل وتُرجمت أسماء النجوم حتى التي كانت يونانية إلى المعنى العربي ثم انتقلت إلى اللاتينية.
حكايات الصوفي
لكن ربما قد تسأل: لماذا اتخذت الكوكبة اسما يونانيا والنجوم اسما عربيا؟ اللغز في هذه المفارقة ينكشف إذا عدنا بالتاريخ إلى أواخر القرن الثامن الميلادي حينما ازدهرت حركة الترجمة عند العرب، فنقلوا العلوم من كل محيطهم الجغرافي، وكان أحد أهم تلك الكتب هو كتاب “المجسطي” لكلوديوس بطليموس، الذي عاش في الإسكندرية وتوفي في القرن الثاني الميلادي.
عند تلك النقطة، يظهر الفلكي العربي عبد الرحمن الصوفي، الذي وُلد بالري في بلاد فارس عام 903 ميلادية، وكان على اتصال بعضد الدولة البويهي، أحد ملوك الدولة البويهية، الذي دعمه بشدة.
وقد عمل الصوفي على ترجمة وتعديل الأخطاء في كتاب بطليموس، ولكن بينما كان يعمل، وجد أن بطليموس يتحدَّث عن نجوم يعرفها العرب القدماء من فترة ما قبل الإسلام، فقرَّر إضافة هذه الأسماء إلى أطلسه الجديد، الذي نعرفه الآن باسم “صور الكواكب الثابتة” (صور الكواكب الـ48).
في كتاب الصوفي، كانت هناك مزايا لرسوم بطليموس عن الكوكبات، فهي أكثر وضوحا وتحديدا مقارنة بكوكبات العرب القديمة التي كانت مُفرَّقة وغير واضحة، لكن من جانب آخر سُمّيت النجوم في التراث اليوناني بجمل كاملة مثل “النجم الذي يقع إلى شمال كذا” أو “النجم الذي على الكتف”، أما العرب فكانت أسماء نجومهم القديمة من كلمة واحدة، مثل “يد الجوزاء” أو “الأثافي”، أضف إلى ذلك أن ترجمات الصوفي لأسماء النجوم تضمَّنت أسلوب الكلمة الواحدة أيضا.
حينما انتعشت حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية في عصر النهضة (نحو 1500 ميلادية)، قام فلكيون مثل بيتروس أبيانوس بترجمة كتاب الصوفي، الذي عُدَّ في عصور النهضة الإسلامية إحدى العلامات الرئيسية في علم الفلك والنجوم، ومن تلك النقطة انتقل ذلك التراث إلى العالمية، ولأن أسماء النجوم العربية أبسط وأسهل في الاستخدام، ورسوم المجسطي كانت كذلك أوضح، استُخدما معا في تداخل مميز، وصولا إلى لحظة كتابة هذه الكلمات.
ما عرضناه قبل قليل من أسماء النجوم وأصولها في كوكبة الجبار كان مجموعة من الأمثلة البسيطة جدا على إسهامات جوهرية للعرب والمسلمين في إعطاء النجوم أسماءها، ولو تأمَّلت الواقع لعَجِبت حقا، فمن بين أكثر من 300 نجم لديها أسماء تقليدية رسمية حتى عام 2016 (بخلاف ملايين النجوم التي باتت تُعطى أسماء علمية دقيقة وليست تقليدية)، ستجد أن هناك أكثر من 200 نجم بأسماء عربية تُكتب بالحروف اللاتينية (مع نطقها العربي)، تشتهر هذه الأسماء في كتب تاريخ العلم وكتب الفلك وأطالسه على حدٍّ سواء.
لكن هل يعرف أحد أي شيء عن جذورها، أو عن حكايات الكوكبات التي جاءت منها؟ الإجابة عن هذا السؤال هي للأسف “لا”، فبينما تنتشر حكايات الكوكبات اليونانية بين متخصصي وهواة علم الفلك، لا نجد كثيرا من حكايات النجوم العربية، والأمر يمتد بالطبع لما هو أعمق من التمظهر الثقافي لأسماء النجوم في الكتب، حيث تُصوِّر بعض كتب تاريخ علم الفلك ما حدث بين بطليموس من جهة، وكوبرنيكوس من جهة أخرى، وبينهما العصور المظلمة الأوروبية، وكأنها قفزة فكرية شاسعة.
لكن المتأمل لتاريخ تطوير هذا العلم في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية سيعرف أن الأمر لم يكن كذلك. في كتابه “العلوم الإسلامية وقيام النهضة الأوروبية”، يشرح الدكتور جورج صليبا، وهو مفكر لبناني الأصل مقيم بالولايات المتحدة الأميركية يعمل أستاذا للعلوم العربية والإسلامية في جامعة كولومبيا، كيف أن العرب لم يقوموا فقط بترجمة العلوم من المناطق المحيطة بهم ومنها كتاب بطليموس، بل تفاعلوا معها وأضافوا إليها، سواء بالتعمُّق أو التصحيح أو ابتكار الأدوات، وأن ذلك يظهر، أكثر ما يظهر، في علوم الفلك.
يمكن أن نلاحظ ذلك بوضوح في مساهمات العرب في انتقال الفلك من التنجيم ليصبح علما يشبه صورته الآن، والانتقال الجوهري من عالم التنظير إلى التجريب، والأدوات التي طوَّرها العرب أو ابتكروها كانت خير مثال على ذلك، وأهمها لا شك الأسطرلاب، ويظهر ذلك أيضا في قياسات محيط الأرض ومواقع النجوم وعلوم المواقيت.
والواقع أن حاجة الدولة الإسلامية في ذلك الوقت إلى هذه العلوم مفهومة، سواء من ناحية إدارية واقتصادية (الحاجة إلى قياس مساحات الأراضي وكم المزروعات مثلا) أو شرعية (حساب مواقيت الصلاة وهو الأمر الذي بات مُعقَّدا بعد توسُّع العالم الإسلامي ليشمل خطوط عرض وطول مختلفة).
ما يحدث إذن في حالة أسماء النجوم العربية ما هو إلا جزء بسيط من حكاية كبيرة تتطلَّب إعادة كتابتها، كي يُوضَع أبطالها الحقيقيون في أماكنهم التي يستحقونها، سواء كانوا من سكان الأساطير أو العالم الواقعي على حدٍّ سواء!





