أفريقيا برس – السودان. منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 إبريل /نيسان الماضي، تدهورت أوضاع حقوق الإنسان لدرجة كبيرة، وسط تحذير المنظمات الحقوقية ومنظمات الأمم المتحدة من استمرار الانتهاكات المروعة، في ظل استمرار الحرب للشهر السابع على التوالي، والتي تسببت بسقوط آلاف الضحايا وتدهور الأوضاع الإنسانية.
وعاد الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى طاولة المحادثات في جدة في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بوساطة من السعودية وأميركا، والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، لكنهما فشلا في الوصول إلى اتفاق لوقف اطلاق النار. وعبر الوسطاء، في بيان في 7 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، عن أسفهم لعدم تمكن الطرفين من الاتفاق على تنفيذ وقف إطلاق النار خلال هذه الجولة.
وقال مركز “إكليد”، المعني برصد بيانات النزاعات، في تقرير في 3 نوفمبر الحالي، إنه سجل منذ اندلاع القتال أكثر من 2800 حادث عنف سياسي، وأكثر من 10400 حالة وفاة.
بدوره ندّد منسّق الشؤون الإنسانية في الأمم المتّحدة مارتن غريفيث، الثلاثاء الماضي، بـ”أعمال العنف الشديدة” ضدّ المدنيين في السودان حيث تدور منذ أشهر حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، مطالباً بإتاحة وصول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها “بدون عوائق”، لا سيّما لمنع تفشّي وباء الكوليرا.
سليمى إسحق: أبرز الانتهاكات هي العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات
وقال غريفيث، خلال “المنتدى الإنساني حول السودان” في مقر الأمم المتحدة، إنّه بعد ما يقرب من سبعة أشهر على اندلاع الحرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، “فإنّ ما يقرب من 25 مليون شخص في السودان يحتاجون الآن إلى مساعدات إنسانية”.
النساء والفتيات يحملن عبئاً ثقيلاً
وشدّد على أنّ “النساء والفتيات يحملن عبئاً ثقيلاً بشكل خاص، إذ يواجهن مخاطر مروّعة على سلامتهن، بما في ذلك الاغتصاب والاختطاف”. وأضاف أنّه يعتقد أن “أكثر من 10 آلاف سوداني لقوا مصرعهم” منذ منتصف إبريل الماضي.
وذكر غريفيث أنه “يجب اتخاذ تدابير ملموسة لتنفيذ الالتزامات والتعهّدات المتعلقة بحماية المدنيين”، مضيفاً: “لقد روّعتني التقارير الرهيبة عن العنف الشديد ضد المدنيين، بما في ذلك هجمات على أساس العرق وعنف جنسي. هذا الأمر يجب أن يتوقف على الفور”.
وخلال المعارك، شنت قوات الدعم السريع هجوماً على منطقة أردمتا بولاية غرب دارفور، وقتلت عدداً من مسؤولي الادارة الأهلية المنتمين إلى قبيلة المساليت، والتي أصدر سلطانها سعد بحر الدين بياناً في 7 نوفمبر الحالي، قال فيه إن “الدعم السريع استباحت منطقة أردمتا عقب انسحاب الفرقة 15 في الجيش، ومارست كافة انتهاكات حقوق الإنسان بحق المواطنين العزل وأسرهم بطريقة بربرية ووحشية”.
ارتكاب “الدعم” انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان
وقالت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، في بيان في 8 من الشهر الحالي، إن “لديها تقارير مثيرة للقلق من مجموعة متنوعة من المصادر الموثوقة على الأرض تفيد بأنه في الفترة من 4 إلى 6 نوفمبر الحالي، ارتكبت قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها، انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، لا سيما في منطقة أردمتا بمدينة الجنينة غرب دارفور”.
وأوضحت البعثة أن التقارير الواردة بعد الاستيلاء على قاعدة فرقة المشاة 15 التابعة للجيش تشير إلى أن المليشيات قتلت عدداً من المدنيين وأصابت كثيرين بجراح، وأن عمليات القتل استهدفت مجتمع قبيلة المساليت. وأشارت إلى أنه بالإضافة إلى ذلك، شنت المليشيات حملة اعتقال واحتجاز للأشخاص المشتبه بتعاونهم مع الجيش، وذلك قبل سيطرة قوات الدعم السريع على مقر “الفرقة 15”.
كما شهدت الأيام الماضية اعتقال عدد من المواطنين من قبل الاستخبارات العسكرية بالجيش السوداني. وقالت مجموعة “محامو الطوارئ” الحقوقية، في بيان السبت الماضي، إن الاستخبارات تواصل اعتقال ناشطين ومتطوعين بغرف الطوارئ، وخاصة في الولايات الآمنة، وذلك بسبب موقفهم المناهض للحرب. ودانت استمرار استهداف الناشطين المناهضين للحرب والفاعلين بغرف الطوارئ.
واعتبرت أن “تقييد الحريات والتربص بالمدنيين المناهضين للحرب، وتفتيش المركبات العامة التي تجلي المدنيين الفارين من المناطق الملتهبة أمر مخالف للقانون، وأنه ليس للاستخبارات العسكرية سلطة لاعتقال المدنيين وإخفائهم دون تقديمهم لجهات إنفاذ القانون”.
العنف والاسترقاق الجنسي من أبرز الانتهاكات
وقالت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة (هيئة حكومية) سليمى إسحق، لـ”العربي الجديد”، إن أبرز الانتهاكات هي العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات، وأشكاله مختلفة، منها الاغتصاب والخطف والاسترقاق الجنسي، وهذه جريمة دولية ومدانة.
وأضافت أن هذا النوع من الانتهاكات حدث في العاصمة الخرطوم وأجزاء كبيرة من إقليم دارفور، الذي تسيطر قوات الدعم السريع على غالبيته. وأشارت إلى أن المؤسف أن النساء، خصوصاً في الخرطوم، بقين في المنازل رغم أنها لا تقيهن القذائف، لكنهن اعتقدن أنها قد تقيهن المواجهة مع أي قوات عسكرية أو مسلحين، خوفاً من مسألة العنف الجنسي، و”لكن معظم الحالات التي وقعت في الخرطوم كانت عبر اقتحام المنازل، والاعتداء (على المتواجدات) داخلها، وهي مسألة من الواضح أنها ممنهجة وتستخدم كجزء من أسلحة الحرب”.
وأشارت إسحق إلى أنه “كان هناك أيضاً استهداف للفتيات الصغيرات وخطفهن، وهناك حالات عبور لبعض النساء خارج الحدود، ولكن الأسر متكتمة، حتى تلك التي اضطرت لدفع فدية. كما أن هناك بعض المفقودين والمفقودات، قد يكونون محتجزين في ظروف صعبة خاصة النساء. وتابعت: “رغم أن قوات الدعم السريع أنكرت أن لديها نساء وفتيات، لكن اتضح أن عدداً من المفقودات كن في مكان تابع للدعم السريع، والكثير منهن تم اغتصابهن”.
عثمان صالح: من ضمن الانتهاكات جرائم الاغتصاب، والتي مارسها الطرفان في الخرطوم والولايات
وأكدت إسحق أن “الحرب نفسها انتهاك، لأنها حرمت الناس من المنازل والموارد والنزوح القسري”. ونبهت إلى أن السودانيات يدفعن ثمناً باهظاً جراء ذلك، و”لطالما دفعن في كل الحروب والصراعات، والآن أوضاع النساء في دور الإيواء سيئة للغاية حيث المشاكل كثيرة، فهن جئن معتقدات أنهن سيبقين أسبوعاً أو اثنين، وحتى المساعدات غير كافية”.
ورأت سليمى أن “العنف ضد النساء لن يتوقف في ظل أوضاع إنسانية هشة تجعلهن عرضة للكثير من أنواع العنف. وفي هذه الحرب هناك نساء كثيرات في الخرطوم والولايات التي تشهد صراعاً مباشراً لم يستطعن الوصول لخدمات الصحة الإنجابية”.
قتل وتعذيب من قبل الطرفين
من جهته، قال المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان عثمان صالح، لـ”العربي الجديد”، إن الانتهاكات في السودان عديدة ومستمرة منذ اندلاع الصراع. وأوضح أنها تتمثل في القتل، سواء كان مباشراً بالرصاص والمقذوفات ضد الأحياء السكنية، والقصف بالطيران، والقتل بحرق القرى، بالإضافة إلى القتل تحت التعذيب من قبل الطرفين.
وقال: “ظهر ناجون من معتقلات الطرفين، وأكدوا أن بعض رفاقهم عذبوا حتى الموت، وهذا النوع منتشر في هذه الحرب”. وأكد صالح أن هناك من مات جوعاً نتيجة الحصار المستخدم لمنع وصول الطعام، ومتوقع حدوث وفيات أكثر جراء خروج المستشفيات عن العمل.
وأشار إلى أنه من ضمن الانتهاكات جرائم الاغتصاب، والتي مارسها الطرفان في الخرطوم والولايات، وهي من الانتهاكات الموجودة بكثرة في هذه الحرب، وأيضاً عمليات الاعتقال والاحتجاز غير القانوني، حيث يحتجز الكثير ممن يتهم بالانتماء للطرف الآخر في ظروف سيئة. وذكر صالح أن “أغلب حالات الاختفاء القسري في السودان عبارة عن عمليات اعتقال غير قانونية، لأنه لا يسمح للمعتقل الاتصال بأسرته أو بمحام”.
تزايد انتهاكات حقوق الإنسان
ورأى أن “سبب تزايد انتهاكات حقوق الإنسان يعود إلى الصراع حول السلطة”، مشيراً إلى أن كل طرف يريد المحافظة على امتيازاته، والأموال المنهوبة من المال العام، والسبب الآخر أنهم يتقاتلون على السلطة حتى لا تكون هناك محاسبة ومساءلة، لأنهم لو فقدوا السلطة ستكون هناك محاسبات عن الفترة السابقة.
وأكد أن الإفلات من العقاب سبب رئيسي لتوسع الانتهاكات. وقد اتسم الوضع في كل حقبات السودان بارتكاب الجرائم والإفلات من العقاب وعدم المحاسبة حسب صالح، و”لكن هذه المرة الانتهاكات متعددة، ورغم نداءات إيقاف الحرب لكن الطرفين يصران على الاستمرار وارتكاب المزيد من الانتهاكات، لذلك يجب التأسيس لمسألة عدم الإفلات من العقاب، ولكن هناك تحديات حيث هناك جهات تحاول الوصول لتسويات سياسية، وهذه التسويات يبدو أنها ستمنح الأطراف حصانة ضد الملاحقة”.
وكانت لجان المقاومة في ولاية الخرطوم (تنظيمات شعبية) قالت، في بيان في 10 نوفمبر الحالي، إنه “لا جديد في دارفور سوى اعتصار الألم الذي يأتي نتيجة الجرائم والفظائع الكبرى التي ترتكبها المليشيات”.
وأضافت: “تتفنن المليشيات في شتى أنواع الانتهاكات والممارسات الوحشية غير المسبوقة، واللاإنسانية من القتل والتهجير القسري للمواطنين في المدن وحتى معسكرات النازحين، بالإضافة لنهب الممتلكات وإهانة الكرامة الإنسانية والتعذيب والاحتجاز، والحرمان المتعمد من المياه والغذاء والرعاية الصحية”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس