خبير سوداني لـ”أفريقيا برس”: قوى “تقدم” تحالف مصلحي ولا تلعب دورا في وقف الحرب

39
خبير سوداني لـ
خبير سوداني لـ"أفريقيا برس": قوى "تقدم" تحالف مصلحي ولا تلعب دورا في وقف الحرب

أحمد جبارة

أفريقيا برس – السودان. قال المحلل السياسي السوداني يوسف هارون الشنبلي؛ إن القوى السياسية السودانية تعاني من انقسام حاد، منبها إلى أنها غير مؤهلة لوقف الحرب في السودان.

في سياق آخر، قال الشنبلي في حوار مع “أفريقيا برس” إن القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” ضالعة في الحرب، مستدلا بتصريحات تقدم قبل الحرب والتي ذكرت في أكثر من مناسبة بأن البلاد ستذهب للحرب في حال لم يتم التوقيع على الاتفاق الإطاري.

قوات الدعم السريع أطلقت سراح عدد من أسرى الجيش.. هل تعتبر الخطوة تمهيدا لعملية السلام؟

الخطوة في تقديري أقل بكثير من الذي كان يجب أن تقوم به قوات الدعم السريع وبالرغم من أنها خطوة إيجابية إلا أنها تعتبر بكل المقاييس عبارة عن قطرة في محيط، والمطلوب من الدعم السريع كان يتمثل في تنفيذ إتفاق جدة والذي اشترط خروجهم من منازل المواطنين وكل المرافق المدنية من المستشفيات والمؤسسات الخدمية الأخرى التي تم إحتلالها من قبلهم، هذا بجانب خروجهم من كل مدن و قرى الجزيرة ووقف الانتهاكات التي تمارس يوميا وآخرها مجزرة قرية “ود النورة” والتي تعتبر إبادة جماعية وتمثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مثلها مثل الذي حدث في الجنينة بل تكاد تكون أكثر بشاعة وفظاعة منها حيث قتلت قوات الدعم السريع أكثر من 250 شخص، ومعظم قرى الجزيرة شهدت جرائم كبرى من قبلهم، ولا تخلو أي قرية دخلوها من قتل للمواطنين وخسائر في الأموال والممتلكات وسرقة ونهب واغتصاب وانتهاكات لم يشهد لها التاريخ مثيلا، وربما أرادت قوات الدعم السريع بهذه الخطوة تجميل صورتها أمام المجتمع الدولي بعد أن إنهالت عليها الإدانات الدولية وبعد أن كان سجلها مليئا بقتل الأسرى من لندن الوالي خميس أبكر وإنتهاءا بالملازم محمد صديق، هذا على سبيل المثال لا الحصر، ومن خلال متابعتنا لما قامت به هذه المليشيا من انتهاكات نشك في مصداقية سعيهم إلى السلام ووقف الحرب وأن تقتل بعض الأسرى وتترك آخرين فهذا لا يعطي مؤشرا إيجابيا أو تحولا في ممارسات المليشيا والتي تحاول أن تعيد الثقة المفقودة بمثل هذا الموقف والذي نعتبره ضروريا ولكنه ليس كافيا، ونحتاج إلى المزيد من وقف التفلتات والانتهاكات و محاسبة الجناة وإرجاع الممتلكات المسروقة وغيرها من مظالم كثيرة مسؤولة عنها المليشيا لأنها وقعت في مناطق سيطرتها، وشهدنا كيف يفر المواطنون من المناطق التي تدخلها المليشيا والاتجاه نحو مناطق سيطرة الجيش، وشاع في الأونة الأخيرة أن قيادة المليشيا فقدت السيطرة على قواتها وذهب البعض أن المليشيا متورطة في استجلاب المرتزقة الأجانب مقابل السماح لهم بسرقة ممتلكات المواطنين واغتنام كل ما يجدونه مقابل عملهم العسكري هذا، ولذلك تواجه المليشيا تحديا كبيرا في إثبات أنها جادة في الدخول في حوار مدفوع الاستحقاقات.

ألا تعتقد أن المجتمع الدولي سيما الدول الكبرى والمنظمات غير جادة في حل الأزمة السودانية؟ ولماذا هذا الموقف المتخاذل؟

للأسف الشديد المجتمع الدولي في موقف المتفرج لما يحدث من انتهاكات ولم يحرك ساكنا تجاه مرتكبي هذه المجازر والجرائم، والكل يعلم أن المجتمع الدولي تحركه مصالحه الخاصة وبات لا يهتم بحقوق الإنسان والديمقراطية بل أصبحت شعارات جوفاء من أجل الخديعة والتضليل ويجب أن لا يتم التعويل كثيرا على المجتمع الدولي والذي قد يكون ضالعا في هذه الحرب ودعمها وله المصلحة في استمرارها لخدمة الأجندة الدولية في تفكيك الدولة السودانية وتقسيمها إلى دويلات صغيرة من أجل إستعمارها وسرقة مواردها والكثير من الدول لديها أطماع في ثروات السودان التي لا يوجد مثلها في معظم دول أفريقيا، ولذلك تتكالب علينا هذه الدول وتسعى بكل ما تملك من قوة لإضعاف السودان ودعم الحرب والتدخل الدولي تحت ذريعة حقوق الأنسان ولكن هذا ليس هدفهم الحقيقي للتدخل بل السعي إلى تحقيق المصالح والمكاسب والظفر بموارد وثروات البلاد وإنشاء القواعد العسكرية وغيرها من مطامع معروفة للجميع، وكذلك بعض الدول لديها مصالح في إضعاف السودان والسيطرة عليه وتقسيمه لأنها تعتبره خطرا عليها، إن لم تستطع أن تدمره وتقضي عليه وتخشى أن يتحالف مع دول مثل إيران وروسيا وغيرها من دول بعيدة عن محور أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا التي ظلّت تناصب الشعب السوداني العداء وحتى الأنظمة الديمقراطية كانت تحارب من هذه الدول ذات الأجندة الاستعمارية المعروفة وعلى قيادة الدولة السودانية الإنفتاح على دول أخرى كالصين وتركيا واليابان وروسيا وإيران لهزيمة المعسكر الذي يتحالف مع الدول التي تعمل ضد سيادة السودان واستقلال قراره الوطني وتدعم الذين يزعزعون استقرار البلاد من خلال دعم المتمردين واستجلاب السلاح والمرتزقة الأجانب، وظهر هذا في حرب 15 أبريل التي يخوضها الجيش ضد قوات مدعومة من أكثر من 10 دول بإمكانيات كبيرة ساعدت في طول أمدها وامتدت لأكثر من عام ومستمرة إلى الأن.

حزب الأمة القومي رغم تاريخه المشرف إلا أنه متّهم بوقوفه خلف قوات الدعم السريع لدرجة أن أحد قياداته قتل في مجزرة ود النورة.. كيف تنظر لهذا الموقف من حزب الأمة وبماذا تفسر هذا الموقف؟

هنالك حقيقة يجب أن توضح للرأي العام وهي أن الذي يقف مع الدعم السريع من حزب الأمة القومي هم الرئيس المكلف وبعض القيادات، ولكن كافة مؤسسات حزب الأمة القومي في المركز من مؤسسة الرئاسة و مجلس التنسيق والولايات وقطاعات المهنيين والمهجر والمرأة والشباب والطلاب كل هؤلاء يقفون ضد الدعم السريع وهذا موقف مبدئي وقرار اتخذه الإمام الراحل منذ العام 2014، وكان حينها قد طالب بحل الدعم السريع ومحاسبته على الجرائم التي ارتكبها في دارفور وكردفان وهذا الموقف دفع ثمنه الإمام الراحل الذي تم سجنه لمدة شهر في سجن كوبر وفتحت ضده عشرة بلاغات تصل عقوبتها إلى الإعدام وتم في ذلك الوقت الاستهداف للإمام الراحل من الدعم السريع بمعاونة نظام الإنقاذ وجهاز الأمن التابع له، هذا في الماضي، وفي الحاضر وبعد حرب 15 أبريل 2023 تمت إدانة جرائم وانتهاكات الدعم السريع من مؤسسة الرئاسة والتنسيق والولايات وتم إصدار قرار بالخروج من تنسيقية تقدم ومقاطعة مؤتمرهم وإدانة تحالفهم مع الدعم السريع ولكن للأسف هنالك تيار متفلت في الحزب يقوده الرئيس المكلف وبعض القيادات، وهذا التيار هو من تحالف مع الدعم السريع تحت مظلة تنسيقية تقدم وأبرم اتفاقا مع قائد الدعم السريع في أديس أبابا وسكت عن كل الجرائم التي إرتكبتها الدعم السريع وغض عنها الطرف تماما ولم يصدر أي بيان إدانة لهذه الجرائم والمجازر حتى التي ارتكبت في مناطق نفوذ حزب الأمة القومي ومسّت قيادات عليا للحزب في الولايات، وشارك في مؤتمر تقدم ضاربا بقرار مؤسسات الحزب عرض الحائط، وأصدرت مؤسسة الرئاسة بيانا تبرأت فيه من مشاركة الرئيس المكلف في مؤتمر تقدم واعتبرت أنها لا تمثل الحزب بل تخص الرئيس المكلف ومجموعته وقد سبق للحزب أن خرج من هذا التحالف حينما كان يسمى بالحرية والتغيير، ولكن أيضا لم يتم الالتزام بهذا القرار من الرئيس المكلف ولذلك حصل خلاف كبير بين الرئيس المكلف ومجلسي الرئاسة والتنسيق، وتم في القاهرة في شهر مارس 2024 إتفاق بينهم بالإلتزام المؤسسي والتشاور فيما بينهم لاتخاذ القرار ولكن تم نقض الإتفاق وخرقه وعدم الإلتزام به من قبل الرئيس المكلف وبذلك أصبح الرئيس المكلف يغرّد خارج سرب المؤسسات ويمثل موقف نشاذ ويعرف منفردا ويمارس الدكتاتورية والشمولية في إدارة الحزب.

تقدم متهمة بأنها من أشعلت الحرب..هل تتفق مع ذلك؟

نعم تقدم ضالعة في هذه الحرب بسبب الإتفاق الإطاري الذي شكّل التحالف بين تقدم والدعم السريع، وصرح قادة تقدم قبل الحرب بأسبوع واحد بقولهم (إما قبول الإتفاق الإطاري أو الحرب)، كذلك قولهم (إن لم يقبل الجيش بالإتفاق الإطاري لدينا خيارات أخرى)، وحتى حليفتهم الدعم السريع رفعت شعارات أن حربها ضد الجيش هدفها الأساسي يتمثل بعدم قبول الإتفاق الإطاري ورفع شعارات كانت مضمنة في هذا الإتفاق كالتحول الديمقراطي وتفكيك تمكين نظام الإنقاذ والإتفاق الإطاري منح الدعم السريع مدة عشرة سنوات لدمج قواتها في الجيش ونصت بعض الإتفاقيات بينهم على أن يكون للدعم السريع دور سياسي في الفترة الإنتقالية وهذا يتعارض مع أهداف وشعارات ثورة ديسمبر المجيدة (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل)، واخيرا توقيعهم على اتفاق مع قائد الدعم السريع وعدم إدانتهم لإنتهاكات الدعم السريع وكل تصريحات قادة تقدم تخدم أجندة الدعم السريع ودائما في حالة هجوم على الجيش ودفاع عن الدعم السريع وحتى مقترح الإدارات المدنية التي تشكلت في ولايات الجزيرة ودارفور كانت من ضمن بنود إتفاق تقدم مع الدعم السريع، بل ذهب البعض منهم إلى الإنضمام رسميا إلى الدعم السريع وبعضهم يدعي الحياد ولكنه متضامن مع الدعم السريع ويعمل معهم خلف الكواليس (تحت الطاولة) هذه الحيثيات التي ذكرتها تمثل قرائن أحوال وغيرها من شواهد كثيرة وأدلة تثبت تورط تقدم في التحالف والتنسيق مع الدعم السريع وإن أنكروا ذلك وادعوا الحياد ورفعوا شعار “لا للحرب” كان يجب أن يطالب بوقف الحرب.

كيف يمكن وقف الحرب في السودان، أو بالأحرى ما هي الآليات التي يمكن اتباعها على أطراف الصراع لوقف الحرب؟

أن تكف الدول عن التدخل في الشأن السوداني وخاصة التي تقدم الدعم لهذه المليشيا المتمردة والتي فقدت التعاطف الشعبي لأنها جاءت بشعارات من ضمنها تحقيق الديمقراطية ومحاربة الكيزان ولكن سرعان ما تبخرت هذه الشعارات والآن تخوض المليشيا المتمردة 80٪ من حربها ضد المواطنين العزل وارتكبت في حقهم جرائم لا تعد ولا تحصى، وأصبحت تعادي كل الشعب السوداني وتوحدت الجبهة الداخلية للتصدي لهذا العدوان بصورة كبيرة جدا، والآن نرى حركات الكفاح المسلح والإدارات الأهلية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والجماعات الدينية قاطبة وكل الشعب السوداني قد اصطف لأول مرة بهذه الصورة من التلاحم الشعبي والوحدة الوطنية والتماسك من أجل الدفاع عن الأرض والعرض والسيادة الوطنية، وبدأت بعض الدول تقدم الدعم إلى السودان بصورة كبيرة وتحولت القوات المسلحة السودانية من الدفاع إلى الهجوم وامتصت الصدمة الأولى التي كانت صعبة جدا، وهزمت الكتلة الصلبة منهم والذي تبقى في طريقه إلى الإنهيار في قادم الأيام ومهما طال زمن هذه الحرب فلن تهزم القوات المسلحة السودانية لأنها مسنودة بالشعب السوداني، وإرادة الشعوب لا تهزم وعلى المتمردين الإستسلام أو الفناء لما تبقى من قوات ودمار لكل الآليات العسكرية، وصمود القوات المسلحة كان كبيرا حيث حافظت على كل مقارها العسكرية وكبدتهم خسائر كبيرة ولم يبقى منهم إلا القليل ولذلك هم يبحثون عن إنتصار عسكري ليقووا به موقفهم في المفاوضات والتي إن دخلوها فلن تعيد لهم وضعهم القديم ولن تمكنهم من حكم البلاد مرة أخرى بل قد توفر لهم خروجا آمنا من العاصمة والجزيرة خوفا من الضربات الجوية التي قد ينفذها ضدهم سلاح الجو التابع للقوات المسلحة السودانية لأنهم محاصرين في الخرطوم والجزيرة ولا يستطيعون الخروج إلا بعد توقيع إتفاق هدنة ووقف إطلاق النار يوفر لهم المخرج الآمن ويفك هذا الحصار الكبير الذي يتعرضون له، ولذلك سقف تطلعات المليشيا المتمردة قد إنخفض بصورة كبيرة من إستلام السلطة إلى كيفية الخروج بسلام من الخرطوم والجزيرة وشمال ولايات سنار والنيل الأبيض وكردفان، وضمان عدم تعرض الجيش لهم، والآن هرب الكثير منهم والبقية في الطريق، وأيضا فشلهم في إحتلال الفاشر يدل على ضعفهم وعجزهم وهزيمتهم، وكذلك لم يتمكنوا من السيطرة على فرقة بابنوسة والهزائم الكثيرة التي تعرضوا لها في شمال كردفان والأبيض.

ما مدى جدية القوى السياسية في السودان بما فيها تقدم في حل الأزمة السودانية ووقف الحرب؟

القوى السياسية تعاني من انقسام حاد وحتى الحرية والتغيير سابقا “تقدم” حاليا تفرقت أيدي سبأ ما بين المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية وحتى حزب الأمة القومي جمد نشاطه وخرج من الحرية والتغيير، وكذلك حزب البعث والحزب الشيوعي الذي كوّن مع آخريين ما يعرف بالتحالف الجذري وحتى في مؤتمر تقدم الأخير تمت مقاطعته من مؤسسة الرئاسة والتنسيق في حزب الأمة القومي وحزب البعث العربي الإشتراكي والشيوعي ولجان المقاومة والمهنيين، والسبب يرجع إلى أن تنسيقية تقدم تمارس العزل والإقصاء والإحتكار ولا تريد أن توسع قاعدة المشاركة لتشمل الجميع وترفض بعض القوى التي شاركت في الحكم مع الإنقاذ وتقبل بعضهم في سلوك يؤكد إزدواجية المعايير والكيل بمكيالين وهذا النهج من العناد والإنفراد أضعف تقدم وجعلها تحالفا هشا يضم أصحاب المصالح الذاتية والأجندات الخاصة الضيقة من الذين لا يملكون أي سند شعبي أو ثقل جماهيري ولا حتى رصيد نضالي، وهو تحالف مصلحي ولا يستطيع أن يلعب أي دور في وقف هذه الحرب سوى الإعتماد على المليشيا المتمردة بغرض أن تحقق انتصارا عسكريا على القوات المسلحة وتأتي بهم إلى الحكم عبر البندقية، وتسببت هذه القوى السياسية في فشل الحكومة الإنتقالية لأنها مكونة من أحزاب لافتات لا ترغب في إجراء الإنتخابات وتريد أن تحكم البلاد عبر المحاصصات الحزبية بعيدا عن الكفاءات الوطنية وأن تحكم البلاد في فترة إنتقالية مفتوحة وإلى الأبد وتمارس الإقصاء وتحتكر السلطة وترهن قرار البلاد إلى الأجنبي وتعتمد على قوات الدعم السريع كجناح عسكري لمواجهة القوات المسلحة السودانية القومية، ولذلك أصبحت قوى عميلة لا تجد الدعم والقبول من كافة جماهير الشعب السوداني وقواه الحية ولن يكون لها مستقبل سياسي في السودان.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here