أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. طرح مدير مركز تحليل النزاعات ودراسات السلام بالجامعة الاسلامية في أمدرمان راشد التجاني في حوار مع “أفريقيا برس”، قضايا عدة ترتبط في المستجدات على الساحة السودانية، برز من بينها؛ مفاوضات جنيف التي رعتها الإدارة الأمريكية، إضافة إلى الدور المصري، وأسباب تأخر الجيش في حسم المعركة أمام قوات الدعم السريع.
لماذا فشلت المبادرة التي طرحتها أمريكا بشأن وقف الحرب في السودان والمتمثلة في مفاوضات جنيف؟
أسباب الفشل بالطبع الطريقة غير الصحيحة التي سلكتها أمريكا للمفاوضات، حيث بدأت مفاوضات جديدة وفي مكان جديد، وغير مستندة على مفاوضات سبق التفاوض فيها، وكانت أمريكا طرفا فيها ووصل فيها على اتفاق والتوقيع عليها، وهي اتفاقية جدة. كذلك مفاوضات جنيف كان الهدف المعلن لها؛ وقف إطلاق النار فقط وليس إنهاء الصراع، وهنالك فرق بين وقف إطلاق النار وإنهاء الصراع. كذلك من أسباب الفشل أن أمريكا منطلقة في دوافعها في هذه المفاوضات على دوافع داخلية أكثر من أنها حل للصراع، وهو الموقف الداخلي المتمثل في الاستحقاقات الانتخابية ورغبتها في الاستفادة من الناخب الأمريكي الذي يرفض الانتهاكات والفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، وتحاول أن تخفف الضغط عليها وتكسب هذه الفئة بأن تحاول حل الأزمة السودانية. كذلك من الأسباب أن أمريكا لم تبدأ هذا التوجه مؤخرا، وإذا كان لديها الجدية الحقيقية لما تأخرت حتى هذا الوقت لحل النزاع.
كيف تقّيم أداء المبعوث الأمريكي لإدارته للمفاوصات والتواصل مع الحكومة السودانية؟
المبعوث الأمريكي فشل في إدارة التفاوض مع السودان لحل النزاع وهو فشل ليس جديد في السودان لأنه أوكلت له مهام سابقة في ليبيريا والكونغو وكان الفشل ملازما له في حل هذه النزاعات والصراعات، وبالتالي لابدا لأمريكا إعادة النظر في ممثلها في السودان حيث ظهر عجزه في حل هذا الإشكال منذ أن عين كمبعوث حيث لم يعالج قضية السودان بصورة مباشرة بل كان يدور حول الأزمة وليس أساس الأزمة بدليل إنه لم يصل السودان على الإطلاق ولم يجلس مع أي من قادة الجيش أو الحكومة إطلاقا، بل كان كل جلوسه خارج السودان ومعظم الذين يجلس معهم هم أطراف في النزاع على السودان سواء كان بصورة مباشرة أو غير مباشرة لذلك ظهر عدم حياده لحل الأزمة السودانية.
بالإضافة إلى نظرته التي تتسم بقدر كبير من التعالي وهذا الأسلوب لا يقبله السودانيون، فالشخصية السودانية ترفض هذا النوع من التعامل في السياسة، وإذا لم تغير الحكومة الأمريكية هذه الشخصية الممثلة لها، لن نستطيع حل الإشكالية، وظهر جليا بأنه لم يعري اهتماما كبيرا لاعتراضات السودان على الدعوة للمفاوضات، وكان السودان يطلب أمرين رئيسيين للمشاركة في جنيف؛ إحداهما التأمين على اتفاق جدة وتنفيذه، والثاني إبعاد الإمارات من الوساطة في المفاوضات لأن السودان يرى أن الإمارات شريك وداعم للدعم السريع في الحرب، ووثق هذا الأمر رسميا عندما قدم شكوى رسمية في مجلس الأمن ضد الامارات، ورغم ذلك لم يقبل المبعوث الأمريكي لهذه الطلبات بل ذهب أكثر من ذلك حيث واصل إنعقاد جلسات المفاوضات دون حضور الحكومة السودانية، وهذا يؤكد إنه لا توجد جدية لحل النزاع، فكيف تحل النزاع والطرف الرئيسي غير موجود؟، وهذا دليل بأن النتائج ستكون فاشلة وقد حدث ذلك.
وإذا لم تعدّل أمريكا هذه الطريقة فلن نصل لحلول هذه الإشكالية، وحتى عندما أدركت أمريكا هذا الأمر وحاولت أن تعيد الحكومة السودانية مرة أخرى للمفاوضات بعد أن بدأت بدونها وأرسلت مبعوثها للقاهرة للجلوس مع وفد الحكومة السودانية أيضا تمنعت أمريكا في القبول برئاسة الوفد الأمريكي وإخطار السودان بالمواعيد المحددة للجلوس والتشاور حول الأمر في القاهرة، وترك المبعوث الأمريكي القاهرة قبل أن يصل الوفد السوداني القاهرة.. كذلك إعتماد امريكا على أسلوب الضغط والتهديد لجلوس السودان لحل المشكلة، وكان واحدا من الأسباب لفشل أمريكا في المفاوضات لأن السودان وصلت فيه الأوضاع لدرجة أصبح لا يأبه بمزيد من الضغوط بمعنى لا يخاف أكثر مما وصل إليه. الوضع الذي وصل فيه السودان أعطاه مناعة مالذي يخفيه أكثر من ذلك؟ وبالتالي أصبح التخويف والضغوطات غير مجدية، إلى جانب أنه وجد مسارات أخرى يمكن أن تجد حلولا لمشكلته.
حلول مثل ماذا؟
التوجه شرقا، وهنا أصبح له قناعة بأن توجهه للشرق يمثل تحقيقا لمصالحه، وبالتالي يملك بدائل في حال لم تقف الولايات المتحدة في جانبه لحل هذا النزاع، بمعنى لم يعد أسيرا لتحالف أو تكتل واحد.
المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان توم بيرييلو، قال في ختام مفاوضات جنيف، إن البرهان كان منفتحاً على مشاركة الجيش في محادثات سويسرا لكن هناك “قوى سياسية سلبية للغاية تعيقه”.. مالذي يعنيه بيرييلو بالقوى السياسية المعيقة للبرهان؟
يقصد الحركات المسلحة وبالتحديد محمد بشير أبو نمو رئيس الوفد الحكومي في مشاورت جدة، وعرف عنه بالتشدد الشديد مع المبعوث الأمريكي حتى أن المبعوث الأمريكي لمح بتغيير رئاسة الوفد لذلك يقصده هو، ومعلوم أن الحركات المسلحة كان لها موقف مبدئي من جنيف، وبالتالي حتى المبعوث الأمريكي سبق أن قال إن السبب في عرقلة مشاورات جدة هو أن الحركات المسلحة مصرة على المشاركة، ورغم أن هذا ليس حدث في المشاورات ولكن وجود رئيس وفد الحركات المسلحة كان فيه رفض من المبعوث الأمريكي، وبالتالي يقصد بالجهات السياسية هي الحركات المسلحة.
ماذا تقرأ في لقاء البرهان بوزير الاستخبارات المصري؟
يبدو أن وزير الاستخبارات المصري يحمل رسائل محددة في قضايا هامة وجلس مع رئيس المخابرات السوداني لأخذ رأي البرهان فيها والرد على هذه الرسائل، لذلك كان اللقاء مع البرهان ليوضح موقف حكومته في القضايا التي كان يحملها رئيس المخابرات المصري في هذه الزيارة.
ربما تكون الرسائل متعلقة بالدعم العسكري للجيش السوداني، وهنا أستند على المعلومات المسربة والتي تتحدث عن دعم مصري للجيش السوداني متمثل في طائرات وأسلحة؟
لم يثبت هذا الدعم بل إن البيان الرسمي للقوات المسلحة أعلن عدم صحة هذه التقارير، والطائرات طائرات قديمة موجودة في السودان استجلبها من الصين.
لنفترض أن هنالك دعم مصري للجيش السوداني، ما الفائدة التي يمكن أن تجنيها مصر من دعمها للجيش السوداني؟
وقوف مصر مع السودان بأي شكل من الأشكال هو حماية للأمن القومي المصري لأن وجود السودان آمن ومستقر هو تأمين للأمن القومي المصري ووجود إضرابات على حدوده يهدد الأمن المصري، وبالتالي من مصلحة مصر أن يستقر السودان واستقراره يكون مع وجود سلطة قومية ممثلة في الجيش السوداني القومي، وانتشار الدعم السريع في مناطق قريبة لمصر مهدد للأمن المصري.
ما العائق الذي يقف أمام الجيش السوداني حتى ينتصر في معركة الكرامة؟
السبب عدم الاستفادة من الاستنفار الشعبي الكبير حيث أن بعض المستنفرين لم يحصلوا على الأسلحة الكافية للمشاركة في القتال، كما أن الذين حصلوا على أسلحة كانت أسلحتهم غير نوعية بمعنى أسلحة خفيفة لا تساعد على مواجهة الأسلحة المتقدمة التي تستخدمها الدعم السريع، لذلك لابد من الاستفادة من هذا الأمر. أيضا الدعم السريع يستند في انتصاراته على هذا الاستنفار من حواضنه بتزويد قواته من المرتزقة الذين يجلبهم من الخارج، ولابد للجيش أن يكون له عدد من قوات الاحتياط المستمدة من المواطنين المستنفرين لتكون نفس قوة تسليح الدعم السريع حتى يستطيع مواجهته في كثير من المواقع. الأمر الثاني؛ الأسلوب الذي يتبعه الدعم السريع في المواجهات بنظام الفزع حيث يجلب قدرا أكبر من القوات لمواجهة منطقة محددة، مثلا عندما أراد مواجهة سنجة، القوات التي واجهت حامية الجيش كانت قوات مجمعة من معظم الجزيرة والخرطوم حتى من داخل ولاية سنار، جمعت كلها في نقطة معينة لتشكل الكثافة العددية لتواجه حامية واحدة من حاميات الجيش.
ما هو الحل لمواجهة أسلوب الدعم السريع؟
هذا الأسلوب يجب مواجهته بأمرين؛ هو تدعيم المستنفرين بحيث يكونوا جزءا من القوات المدافعة عن هذه المناطق، والأمر الثاني؛ لابد من الجيش السوداني أن يستحدث قوة للتدخل السريع تستعمل نفس أسلوب الدعم السريع في سرعة الحركة والانتقال لمطاردة هذه القوات وإشغالها عن التخطيط والضغط في مختلف المناطق.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس