أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. قبل أيام، عاد رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان إلى السودان بعد مشاركته في القمة الصينية الأفريقية، وأسفرت الزيارة عن توقيع اتفاقيات ضخمة بين الصين والسودان في المجالات العسكرية والطاقة والزراعة وإنشاء المطارات والموانئ. زيارة يرى مراقبون أن البرهان طرق باب الصين، وتحمل في مضمونها وتوقيتها دلالات وأبعاد عدة.
تعاون قديم
والتعاون الصيني السوداني قديم ومتجذر، وصداقة البلدين تعود إلى منتصف القرن الماضي منذ أن أقامتا علاقات دبلوماسية في عام 1959، لتتطور العلاقات الودية في مختلف المجالات بشكل مطرد وصحي.
والصين قدمت ومنذ فترة طويلة أفضل ما لديها من قدرات لأجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السودان، وساهمت في سلسلة من المشاريع المعروفة في السودان، حيث قامت ببناء المستشفيات والمدارس الفنية وإقامة الطرق والجسور وابتعاث الفرق الطبية المتخصصة في الجراحة وغيرها من المشاريع الاقتصادية والمعيشية التي تقف دليلا على تنامي التعاون بين الخرطوم وبكين.
ووصل زخم العلاقات بين البلدين لإحدى ذرواته السامقات في عام 2015، حين أعلن الرئيسان الصيني شي جين بينغ والسوداني عمر البشير “إقامة شراكة استراتيجية بين البلدين” وأعلنا دخول العلاقات الثنائية مرحلة تاريخية جديدة، ومن ذلك ونتيجة لهذه المواقف الرئاسية، واصلت الصين الحفاظ على مكانتها كأكبر شريك تجاري للسودان، وبلغ حجم التجارة بين البلدين في عام 2017 (2.8) مليار دولار أمريكي، اي ما يمثل 21% من إجمالي واردات وصادرات السودان.
وواصل الجانبان تعاونهما المثمر في مختلف المجالات التي غطت النفط والزراعة والتعدين والانشاءات حيث ساعد الجانب الصيني السودان في إنشاء سلسلة كاملة لصناعة النفط والتنقيب عن البترول والغاز وتطوير الحقول وإنتاجهما والمواد الكيميائية والمبيعات.
وكان السودان من أولى الدول التي استجابت لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية العملاقة، وواحدة من الدول التي وقعت اتفاقية “الحزام والطريق” مع الصين.
وفي العام 2018، إلتقى الرئيس الصيني شي جين بينغ الرئيس السابق عمر البشير الذي حضر قمة بكين للمنتدى الصيني الأفريقي حيث وقع مع الرئيس الصيني على عدة اتفاقيات في العاصمة بكين.
وقد تطورت العلاقات بين البلدين من علاقات سياسية واقتصادية إلى أن وصلت مرحلة العلاقات الاستراتيجية حيث حققت ازدهاراً ملحوظاً في شتى المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، حسبما عبر عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ وقتها، وذلك خلال مخاطبته لأعمال قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي إذ أعرب عن سعادته بمشاركة السودان في أعمال القمة، مؤكدا على الشراكة الإستراتيجية بين البلدين والتي تمثل ترجمة حقيقية لمصالح الشعبين السوداني والصيني.
وتاريخيا، كانت من أبرز معالم العلاقات بين البلدين في عقدي الخمسينات والستينات في القرن الماضي؛ الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الدولة الصينى رئس الوزراء شو أن لأي للسودان في العام 1964، وزيارة الرئيس السوداني الفريق ابراهيم عبود للصين فى نفس العام.
أجندة خبيثة
ويرى المحلل السياسي محمد عبدالجبار إن “الصين ستدعم السودان بعدد من المسيرات والأسلحة والذخائر”، منبها إلى “أنها تشعر بحاجة السودان إلى هذه المجالات على اعتبار أنه يخوض حربا ضروسا مع قوات الدعم السريع”.
وشهد رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان على مراسم التوقيع على إتفاق بين منظومة الصناعات الدفاعية السودانية وشركة بولي (POLY) الصينية للتعاون الإستراتيجي في المجالات الحيوية والدفاعية.
ويقول عبدالجبار لموقع “أفريقيا برس” إن “الدعم العسكري الصيني للسودان من شأنه المساهمة في القضاء على التمرد وتعزيز قدرات السودان الدفاعية”، داعيا في ذات الوقت إلى “التمسك بالعلاقة مع الصين وروسيا لجهة أنهما دولتان ليس لديهما أجندة خبيثة مثل دول الغرب وأوروبا”.
زيارة مهمة
ولا يختلف المحلل السياسي الفاتح محجوب كثيرا في طرحه عن الحديث السابق، إذ يقول لموقع “أفريقيا برس” إن “الصين دولة كبرى وتمتلك حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي وهي الاقتصاد الثاني عالميا والاقتصاد الاول في الانتاج الصناعي والصادرات على مستوى العالم”.
وتابع “زيارة البرهان إلى الصين لها عدة أبعاد، أولها البعد العسكري لأن الجيش السوداني بحاجة ماسة للسلاح لمواجهة قوات الدعم السريع المدعومة من قبل الإمارات، وثانيها هو البعد السياسي، حيث يعتبر مؤتمر الصين وأفريقيا منبر سياسي عالمي يعطي الحكومة السودانية فرصة لشرح قضيتها ضد الامارات، وضد الدعم السريع، كما يتيح لها فرصة لإجراء لقاءات ثنائية مع العديد من رؤساء الدول الأفريقية، إضافة للتنسيق مع الحكومة الصينية حول مختلف القضايا السياسية ذات الاهتمام المشترك”.
ويرى الفاتح أن “هنالك بعد آخر للزيارة وهو البعد التنموي حيث وقع السودان والصين عددا من الاتفاقيات في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية والعسكرية، مما يمهد لمرحلة الإعمار بعد انتهاء الحرب”.
وتوصل الفاتح إلى أن “زيارة البرهان إلى الصين تعد زيارة مهمة ومثمرة ونجحت إلى حد كبير في التخفيف من حدة الحصار الذي تفرضه الإمارات على السودان”.
إستراتيجية واضحة
وفي رده على سؤال بشأن إستراجية الصين في السودان، يقول الكاتب الصحفي درغام ابوزيد لموقع “أفريقيا برس” إن “استراتيجية الصين في السودان واضحة وليس ثمة غيوم وضبابية تكتنفها، هي قديمة قدم قاعة الصداقة الشامخة بالخرطوم وجميعنا يذكر ويتذكر القصة المؤثرة والتي اكتنفت إقامتها إبان زيارة الرئيس جعفر نميري للصين عام 1977، وسميت كذلك تخليدا للصداقة القائمة بين البلدين العائدة لعام 1959، وأيضا كمكافاة للسودان على تاييدة إستعادة الصين لمقعدها في مجلس الامن عام 1971”.
ويرى ضرغام أن علاقة البلدين ليست جديدة بل هي مؤطرة بمصالح مشتركة ومتجذرة وقديمة، كما يقول أبوزيد “إن العقيدة السياسية للصين تختلف كليا عن العقيدة الإمبريالية الصهيونية الأميركية الأوروبية والتي لا تخفي سعيها القديم الجديد لاحتلال البلاد، أما عن طريق العملاء والمرتزقة كما هو واقع الآن وإما عبر تدخل عسكري صريح؛ العراق نموذجا، فالسودان بموارده وإمكانياته الزراعية والمعدنية والحيوانية؛ هو أرض الأحلام الوردية بالنسبة للغرب و”اسرائيل”، والسيطرة عليه هو هدف إستراتيجي قديم ولم يعد سرا، غير إنني اندهش هنا من عملاء الوطن فهم يعتقدون غباء أنه ستتاح لهم حكم البلاد بعد السيطرة عليه، هذا وهم، فهم لايثقون في خونة أوطانهم، وان تركوهم برهة من زمن، فمن أجل أن يروا صنوف العذاب بأعينهم وليلعقوا سياط الذل والضرب والهوان ليل نهار حتى يشبعون ألما وندما، بعدها سيطلقون عليهم الرصاص أو الكلاب المسعورة بدلا عن الرصاص فهم أرخص من ثمن الرصاصة”.
وتابع “على ضوء الواقع الراهن بالسودان الوطن وقد تكالبت عليه الضواري الجائعة فقتلوا وسفكوا الدماء واستباحوا الحرمات والمحرمات، ويرغبون في احتلال الوطن بمن فيه وما فيه جهارا نهارا قوة واقتدارا، صلفا وغرورا”.
ووفق للمؤشرات أعلاه يشدد درغام على “ضرورة الذهاب إلى الأصدقاء الأوفياء في الصين والذين عاهدوا السودان في الملمات وكانوا أوفياء ونبلاء، وكانوا عند حسن الظن بهم فعلا لا قولا دائما وابدا”. منبها إلى أن “الصين قالت للبرهان بلغة واضحة وجلية “نحن معك مقاتلون”، منوها بعد هذا القول “فقد ارتج على العملاء والمجرمين ودول الجوار فضلا عن الدويلة”. وبحسب ضرغام فإن “وجود الصين بثقلها العسكري والإقتصادي في الساحة السودانية تعني تبخر الأحلام الوردية للغرب الرامية للسيطرة على هذا الوطن الكنز”.
وبحسب ضرغام فإن “الاتفاقيات التي وقعها البرهان في بكين والتي تتحدث عن إعادة الإعمار، تهمس في أذن الأعادي بأن الحرب ستضع أوزارها بالطريقة التي تراها بكين مناسبة، ولاترى الصين إمكانية الحديث عن إعادة اعمار والحرب مشتعلة”، داعيا ما أسماهم الأعادي، إلى التمعن في هذه الجدلية قبل فوات الأوان.
وتابع “بعد توقف الحرب فإن كل خيرات السودان ذاهبة حتما للصين بموافقة شعب السودان وعبر اتفاقيات ذكية ونظيفة لا سرقة ولا نصب ولا (شفشفة) فيها كما يفعل القتلة اليوم”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس