سباق التحالفات السودانية نحو الحرب

12
سباق التحالفات السودانية نحو الحرب
سباق التحالفات السودانية نحو الحرب

أفريقيا برس – السودان. مع استمرار الحرب في السودان، تدخل الأحزاب دورة جديدة من التحالفات لوقف الحرب والاتفاق على ملامح مرحلة انتقالية جديدة. ومنذ بداية الشهر الماضي (فبراير/ شباط)، صاحب انقسام تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدّم) بين تحالفين إطلاق مُقترحاتٍ عديدة، حاول كلٌّ منها وضع تصوّراته للدولة والموقف من المنافسين. وفي ظلّ إعادة التشكيل، تثير المقترحات الجديدة النقاش بشأن تراكم القدرة على تسوية الانقسام وإنجاز الانتقال السياسي. يساعد تقييم أداء الأحزاب والتحالفات في الاقتراب من تراكم القوة اللازمة للتغيير، خصوصاً على مستويي التماسك الداخلي في التحالف والمساحة المشتركة في الاقتراحات والمواقف السياسية.

وعلى مدى شهر فبراير/ شباط، نشرت الأحزاب والقوى السياسية مسوّداتٍ لتصوّرها مرحلة انتقالية جديدة، بعد انتهاء الحرب، فقد أصدرت “الكتلة الديمقراطية” مقترحها في أوائل شهر مارس/ آذار الجاري، مبادرةً موجّهة إلى الحكومة السودانية، فيما شهدت المعارضة تطوّرات بنيوية، نتج منها حلّ “تقدم” في 10 فبراير، ليتشكّل تحالفان على أنقاضها، تحت مسمّى “التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة” (صمود)، وآخر تحت اسم “تحالف الميثاق التأسيسي”، في 23 من الشهر نفسه، ليطرح كلٌّ منهما تصوّره لما بعد إسقاط الحُكم القائم.

الظاهرة الانقسامية والتحالفات

وبينما ظهرت “الكتلة الديمقراطية” في ديسمبر/ كانون الأول 2022، مؤيّدةً لموقف الجيش في رفض الاتفاق الإطاري، اتجه القسم الآخر، “الحرية والتغيير ـ المجلس المركزي”، إلى البحث عن صيغة جديدة للعمل السياسي، ومع اندلاع الحرب في إبريل/ نيسان 2023، ظهر حليفاً لقوات الدعم السريع، حتى اهتدى إلى تشكيل “تقدّم” في مايو/ أيار 2024، لتكون مظلّةً لأحزاب اليسار والأمّة القومي والنقابات المهنية.

وتحت الخلاف على تعريف الصراع مع الحكومة، انقسمت التنسيقية على خلفية الموقف من نقل الأزمة إلى نزاع على الشرعية، لتبدأ عملية فكّ الارتباط التنظيمي بين موقفَين، أولاهما يرى مواصلة النضال بوسائل العمل المدني الديمقراطي من دون تشكيل حكومة، وبين موقف يرى أن تشكيل حكومة موازية من وسائل التحالف لإسقاط الحكومة السودانية. وإزاء صعوبة التوافق على حكومة المنفى، ناقشت الهيئة القيادية لـ”تقدّم” (10 فبراير 2025) في نطاق إسفيري تباين الموقف من تشكيل حكومة موازية، وتأسيس النزاع على الشرعية، خلصت فيه إلى فكّ الارتباط تحت مظلّة “تقدم” بين تنظيمَين.

وبعد يوم من حلّ “تقدم”، تبلور الانقسام مع صدور البيان التأسيسي لـ”صمود”، برئاسة عبد الله حمدوك، إذ أكّد البراءة من عملية تشكيل حكومة منفى موازية، وحدّد ملامح خطابه في مستويَين، السعي إلى حكم مدني ديمقراطي، وطلب المساعدة من الدول لحماية ثورة ديسمبر (2018)، ومنع توحّش تداعيات الحرب أو مساهمتها في عودة النظام السابق. ليتشكّل التحالف من 58 مشاركاً ما بين الأحزاب والنقابات المهنية ومنظّمات المجتمع المدني وشخصيات سودانية.

وفي 23 من الشهر نفسه (فبراير)، أُعلِن تشكيل تحالف الميثاق التأسيسي، ليكون التحالف الثاني المُنحدر من خلفيات “الحرّية والتغيير”، ويضم 24 كياناً، في رأسها قوات الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، وحزب الأمة القومي، تحت مظلّة تحالف “تأسيس”، التي تشمل أحزاباً، وحركات مسلّحة، وإدارات أهلية، وكياناتٍ مجتمعيةً مؤيّدة لقوات الدعم السريع. ومن بين موقّعي الميثاق، عبد العزيز الحلو، وهو زعيم متمرّد قوي يسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي والقوات في ولاية جنوب كردفان، ويتبنّى النهج العلماني.

وبإعلان تحالف الميثاق التأسيسي، يوجد أربع تحالفات مختلفة الأولويات، بجانب بقايا “المؤتمر الوطني”، إذ يوجد تحالف الكتلة الديمقراطية المؤيّد لحكومة السودان والجيش، وينضوي تحته حوالي عشرة أحزاب سياسية وحركات مسلّحة، وبعض الكيانات السياسية الصغيرة، واتجه الحزب الشيوعي إلى تأسيس تحالف لاستعادة تحالف قوى الحرّية والتغيير في 2019.

لا قيمة مضافة في إعادة التشكيل

وبشكل عام، تعاني التحالفات انحرافاً هيكلياً لا تعالجه حرّية الانضمام والانسلاخ، إذ تعمل مركزية دور القوة العسكرية والمنظّمات المُسلحة في التحالفات على تقرير التوجّهات المرغوب فيها، ويتعاظم أثرها مع تنافر الهُويَّة الحزبية، لتمثّل القوى المدنية الطرف التابع في التشكيلات السياسية كلّها، ومعه تتراجع إمكانية توافق الحدّ الأدنى، ليكون ظهور تحالف جديد محاولة تدوير المشكلات.

ولطالما عانى تشكيل التحالفات السياسية عيوب تفاوت المكوّنات. فإلى جانب الأحزاب والحركات المسلّحة، توجد النقابات، وبجانبها الأفراد تحت تصنيف شخصيات عامة. واستناداً إلى طبيعة الأحزاب المشاركة في التحالف، تتشكّل غالبية التحالفات من أجنحة حزبية، وليست أحزاباً كاملة. ينطبق هذا بشكل أساس على حزبي الاتحادي والأمّة، بالإضافة إلى توزيع أحزاب اليسار على تحالفي المعارضة، لتنتشر صورة التحالفات غير المكتملة. هنا، يشكّل الاعتراض على مشاركة حزب الأمّة القومي حالةً واضحةً لتهافت المؤسّسية، فقد جاء الاعتراض عند مرحلة التوقيع في كينيا، وليس مع العمليات التحضيرية للاجتماع.

وتشير تجربة “الحرّية والتغيير”، و”نداء السودان”، إلى عيوب هيكلية في النظام الحزبي السوداني، وكان تأثير تتابع الانقسامات واضحاً في اهتزاز التحالفات. وهنا، تُقدّم سلسلةُ انقساماتِ ما بعد حقبة عمر البشير (الرئيس السابق) أمثلة على سيولة الأحزاب، إذ تمثّل تجربة “تقدّم” علامةً بارزةً على هشاشة التآلف بين سياسيي السودان، لم يستغرق وجودها سوى عامٍ واحد إذا ما أضيفت المرحلة التحضيرية في بدايات العام الماضي، لينتهي كيانها في فبراير 2025.

ومع غياب الفروق الجوهرية، يبدو انقسام “تقدّم” محاولةً لتنظيم المعارضة عبر تحالفي “تأسيس” و”صمود”، وبطريقة أقرب إلى تقاسم الدور السياسي، فلا يشكل محتوى البيانات اللاحقة إضافةً موضوعيةً إلى حلّ الصراع، فبينما يقود الدعم السريع، متحالفاً مع المنظّمات المُسلحة، تصعيداً عسكرياً وسياسياً، يخرج “صمود” من حياده، بالتركيز في مطالبة الحكومة بوقف الحرب.

في سياقات الانقسام، تتشكّل هُويَّة “صمود” جناحاً سياسياً، إذ تقتصر عضويته على الأحزاب والنقابات ومنظّمات المجتمع المدني، ليقوم بوظيفة اقتراح صيغ الحلّ السياسي وتحسين الوجه السياسي للمعارضة في الخارج، فيما تشكّل أطرفها الأخرى جبهةً عسكريةً لتثبيت قواعد النزاع مع الحكومة. لا تخلو طريقة الانقسام من وجود درجة من التراضي على تكامل الدور السياسي لكلٍّ من تحالفَي تأسيس وصمود، فقد عملت هذه الأحزاب والحركات المسلّحة على أرضية تضامنية منذ سقوط البشير، كما لا يرقى الخلاف على تشكيل حكومة إلى تفسير قرار الانقسام بقدر ما يفتح الطريق لمتابعة اقتراب مواقفها من الحلّ السياسي وتفضيلات العلاقة مع الجيش أو “الدعم السريع”.

وإلى جانب غياب إنجاز واضح، ترتبط الانقسامات الداخلية بصعوبات توافق السودانيين على موقف متجانس في قضايا جمع السلاح والوحدة الطوعية، أو التوافق على حكومة ذات طابع وطني. تشير خريطة الفواعل المتصارعة إلى عدم توافر المناخ الملائم لإعلان تحالف المعارضة حكومةً في جزءٍ من أراضي السودان. وبغض النظر عن فجوة القوة والنفوذ ما بين الأحزاب السياسية والفصائل المسلّحة، لا يكفي محتوى المقترحات والدعم الخارجي لإبقاء سلطة في قيد الحياة، في ظلّ أعباء الحرب وقِلّة الموارد.

وتحت هشاشة البنى الحزبية تعثّر تحالف تأسيس أمام الضغوط الإقليمية والحزبية، ولم يُعلَن تشكيل “حكومة سلام” (23 فبراير 2025)، رغم التوقّعات بظهور قوة سياسية يمكنها حلّ مشكلات السودان القائمة منذ 1956. تراجع حزب الأمّة القومي تحت ذريعة عدم تفويض رئيس الحزب المُكلّف، برمة ناصر، بالتوقيع، ليفتح الباب لتأجيل عملية تشكيل الحكومة الموازية. وإقليمياً، لقي الاجتماع اعتراضاً واضحاً من جانب مصر وإريتريا ودولٍ أخرى، فصار عبئاً على السياسة الكينية.

الهُويَّة والوحدة

لدى الاطلاع على بيانات التحالفات السودانية، يمكن ملاحظة اتساع الحديث عن ثورة ديسمبر (2018) مرجعيةً مشتركةً، فيما يقتصر المحتوى على تصحيحاتٍ إداريةٍ في أجهزة الدولة أو طرح الفيدرالية. وبشكل عام، خلت المسوّدات من اجتهاد جديد لتعريف السودان وهُويَّته. تتبنّى مقترحات التحالفات الثلاثة بدء مرحلة انتقالية جديدة، سواء في ما يتعلّق بتركيبة الحكومة أو فتح النقاش حول تعريف الدولة. ورغم اختلاف تقدير مدى المرحلة الانتقالية ما بين سنة أو أربع، تتشابه المُقترحات في الربط ما بين الحوار السياسي وتحقيق السلام، وإصلاح الخدمات العامّة، بالإضافة إلى توحيد الجيش.

وبشكل عام، لا تُعطي المقترحات قيمةً مُضافةً في حلّ المُشكل السوداني، فباستعراض محتواها، يتضح دوران الحديث عن كراهية “دولة 56″، والخضوع لأسْر الدساتير النمطية عن الدولة المعاصرة من دون اقتراح نقطة التوازن بين المجتمع والمنظّمات المسلّحة. ولذلك، تُسهب البيانات السياسية في سرد ما يُظَنّ أنه أُطر دستورية، والكلام المرن عن النظام السياسي، بشكل لا يفصح عن واقع المشكلات أو الوضوح في طرح الوحدة أو الانفصال، ما يُراكم خليطاً من البناء والهدم من دون إقرار دستوري لمعايير تجديد الدولة. ظهرت هذه العيوب عندما رُبط (تأسيس) وحدة السودان بالإرادة الطوعية، وهي صيغة للتلويح بالانفصال تحت مظلّة حقّ تقرير المصير.

وعلى مستوى المعارضة، يقترح تحالف “تأسيس” إعلاناً دستورياً، الوثيقة التأسيسية للدولة السودانية، لترتيب وضعية حكومة المنفى، وإقامة النظام السياسي على قاعدتي الفيدرالية وتطبيق العدالة الانتقالية منذ الاستقلال في الأول من يناير/ كانون الثاني 1956. يكشف هذا العِناد اللاسياسي عن جانبين؛ فمع طموح الرغبة في العزل السياسي أو العزل الاجتماعي، تتحوّل العدالة الانتقالية نظاماً عقابياً أكثر انشغالاً بـ”إزالة التمكين” من التنمية الاقتصادية والسياسية، وأن هذا التوجّه بمثابة مصادرةٍ على الإرادة الشعبية لصالح احتكار المستقبل من دون امتلاك التفويض اللازم للثقة في الحُكم الانتقالي.

ومن حيث المبدأ، ليس هناك خلافٌ على وحدة الدولة والسيادة الوطنية، وإقامة النظام الديمقراطي وحكم القانون، غير أنها تختلف في طريق الوصول. فمن جهةٍ، يركّز الجيش و”الكتلة الديمقراطية” على التخلّص من التمرّد، والنظر إلى القوى المحمية من الخارج نقيضاً للوحدة والسلام. وهنا، يرى مؤيّدو الحكومة خطاب المعارضة مراوغاً إزاء وقف الحرب ولا يرقى إلى المسؤولية الأخلاقية”، حيث يقوم على نمط من “الحياد المزيّف”، فلا خلافات حقيقية في مواقف المنحدرين من “تقدّم” تجاه “الدعم السريع” أو حكومة المنفى.

على أيّ حال، كانت عودة اجتماع كينيا إلى الكلام عن حقّ تقرير المصير تعبيراً عن العجز عن احتواء تطلّعات المشاركين، بحيث لا تخرج صيغة نيروبي عن محاولةٍ لإعادة طرح “الاتفاق الإطاري”، لكنّها، في الوقت نفسه، تُقدّم إطاراً قريباً من أطروحات جون قرنق عن السودان الجديد، وحقّ تقرير المصير، فتعمل على الاعتماد المتبادل بين كتلة من الأحزاب السياسية و”الدعم السريع”، بحيث تتكامل مقوّمات بناء السلطة والإدارة المدنية.

التحالفات ومستقبل السودان

وعلى مستوى النظر إلى المستقبل، تباعدت تطلّعات الأطراف السودانية. قامت مواقف حكومة السودان وحلفاؤها على النظر إلى دور القوات المسلّحة قاطرةً للتحوّل السياسي، فقد اعتبرته “الكتلة الديمقراطية” ضامناً للانتقال السياسي، ليجري التحضير لمرحلة جديدة بتغيير واسعٍ في وثيقة 2019، وتشكيل حكومة حرب أو تصريف أعمال، لها القدرة على استكمال عملية تفكيك “الدعم السريع”. تقود هذه العملية إلى تشكيل مجلس السيادة على أساس وطني وغير حزبي، ينتهي دوره بتسليم السلطة بعد إجازة الدستور. وإزاء الموقف من المعارضة، لم يذهب الجيش إلى القطيعة مع الأحزاب، فقد اكتفى عبد الفتاح البرهان بانتقاد المؤتمر الوطني، وتصنيف بعض الإسلاميين مُعادين للدولة، كما دعا تنسيقية “تقدّم” إلى التخلّي عن تحالفها مع “الدعم السريع” شرطاً للمشاركة في المرحلة الجديدة.

وبمستوىً من الحدّة، يعتبر تحالفا “تقدّم”، الجيشَ وأحزابَ النظام السابق عقبةً في الوصول إلى الاستقرار، ومع تقسيم “تقدّم” كان وقف الحرب وتحقيق السلام هدفاً مشتركاً لحماية النسيج الاجتماعي وتأسيس الحكم المدني وإزالة التمكين، وزاد عليها اجتماع كينيا، إثارة النزاع على استرداد “شرعية الدولة”، واتخذ الحرب سياسةً لإسقاط الحكومة باعتبارها راعية التمييز بين المواطنين. ولذلك، قامت الأولوية على تقويض القوى المُخالفة واستبعاد العسكريين من السياسة أو استمرار المعارك حتى هزيمة الجيش وحلفائه. وحده، يحاول “صمود” التخفيف من حدّة الخطاب بالحديث عن الحياد تجاه أطراف الحرب، والحفاظ على وحدة الدولة وتماسك النسيج الاجتماعي.

وبينما تتشكّل التحالفات، يحاول المؤتمر الوطني الخروج من الحصار السياسي بوضع ملامح تصوّره عن الخروج من الأزمة، وفي سياق عرضه (في 18 فبراير/ شباط 2025) مقترح “أجندة المستقبل”، يؤسّس المؤتمر موقفه على تحويل المبادرات أرضيةً للحوار السوداني الشامل، لأجل تحقيق المكاسب المشتركة. وسياقاً للتدافع، اعتبر الحزب الخلاف حول إزاحة البشير (11 إبريل/ نيسان 2019) من الماضي، وأن من الواجب النظر بمسؤولية إلى مستقبل الدولة، وهنا، يُصنف أزمة 15 إبريل (2023) نوعاً من التغرير الدولي بمليشيا الدعم السريع، لتقسيم البلاد، وإعادة تأسيسها تحت مظلّة حكومة موازية “الأمّة المحاربة”، كاصطفاف حول الجيش كافية للتعمير.

وبينما تعمل الحكومة في الحسم العسكري والانتقال إلى المسار السياسي، تتّجه المعارضة إلى استنساخ مسار نيفاشا (كينيا، 2002)، الذي شكّل المرحلة الأخيرة لتقسيم السودان. ويساعد إثارة الحديث عن تقرير المصير في تهيئة المناخ لإكراه الحكومة السودانية على المشاركة في مؤتمر دولي لا تضمن نتائجه وحدة الدولة. هنا، تُدعم تصوّرات عبد الله حمدوك، في بيان نداء سلام السودان (4 مارس/ آذار 2025) لوقف الحرب بأثر مزدوج؛ مسار التدويل وتهميش الحكومة، إذ يطرح عقد اجتماع مشترك بين مجلس السلم والأمن الأفريقي ومجلس الأمن، وتحضُره الأطراف السودانية كلّها، ومنها الجيش و”الدعم السريع” والحركات المسلّحة والأحزاب. وبهذا المعنى، ترجع المناقشات حول السودان إلى نقطة أولية، تجمع ما بين الرقابة الدولية وإطاحة مركزية الدولة، وهو ما لا يختلف عن طلب الحكومة المؤقتة (في عام 2020) الوصايةَ على المؤسّسات الوطنية.

في هذه الظروف، تكشف استعارة المقترحات تعبير “ردع العدوان” من الأحداث السورية العداء الكامن في قناعات السياسيين، خصوصاً مع وروده في بيانات “الكتلة الديمقراطية” و”المؤتمر الوطني” و”تأسيس” وتصريحاتهم، فهو يتضمّن ميلاً جارفاً إلى الإطاحة بدلاً من الرغبة في الحوار. وبشكل عام، لا تبدو المساحة المشتركة كافية لتحقيق السِّلم الاجتماعي أو التفاوض على وقف الحرب. وفيما بين خطابَي إثبات سلطة الدولة الشرعية أو السعي إلى تقويضها، يتصاعد خطاب الحرب المفتوحة، فيتشكّل المشهد السياسي ـ العسكري من تناقضات الانحياز إلى توطيد مشروعية المؤسّسات القائمة أو سعي التمرّد إلى إطاحتها، وتأسيس بديلٍ منها، لتأخذ السياسة في السودان اتجاهاً تقسيمياً على أساس استهداف المؤسّسات والانتقال من وضعية الصراع وتمكين الهامش إلى وضعية إسالة روابط الولايات مع المركز. يعكس انضمام الحركة الشعبية ـ شمال إلى تحالف تأسيس، في مؤتمر كينيا، توجّهاً لتجميع منطقة النيل الأزرق وكردفان ودارفور في مواجهة مستمرّة مع مركزية العاصمة المثلّثة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here