سد النهضة بين التهديدات الإقليمية والمخاوف المائية

7
سد النهضة بين التهديدات الإقليمية والمخاوف المائية
سد النهضة بين التهديدات الإقليمية والمخاوف المائية

أحمد جبارة

أفريقيا برس – السودان. أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد افتتاح سد النهضة رسميًا، تعيش دولتا السودان ومصر حالة من الهلع والخوف من مخاطر السد المحتملة.

الشاهد أن نهر النيل الأزرق، الذي شيدت إثيوبيا السد على ضفافه، ليس حكرًا عليها، بل هو مورد مائي عابر للحدود، لا سيما عبر دولتي مصر والسودان. لذلك، فإن الأمر يتطلب تنظيمًا واتفاقًا وفقًا للقوانين والأعراف الدولية.

وتطالب مصر والسودان إثيوبيا بعدم اتخاذ قرار منفرد في ملء السد، غير أن إثيوبيا دائمًا ما ترسل تطمينات لدول المصب مفادها أن “السد لن يشكل خطرًا عليكم”.

وشيدت إثيوبيا سد النهضة على نهر النيل الأزرق، الذي ينبع من بحيرة تانا في الهضبة الإثيوبية، إذ يشكل النسبة الأكبر من مياه النيل الأزرق الذي يمر عبر السودان ومصر.

وتتخوف مصر من فقدان حصتها من مياه النيل بعد قيام السد، بينما يخشى السودان من الكوارث الطبيعية الناجمة عن السد، فضلًا عن مخاطر تتعلق بانجراف التربة الزراعية الخصبة.

ومنذ إعلان إثيوبيا قيامها بالسد في عام 2011، كان السد مثار جدل وخلاف بين دول نهر النيل الثلاث، حيث وُقّعت عدة اتفاقيات بين السودان ومصر وإثيوبيا، كانت سمتها التعاون، وتعهدت إثيوبيا في هذه الاتفاقيات بعدم الانفراد بعملية الملء، غير أنها لم تفِ بذلك، حتى جاء الإعلان الرسمي بتشغيل السد من الجانب الإثيوبي.

مخاطر عديدة

يحذر المحلل السياسي والقانوني مزمل الغالي من مخاطر عديدة لسد النهضة، إذ يقول لموقع “أفريقيا برس” إنه في حال حدوث خلل أو انهيار في السد، سيهدد المدن السودانية، خاصة تأثيره على سد الروصيرص، فضلًا عن فقدان السيطرة على الفيضانات المفاجئة. كما قال الغالي إن عدم التنسيق في المواسم الزراعية قد يربك الدورة الزراعية ويؤثر على الأمن الغذائي.

وبشأن مخاطر السد على مصر، يقول الغالي إن مصر التي تعتمد على النيل بنسبة تفوق 90% من احتياجاتها المائية، فإن أي تراجع في حصتها المائية خلال فترات الملء والجفاف يشكل تهديدًا وجوديًا ينعكس على الزراعة ومياه الشرب وإنتاج الكهرباء من السد العالي.

وتابع أن الاستفادة من سد النهضة لا يمكن أن تتحقق على نحو مستدام إلا عبر إطار قانوني ملزم يضمن مصالح جميع الأطراف، وذلك من خلال التوصل إلى اتفاق واضح تحت ضمانة الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي، بحيث يحدد قواعد الملء والتشغيل، خاصة في أوقات الطوارئ والجفاف.

وشدد مزمل على ضرورة وضع بروتوكول لإدارة المخاطر والفيضانات، وتشكيل لجان مشتركة لمراقبة التنفيذ وتبادل البيانات اليومية، مع تنسيق زراعي ومائي مستمر بين الدول الثلاث، وتفعيل آليات قانونية لحل النزاعات تجنبًا لأي صراع إقليمي.

وبشأن السيناريو المحتمل، يقول الغالي إن سد النهضة يمثل بلا شك نهضة حقيقية لإثيوبيا ومكسبًا استراتيجيًا لإفريقيا، مستدركًا: لكن تجاهل مصالح الدول الأخرى يفتح الباب لصراعات لا حاجة لها.

ويرى مزمل أن الحل الأمثل يكمن في الالتزام بالقانون الدولي، وتوقيع اتفاقيات ملزمة، وتفعيل آليات التعاون المشترك على أساس قاعدة المصالح المتبادلة، فلا ضرر ولا ضرار.

التحدي الأكبر

وإن كان مزمل رجّح تهديد السد على مصر والسودان، فإن السياسي السوداني عروة الصادق يرى في حديثه لموقع “أفريقيا برس” أن السد لن يشكل تهديدًا على السودان، قائلًا إن أي مشروع تنموي مستدام كسد النهضة في إثيوبيا يمثل تحولًا في ملف مياه النيل.

وأضاف: إذا نظرنا إلى السودان، فالسد لا يحمل تهديدًا وجوديًا له على الإطلاق، بخلاف ما تروّج له الدعاية المصرية، وإنما سيكون على العكس مصدر مكاسب معتبرة إذا أحسن السودانيون إدارة العلاقة مع إثيوبيا بعيدًا عن الاستقطاب المصري–الإثيوبي.

وأشار الصادق إلى أن السد سيعمل على تنظيم جريان النيل الأزرق، وتنظيم جريان بعض الأنهار الموسمية إذا مُدّت بقنوات و”ترع” استراتيجية، مما يقلل من مخاطر الفيضانات ويضمن تدفقات مائية أكثر استقرارًا طوال العام، وهو ما يسمح بتوسيع الرقعة الزراعية، وتقليل تراكم الطمي في الخزانات السودانية، إضافة إلى الاستفادة من كهرباء إثيوبية منخفضة التكلفة عبر الربط الكهربائي، منبهًا إلى أن هذه المنافع تظل رهينة بوجود تنسيق فني وتبادل بيانات شفافة.

ويؤكد الصادق أن الخطر الحقيقي على السودان ليس في السد نفسه، وإنما في غياب المعلومات الدقيقة عن الإطلاقات والمناسيب في أوقات الطوارئ أو السيول، مطالبًا بأن تكون هنالك إدارة مشتركة لتشغيل السد.

أما بالنسبة لمصر، يقول عروة إن التحدي الأكبر لها يكمن في سنوات الملء والجفاف الممتدة، فمع سعة تخزينية هائلة تقترب من 74 مليار متر مكعب، فإن ملء السد أو تشغيله خلال مواسم أمطار ضعيفة قد يقلّص من رصيد بحيرة ناصر ويؤثر على قدرة السد العالي في توليد الكهرباء وإدارة الري. ولذلك، فإن السيناريو الأكثر أهمية لمصر يتمثل في التوصل إلى اتفاق ملزم يشمل قواعد واضحة لإدارة الجفاف وربط الإطلاقات بمستويات بحيرة ناصر، مع نظام فوري لتبادل البيانات يتيح لها التكيف مع أي تقلبات منبع.

ومن الناحية القانونية والسياسية، فإن اتفاقية 1959م بين مصر والسودان التي قسمت مياه النيل بين البلدين، بحسب الصادق، لم تعترف بها إثيوبيا ودول المنابع الأخرى، بينما يشكل إعلان مبادئ 2015م إطارًا أساسيًا للاتفاق على قواعد الملء والتشغيل وعدم التسبب في ضرر جسيم، مؤكدًا أن ذلك يعكس أن العودة إلى أرقام الحصص القديمة أمر غير واقعي، والأكثر ترجيحًا هو التوصل إلى اتفاق تشغيل مُلزم يركّز على الجوانب الفنية: التوقيتات، إدارة الجفاف، وتبادل البيانات، مع ترك ملف تقاسم المياه الشامل لمسار حوضي أوسع.

وبشأن السيناريوهات المقبلة، يقول الصادق: يمكن تصور مسار متفائل يقوم على اتفاق ثلاثي برعاية الاتحاد الأفريقي يؤمّن مكاسب متوازنة “كهرباء وتنمية زراعية للسودان، وأمان مائي لمصر، وضمان توليد وتصدير طاقة لإثيوبيا”.

كما إنه، وبحسب الصادق، يمكن أن يسود سيناريو «الأمر الواقع» حيث يستمر تشغيل السد الإثيوبي مع تفاهمات فنية محدودة، وهو ما يمنح السودان منافع ملموسة ويبقي على توترات القاهرة وأديس أبابا قائمة. وفي حال غياب أي التزامات واضحة، فإن اختبار الجفاف الممتد سيكشف هشاشة الوضع ويعيد الضغط السياسي والدبلوماسي إلى الواجهة.

وتوصل الصادق إلى أن “سد النهضة لا يشكل تهديدًا مباشرًا للسودان، وإنما يفتح أمامه فرصًا استراتيجية للتنمية الزراعية والطاقة إذا اختار التعاون مع إثيوبيا، بينما يرتبط الخطر الحقيقي على مصر بغياب قواعد مُلزمة لإدارة سنوات الجفاف، ومستقبل الحوض يتوقف على قدرة الأطراف الثلاثة على الانتقال من خطاب الصراع إلى هندسة عملية للتشغيل المشترك، تجعل من السد رافعة تنمية إقليمية بدلًا من أن يبقى مصدر توتر دائم”.

حسم النزاع

في الصدد، يقول الخبير في الشأن الدولي مجدي عبد القيوم “كنب” لموقع “أفريقيا برس” إنه لا يعلم ما هي أوجه المهددات التي يتحدث البعض عنها للسد، فإذا كانت المهددات المعنية متعلقة بطبوغرافية موقع السد، فقد قال الدكتور فاروق الباز إن من يتحدث عن إمكانية حدوث تصدعات أو ما شابه فهو مجرد جاهل أو ما نحوه. وتابع: أما إذا كان الحديث عن مواقيت فتح البوابات، فتلك هي إحدى أهم أوجه الاتفاق.

وبشأن حصة السودان في مياه النيل، بحسب مجدي، لن تتأثر. وتابع: أما مصر، فتحفظاتها تتعلق بالتخوف من التأثير على حصتها. ويرى مجدي أن القوانين الدولية التي تعالج مثل هذه القضايا كفيلة بحسم هذا النزاع. وأردف: الآن سد النهضة أصبح واقعًا، وهذا يتطلب التعاطي معه بموضوعية من جانب مصر والسودان.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here