طبيبات وممرضات يغامرن بحياتهنّ لإنقاذ المرضى في السودان

10
طبيبات وممرضات يغامرن بحياتهنّ لإنقاذ المرضى في السودان
طبيبات وممرضات يغامرن بحياتهنّ لإنقاذ المرضى في السودان

أفريقيا برس – السودان. بعد اندلاع الاشتباكات في العاصمة السودانية الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في إبريل/نيسان 2023 وإنهاك مستشفيات الخرطوم، واجهت الطبيبة صفاء علي قراراً مستحيلاً، وكان عليها الاختيار، إما مرافقة زوجها وأولادها الأربعة إلى مصر، وإما البقاء مع مرضاها. تتذكر تلك الليلة جيداً، إذ لم تتمكن من النوم قبل أن تقرر عدم الذهاب إلى مصر، ومنذ ذلك الحين لم ترَ عائلتها.

صفاء واحد من آخر أطباء التوليد المتبقين في العاصمة، تخاطر بحياتها لمنح النساء السودانيات فرصةً للولادة الآمنة، موضحة وهي في غرفة ولادة تضررت من القتال، أن “ما يدفعنا إلى البقاء هو حبنا لوطننا، وحبنا للمهنة التي نقوم بها والقسم الذي أديناه”.

بعد أن اقتحمت قوات الدعم السريع مستشفى الولادة السعودي القريب في بداية الحرب، تماسكت الطبيبة صفاء علي وهي مديرته، وتوجهت إلى المقاتلين. وتحدثت مع قائدهم الميداني قائلة: “أخبرته أن هذا مستشفى للنساء، فعادوا وهاجموه في اليوم التالي بمزيد من المقاتلين”. وفي تموز/يوليو 2023، شهدت مقتل أحد زملائها عندما تعرّض المستشفى للقصف.

واضطر المستشفى السعودي إلى الإغلاق بعد انهيار سقوفه ونهب معداته، بينما تناثرت ثقوب الرصاص على جدران غرف الولادة. وظلت الطبيبة صفاء علي تعمل في عيادات متنقلة وجناح مؤقت للولادة في مستشفى النو، آخر المستشفيات التي لا تزال قائمة في أم درمان، المدينة الشقيقة للخرطوم على الضفة الأخرى من نهر النيل، إلى أن أُعيد افتتاح المستشفى السعودي جزئياً هذا الشهر.

غرف العمليات تحولت إلى ساحات قتال في السودان

واصلت صفاء عملها ضمن فريق يضم أطباء وممرضين وفنيين وعمال نظافة التقتهم (فرانس برس)، حيث تحولت غرف العمليات إلى ساحات قتال، وقُصفت المستشفيات، وقُتل زملاؤهم في أماكن وجودهم. ومع ذلك، رغم القنابل والرصاص، يأتي الفريق الطبي ويقدم العلاج للمرضى كل يوم.

تترأس خنساء المعتصم فريقاً مؤلفاً من 180 شخصاً للتمريض في مستشفى النو، قائلة: “هذه فرصة لآتي إلى المستشفى وأقدم كل شيء تعلمته من خبرة السنوات” الماضية. وتقول منظمة “اطباء بلا حدود” إن مستشفى النو تعرض لثلاث ضربات مباشرة منذ بدء الحرب، إحداها في فبراير/شباط الماضي، بينما كان أطباؤه المنهكون يهرعون لعلاج عشرات المصابين بنيران مدفعية قوات الدعم السريع على سوق مزدحم. ورغم وجود لافتة عند بوابة المستشفى كتب عليها “ممنوع دخول الأسلحة”، لكن غالباً ما يُتجاهَل ذلك.

عملت بثينة عبد الرحمن في التنظيف في مستشفى النو بأم درمان لمدة 27 عاماً. وخلال الساعات الثماني والأربعين الأولى من بدء القتال، لجأت مع عائلتها إلى حيّ مجاور، لكنها لم تغب عن عملها يوماً واحداً منذ ذلك الوقت. تقول وهي تواصل عملها في المستشفى، ممسكة بالممسحة: “كنت أسير إلى المستشفى طوال ساعتين وأعبر المسافة نفسها لأعود الى المنزل بعد انتهاء عملي”.

وبسبب غياب الأطباء المسؤولين، أصبحت طبيبة الأطفال فتحية عبد المجيد التي تعمل منذ أربعين عاماً، بمثابة “أم” في مستشفى البلك. ولسنوات، عالجت المرضى في منازلهم في حيّ بانت بأم درمان. ولكن منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، درّبت فرقاً في هذا المستشفى الصغير المكتظ، “حيث كان شبان يعملون بجد”، مشيرة إلى أن العمل كان شاقاً، ولكن “تجربة عملي الآن هي أجمل ما قدمته في تاريخي المهني”.

%90 من مستشفيات السودان أضطرت إلى الإغلاق

منذ استعادة قوات الجيش السوداني القسم الأكبر من أم درمان مطلع عام 2024، عادت بعض مظاهر الحياة الطبيعية تدريجاً، لكن المستشفيات استمرت في التعرض لهجمات. واضطرت المستشفيات التي لا تزال تعمل إلى الاعتماد بشكل متزايد على مساعدة المتطوعين من لجان الطوارئ المحلية. تُعَدّ لجان الأحياء جزءاً من شبكة إغاثة شعبية تُقدّم المساعدات على الخطوط الأمامية في جميع أنحاء السودان، ولكنها تتألف في الغالب من شباب سودانيين ذوي موارد محدودة.

يقول الدكتور خالد عبد السلام، منسق مشروع الخرطوم لمنظمة أطباء بلا حدود: “تعرض العاملون في المجال الصحي للهجوم والخطف والقتل والاحتجاز كرهائن مقابل فدية”، مضيفاً: “في مرحلة ما، لم يكن هناك جهاز تصوير بالرنين المغناطيسي واحد يعمل في البلاد” لإجراء الفحوص الطبية.

وأُجبر ما يصل إلى 90% من المستشفيات في مناطق النزاع على الإغلاق، وفقاً لنقابة الأطباء السودانيين، التي تقول إن 78 عاملاً صحياً على الأقل قُتلوا منذ بدء الحرب. وبحلول أكتوبر/تشرين الأول، سجلت منظمة الصحة العالمية 119 هجوماً على المرافق الصحية.

ويشهد السودان منذ نيسان/إبريل 2023 نزاعاً دامياً بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي”. وكان العاملون في المجال الصحي ضحية اتهامات متكررة من المقاتلين بالتعاون مع العدو أو التقصير في علاج رفاقهم.

(فرانس برس)

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here