كتيبة البراء بن مالك… دور متزايد في السودان يقلق البرهان

1
كتيبة البراء بن مالك... دور متزايد في السودان يقلق البرهان
كتيبة البراء بن مالك... دور متزايد في السودان يقلق البرهان

أفريقيا برس – السودان. أحيت انتقادات وجهها قائد الجيش السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، قبل أيام، إلى كتيبة البراء بن مالك المحسوبة على الإسلاميين في السودان، النقاش حول هوية الكتيبة والدور الذي تؤديه أثناء المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، التي دخلت عامها الثاني، الاثنين الماضي، فضلاً عن تساؤلات حول مستقبل هذه الكتيبة. وظهرت كتيبة البراء بن مالك، منذ الأيام الأولى للمعارك التي تفجرت في 15 إبريل/نيسان 2023، وبمرور الأشهر توسع نشاطها العملياتي المساند للجيش، وكذلك نشاطها الإعلامي وعلى وسائط التواصل الاجتماعي، وانتشرت في الفترة الأخيرة أناشيدها التي يغلب عليها طابع جهادي حتى في بيوت الأعراس.

وتنقسم الآراء حول الكتيبة بين من يرى أنها تؤدي دوراً في مساندة الجيش وسد ثغرة قلة عدد قواته المقاتلة ومواجهة انتهاكات قوات الدعم السريع في حق المواطن، ومن يرى أنها امتداد لقوات الدفاع الشعبي المنشأة في تسعينيات القرن الماضي، كواجهة من واجهات نظام عمر البشير وتسلسل لأذرعه العسكرية، وعبرها يعمل، حسب وجهة النظر تلك، من أجل العودة للسلطة وفي أدنى حد المشاركة مع الآخرين في القرار وعدم تجاوزه في أي عملية سياسية، ووقف الملاحقات بحق النظام ورموزه التي جرت بعد سقوط النظام قبل أكثر من 5 سنوات. كما يربط البعض بين انتقادات البرهان للكتيبة وبين الطابع “الجهادي” المهيمن عليها، وخشيته من أن يفضي ذلك إلى أن فقدان قائد الجيش الدعم الذي يحصل عليه من بعض القوى الإقليمية والدولية، من دون أن تغيب عن الحسابات أيضاً المخاوف من تكرار نموذج تنامي دور الكيانات المسلحة الرديفة إلى حد يصعب معه السيطرة عليها، على غرار ما حصل مع قوات الدعم السريع.

انتقادات البرهان والكباشي

ونقل عن البرهان قوله قبل أيام أمام اجتماع مع ضباط بمقر الكلية الحربية، إنّ ظهور الكتائب في فيديوهات بصورة مستمرة، أدى إلى أن تدير الكثير من دول العالم ظهرها للسودان. وأبدى البرهان، طبقاً لما نشرته صحيفة “السوداني” امتعاضه من الظهور الإعلامي المكثف لكتيبة البراء، وبثها مقاطع فيديو لمسيرات تقوم بطلعات قتالية عليها شعار الكتيبة، بشكل يوحي كأنها تعمل بمعزل عن قيادة الجيش. وأكد رفضه نهج الكتيبة وتصرفاتها، مشدداً على ضرورة أن يُقاتل الجميع تحت راية الجيش وشعار الجيش وإعلام الجيش من دون كيانات موازية. مع العلم أنه في أواخر أغسطس/آب 2023 انتشر خبر يفيد بأن البرهان، وبعد خروجه مباشرة من مقر قيادة الجيش بوسط الخرطوم، زار قائد كتيبة البراء بن مالك، المصباح أبو زيد طلحة إبراهيم، الذي أصيب خلال اشتباكات الجيش والدعم السريع بالخرطوم، حيث كان يرقد بمستشفى عسكري في عطبرة.

وسبق إبداء البرهان امتعاضه من دور الكتيبة انتقاد مماثل وجهه نائب قائد الجيش، الفريق أول شمس الدين الكباشي، إذ حذر في أواخر مارس/آذار الماضي من خطر المقاومة الشعبية المسلحة، ومن محاولات الأحزاب استغلالها لتمرير أجندة سياسية. وأمر في خطاب له أمام ضباط وجنود بولاية القضارف، قادة الوحدات العسكرية بعدم السماح بصرف أي سلاح إلا تحت إمرة وإشراف الجيش، ومنع دخول أي مجموعات تحمل رايات سياسية لمعسكرات المقاومة الشعبية، وأعلن عن نية الجيش إعداد مشروع قانون ينظم عمل المقاومة الشعبية حتى لا تتحول إلى خطر حقيقي على أمن البلاد.

لم يعجب حديث الكباشي الكثير من أنصار كتيبة البراء بن مالك، الموالين للنظام السابق، مثل عبد الماجد عبد الحميد الوزير السابق في نظام البشير، والذي كتب مقالاً، معلناً اتفاقه مع الفريق الكباشي في خضوع المقاومة الشعبية لإمرة وإشراف القوات المسلحة، وأن تبتعد الأحزاب السياسية من أقصي اليمين إلى أقصي اليسار عن معسكرات وسلاح المقاومة الشعبية. وأشار إلى أن المقاومة الشعبية في طور الاستنفار، والسبب في تأخير قطارها عن الانطلاق هو قيادة الجيش ومن ضمنها الفريق الكباشي نفسه، إذ تتعامل مع تسليح المقاومة الشعبية بحذر أبطأ سرعة التدافع الشعبي لمناصرة الجيش ودحر عصابات التمرد، معتبراً أن جموع السودانيين لن تنتظر بيروقراطية العسكر.

لكن اللافت كان انضمام مساعد القائد العام الجيش الفريق ياسر العطا، لحالة عدم الرضا عن مواقف الكباشي، إذ خرج في تصريحات علنية بعد أيام من حديث الكباشي، متجاوزاً التراتبية العسكرية، وقال إن أي انتقاد للمقاومة الشعبية هو كلمات تذروها الرياح، والمقاومة تذود عن حياض الوطن، وإن تقويمها يجب أن يتم أثناء عملها. وأكد على استقلالية المقاومة الشعبية. كما ذهب إلى حد ترحيبه بقتال فلول النظام السابق بجانب الجيش في حربه على الدعم السريع، والترحيب كذلك بكيانات ثورة ديسمبر (كانون الأول 2018) ولجان المقاومة التي كان لها دور في سقوط نظام الرئيس عمر البشير.

وفي خضم الجدل المتواصل حول الكتيبة، هاجمت طائرة مسيّرة، في الثاني من إبريل/نيسان الحالي، حشداً في مائدة إفطار رمضاني بمدينة عطبرة، شمالي السودان، دعت له كتيبة البراء بن مالك، وحضره قائدها المصباح أبو زيد طلحة إبراهيم. وأدى الهجوم يومها إلى مقتل 12 من المشاركين وإصابة أكثر من 20 آخرين، ولم تتبنّ أي جهة بما في ذلك قوات الدعم السريع المسؤولية. كما لم يصدر أي بيان توضيحي من الجيش ولا من كتيبة البراء، في المقابل أعلنت لجنة أمن ولاية نهر النيل عن تشكيل لجنة تحقيق لم تظهر نتائجها حتى الآن، وكل ذلك فتح الباب أمام التكهنات والشائعات.

لم ترد الكتيبة على ما قاله البرهان في حقها، وواصلت نشاطها العسكري والإعلامي كالمعتاد، ونشر طلحة إبراهيم، الاثنين الماضي، في صفحته على منصة فيسبوك مقاطع فيديو جديدة لكتيبته في ولايتي الجزيرة وسنار. وأكد أنهم “سيظلون مع القوات المسلحة يعملون على سدّ الثغر في كل المحاور والقيام بواجبهم في حماية الأرض والعرض والمال”. وأضاف: “نحن الذين رضعنا حب هذه الأرض وعشق ترابها، وهذه البلاد نفديها بأرواحنا ونبذل فيها الغالي والنفيس وديننا”.

ولا تتوفر معلومات عن قائد الكتيبة، سوى أنه شاب في الثلاثينات من عمره، ولم يكن له دور يذكر قبل سقوط نظام البشير. أما بعد ذلك فقد برزت له نشاطات ضد حكومة عبد الله حمدوك، والتقطت له صور وهو يقود أولى المواكب ضد الحكومة عام 2019. كما لم يظهر ضمن قادة الكتيبة أي من قيادات النظام السابق، وظهرت أثناء القتال وجوه شاركت من قبل في حرب الجنوب في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة، مثل النيل الفاضل أبرز القيادات الشبابية بحزب المؤتمر الوطني، حزب البشير. ويتكتم قادة الكتيبة عن أعدادها وتسليحها، ومصدر الآليات التي تقودها في الشوارع، وتنتشر الكتيبة في كل جبهات القتال، خصوصاً في مدينة أم درمان، غربي الخرطوم، إلى جانب سلاح المدرعات وسلاح المهندسين، كما ظهرت في ولايات الجزيرة وسنار ونهر النيل، ولم تظهر في إقليم دارفور.

الكتيبة تعمل تحت إمرة الجيش؟

من جهته، اعتبر العميد المتقاعد خالد محمد عبيد الله، أن تصريحات رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة، تصدر عبر مكتبه أو من خلال اللقاءات التي تتم معه مباشرة، مبيناً أن التصريحات الأخيرة التي قال إنها نسبت للبرهان بشأن الكتيبة منقولة عن أحد الناشطين ولا يعتد بها. وأضاف عبيد الله في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن كتيبة البراء بن مالك، تعمل تحت إمرة قيادة الجيش وبتنسيق تام معها، ولا يمكنها تنفيذ معارك منفردة لأن معظم عناصرها فنيون أو تقنيون.

وأشار إلى أن عناصر الكتيبة فعلوا ذلك (انخرطوا في المعارك) تلبية للدعوة التي وجهها القائد العام للجيش لكل من لديه القدرة على حمل السلاح للانضمام للمقاومة الشعبية. وأوضح عبيد الله، أن جميع دول الإقليم والأصدقاء أداروا ظهورهم للسودان منذ بداية الحرب، عدا مصر وإريتريا، بينما أدت دول أخرى مثل السعودية دور الوسيط بين طرفي الحرب، وانتظر باقي المجتمع الدولي، انتصار أي من الطرفين ليرفع من شأنه “لكن خاب أملهم”. وأكد عبيد الله، أن المقاومة الشعبية وكتيبة البراء بن مالك، ستظل تقاتل في صفوف القوات المسلحة السودانية وتحت قيادتها حتى النصر.

من جهته، رأى فتح الرحمن فضيل رئيس حزب بناة المستقبل، وهو واحد من التيارات ذات التوجه الإسلامي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هناك بالفعل مخاوف من المجتمع الدولي من النشاط الزائد للإسلاميين. واعتبر أن الحرب منحت فرصة أكبر للإسلاميين للعودة مجدداً ليس عبر واجهة المؤتمر الوطني السياسية، بل أظهرت العتاة منهم، مثل علي كرتي الأمين العام للحركة الإسلامية، و”استطاع المقاتلون منهم كحالة كتيبة البراء بن مالك، تحويل المعركة من حرب سياسية إلى حرب أخلاقية جهادية بمشروعية حماية الأرض والأنفس والعرض والمال، ما أثار قلق المجتمع الدولي”.

واستطرد رئيس حزب بناة المستقبل بقوله، إن على البرهان تحقيق معادلة تقضي بعقد صفقة مع الجميع تخرج البلاد من أزمتها، وهو أمر مطلوب كذلك من المجتمع الدولي الذي عليه التقدم بصيغة شاملة تخاطب كل السودانيين. ودعا فضيل إلى تطوير مؤتمر باريس، الذي انعقد الاثنين الماضي وشاركت فيه قوى مدنية عدة، مطالباً بمشاركة أحزاب وتيارات أخرى معتدلة وزعامات أهلية، في الفترة المقبلة، ليحقق نتائج أكبر على الأرض.

من جهته، دعا أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، مرتضى الطاهر، الجميع إلى تفهّم مخاوف البرهان وإشاراته تجاه كثافة ظهور من يروج لدور توابع نظام البشير في حسم هذه المعركة. وأضاف في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنه “من العدالة الاحتجاج الشديد على أي جهة تحاول أن تخطف أو تنسب التقدم الحربي لصالحها، خصوصاً أن أتباع نظام البشير كانوا سبباً كارثياً في صنع قوات الدعم السريع وتعظيمها وتضخيم دورها حتى استفاد منها الإقليم والعالم الغربي”. وأوضح الطاهر أن ما يساهم به أتباع نظام البشير هو جزء ضئيل من الفاتورة التي كان عليهم دفعها تكفيراً عن أخطاء جسيمة في إبان فترة حكمهم في المجالات كافة، اجتماعية وسياسية واقتصادية وعسكرية واستراتيجية.

وبرأيه فإن المجتمع الدولي والإقليمي الرافص للتطرف، متخوف من انتصار للجيش بدعم من الكتائب ذات التوجهات الدينية، معتبراً أن حدوث أمر كهذا “سيخلق مزيدا من الأعداء للسودان، ويفقده السند والدعم والأحلاف الاقتصادية والعسكرية المحتملة”. وذكر أن الظهور الإعلامي لفصيل مساند للجيش السوداني في معركته، ليس في صالح قضية السودانيين. واستدرك الطاهر ذلك بقوله إن ذلك التحييد المطلوب لكتيبة البراء والإسلاميين لا يعني عدم حاجة الجيش مثل بقية كل جيوش العالم، حينما تفرض عليه معركة مصيرية تهدد بقاء الدولة القومية، للاستعانة بقوات الاحتياط وبأي تشكيلات وطنية يؤمن شرها وتعينه على النصر.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here