أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. ناقشت “أفريقيا برس” عددًا من القضايا مع الدكتور لؤي عبدالمنعم، رئيس المصالحة الوطنية الشاملة في السودان، وكان من أبرزها خطاب رئيس وزراء السودان كامل إدريس في الأمم المتحدة، وإمكانية عودة السودان إلى الاتحاد الإفريقي، ودور دول الرباعية في حل الأزمة السودانية، إلى جانب قضايا أخرى.
كيف تعلق على خطاب كامل إدريس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ وماذا تعني لك مشاركة رئيس وزراء مدني في الأمم المتحدة؟
خطاب معالي دولة رئيس الوزراء البروفيسور كامل إدريس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أعاد إلى الأذهان رمزية مؤتمر اللاءات الثلاثة في الخرطوم، بما حمله من نبرة وطنية واثقة، وحضور مشرّف في المحافل الدولية، ورسائل واضحة ومباشرة إلى الدول الصديقة الفاعلة، وإلى الجهات المتورطة في دعم المليشيا، فضلًا عن دعوة صريحة للمجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته في وقف العدوان المدعوم من أطراف خارجية، ومحاسبة المليشيا على جرائم الإبادة الموثقة والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها بحق الشعب السوداني.
لقد عزز هذا الخطاب من الحضور الرسمي للسودان، وأعاد تأكيد مكانته التاريخية بين الأمم.
أما مشاركة رئيس وزراء مدني، فهي تجسيد لإرادة شعبية خالصة، وجدت انحيازًا ودعمًا من الجيش القومي المهني، في إطار مسعى وطني لتأسيس مرحلة انتقالية تُبنى على أسس الحياد، وتُدار بمؤسسات مستقلة وكفاءات وطنية، وتمهد لشرعية انتخابية مكتملة.
هل يمكن أن نقول إن السودان لديه حكومة مدنية في ظل الحرب الدائرة الآن؟
نعم، السودان يُدار بحكومة مدنية انتقالية في مرحلة مفصلية، يواجه فيها عدوانًا غير مسبوق على إنسانه وقيمه وثوابته ومؤسساته.
هذه الحكومة لم تكن نتاج فرض عسكري، بل ثمرة حوار وتوافق مدني واسع، حيث حظيت بمباركة مجلس السيادة، وتعمل بتنسيق مهني معه، مع الحفاظ على استقلالها عن الاستقطابات السياسية.
وقد هيّأت هذه الحكومة الأرضية لحوار وطني شامل لا يُقصي إلا من ثبت تورطه فعليًا في جرائم ضد المدنيين، بما يضمن العدالة ويعزز اللحمة الوطنية.
الرباعية الدولية تقترح دخول حكومة تأسيس في المفاوضات بين الجيش والدعم السريع… كيف ترى ذلك؟ وماذا تعني هذه الخطوة؟
السودان ليس طرفًا في الرباعية، وبالتالي فإن ما يصدر عنها لا يُعد ملزمًا له قانونًا، خاصة إذا تعارض مع إرادة شعبه ومصالحه العليا. كما أن دولة الإمارات، بحكم تورطها المباشر في دعم المليشيا عبر المال والسلاح والمرتزقة، لا ينبغي أن تُمنح أي دور في مسار الحل، إذ إنها طرف أصيل في الأزمة لا وسيطًا محايدًا. وبوجه عام، فإن الفاعلين المحليين والدوليين على قناعة أن الحل لا يُصاغ في ميادين القتال وحدها، بل في فضاء سياسي يراعي السيادة الوطنية ووحدة السودان وسيادته على أراضيه، ويُحترم فيه حق الشعب في الكرامة والعدالة والقصاص.
ومن المهم التمييز بين حكومة مدنية انتقالية نشأت بإرادة سودانية خالصة، وتحظى باعتراف دولي وإقليمي، وبتأييد شعبي واسع، وبين أي كيان هلامي مرتبط بالتمرد أو يؤيده، تسعى أطراف لها أجندتها إلى شرعنته كطرفٍ موازٍ لفرض وصايتها على الشعب السوداني. وأي مبادرة دولية، سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف، إن لم تُراعِ السيادة وتحاسب المليشيا على جرائمها المنكرة بحق الشعب، فإنها ستفتقر إلى المشروعية الأخلاقية، خاصة أن المليشيا الإرهابية المدعومة من الإمارات سبق لها أن تنصلت من اتفاق جدة الذي ألزمها بإخلاء الأعيان المدنية والانسحاب خارج المدن، إلى جانب رفضها تنفيذ قرار مجلس الأمن القاضي برفع الحصار عن مدينة الفاشر والسماح بوصول الإغاثة للمواطنين، فضلًا عن كونها تواجه سلسلة هزائم متتالية، وانتقلت من خانة الهجوم إلى الدفاع في رقعة جغرافية محصورة، وتواجه انهيارًا متصاعدًا وفقًا لتقارير المراقبين الدوليين.
البعض يقول إن هنالك خلافات محتملة بين البرهان والإسلاميين، حيث إن البرهان يريد الانفراد بالحكم وينقلب على الإسلاميين.. هل هذا الأمر وارد؟ وما هو السيناريو؟
التيار الإسلامي شأنه شأن بقية القوى السياسية، ليس جزءًا من السلطة التنفيذية في الوقت الراهن، ولا ينبغي له ذلك بمعزل عن التفويض الشعبي، باستثناء حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، والتي تشارك بموجب استحقاقات الاتفاق. الجبهة الداخلية متماسكة في مواجهة العدوان، والجيش السوداني يضطلع بمهامه الوطنية على أكمل وجه في حماية البلاد وإيصال الإغاثة للمواطنين المحاصرين. أما حكومة الأمل المدنية، فهي تمضي بثبات نحو بناء دولة تُدار بالمؤسسات والكفاءات، لا بالمحاصصات أو الولاءات الحزبية، بما يتسق مع المرحلة الانتقالية. وترتيبات الحوار السوداني-السوداني تسير قدمًا، ومن المتوقع أن تُفضي إلى توافقات وطنية تعزز وحدة البلاد واستقلال القرار السيادي، وتفسح المجال أمام الجميع للمساهمة في إعادة الإعمار، بعيدًا عن الاصطفافات الأيديولوجية أو الجهوية التي أقعدت السودان عن اللحاق بركب التنمية.
هل مسألة عودة السودان للاتحاد الإفريقي قريبة، سيما بعد تشكيل حكومة مدنية؟
عودة السودان إلى موقعه الطبيعي داخل الاتحاد الإفريقي حتمية، وتنسجم مع مكانته الجيوسياسية ودوره التاريخي، لا سيما بعد تشكيل حكومة مدنية انتقالية بإرادة وطنية وتأييد شعبي واسع. الاتحاد الإفريقي وإن أبدى انفتاحًا على بيان الرباعية، فإنه يُصغي بحرص لصوت الشعب السوداني، الذي تمثله حكومة الأمل المعترف بها إقليميًا ودوليًا، ويدرك أن أي مسار لا ينبثق من الداخل، ولا يتسق مع الإرادة الشعبية ويحفظ الكرامة الوطنية، سيبقى هشًا مهما كان مصدره أو داعموه.
هل الاتحاد الإفريقي مختطف من الرباعية الدولية ويمكن أن تؤثر على قراراته؟
الاتحاد الإفريقي ليس خاضعًا لأي جهة، بل يتحرك ضمن تفويضه المؤسسي، الذي لا يشمل التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. وهو يدرك أن إرادة الشعوب تظل أقوى من أي تأثير خارجي، والسودان اليوم يُجسد هذا المعنى بوضوح، من خلال صموده أمام أكبر مخطط إجرامي يواجهه منذ الاستقلال، حيث تصدى شعبه وجيشه لمحاولات تجريف الهوية، وتفكيك الجغرافيا، وتغيير التركيبة السكانية. الانتصارات التي تحققت ليست عسكرية فحسب، بل سياسية وأخلاقية أعادت رسم ملامح الدولة الموحدة، وقدمت نموذجًا يُحتذى به عالميًا في تلاحم الجيش مع الشعب، وفي التضحية والفداء، والتمسك بالهوية والإرادة الوطنية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس





