افريقيا برس – السودان. الخرطوم – تنطلق في العاصمة الفرنسية باريس الاثنين أعمال المؤتمر الدولي لدعم السودان، بمشاركة مسؤولين من 40 دولة، وتعول الحكومة على المؤتمر لضمان الدعم في التحول الديمقراطي ومجابهة الأزمات المتفاقمة وزيادة وتيرة الانفتاح على المجتمع الدولي.
وتشارك السلطة السودانية بوفد موسع يضم أكثر من 30 مسؤولا سياسيا وتنفيذيا بجانب رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ورئيس الحكومة عبدالله حمدوك وعدد من الوزراء ورجال الأعمال.
وقالت وزارة الثقافة والإعلام السودانية إن الحكومة الفرنسية وجهت الدعوة إلى عدد من رموز الثورة على الرئيس السابق عمر حسن البشير، ما يشي بأن هناك رغبة دولية في التعرف على رؤى القيادات المدنية التي وصلت إلى سدة الحكم وتقديم الدعم السياسي لها لمواجهة هيمنة المكون العسكري على بعض القطاعات المهمة، ما يجعل أهداف المؤتمر الاقتصادية تنطوي على أهداف سياسية دقيقة.
وقبيل انعقاد المؤتمر بُذلت جهود مضنية للتوصل إلى تفاهمات ثابتة بين المكونين العسكري والمدني في السودان بشأن جملة من الملفات الداخلية والخارجية لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من مؤتمر باريس، بعد أن أدركا أن خروج الخلافات للعلن لن يكون في صالح الفترة الانتقالية، وحاولا سدّ الثغرات التي يمكن أن تكون وسيلة لاستقطابات حادة تعرقل طموحات السلطة السودانية للتحول الديمقراطي.
واستدركت بعض الأطراف المحسوبة على المكون العسكري خطورة الدعم الدولي المتصاعد للقوى المدنية، بعد إصدار الكونغرس الأميركي قانون “الانتقال الديمقراطي في السودان”، والذي عزز توسيع قاعدة مشاركة القيادات المحسوبة على المكون المدني في مؤتمر باريس، وتزايدت مخاوف بعض القيادات العسكرية من نمو دور أطراف سياسية تجد أن كفة الدعم الدولي تميل لصالحها.
وحاول المكون العسكري نفض يده من أحداث القيادة العامة التي وقعت الثلاثاء الماضي في الخرطوم، وسلم الجيش مساء السبت النائب العام نتائج التحقيق في مقتل متظاهريْن شاركا في تجمع للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن تفريق اعتصام أمام مقر قيادة الجيش منذ حوالي سنتين.
تضمّنت النتائج قائمة المشتبه بتورطهم في الأحداث مع رفع الحصانة عنهم، إيذانا بمباشرة الإجراءات القانونية بواسطة النيابة العامة للوصول إلى النتائج النهائية، “تأكيدا للشفافية وصونا للحقوق، وحرصا على سلامة وأمن وطمأنينة المواطنين”.
ويقول مراقبون إن المكون العسكري ليست لديه موانع في أن يكون هناك حكم تعددي بالسودان، لكنه يخشى من اختلاف أيديولوجيات الأحزاب المدنية المتعارضة، والتي دائما ما تكون سببا في الخلافات، وأن انتقال ذلك إلى رأس السلطة يعني أن المرحلة الانتقالية سوف تواجه بفشل على المستوى الداخلي، وإن كان ثمة دعم دولي سخي.
وأكد أستاذ العلاقات الدولية بالمركز الدبلوماسي التابع للخارجية السودانية عبدالرحمن أبوخريس، أن مؤتمر باريس في شقه العلني لا يتدخل في الأوضاع الداخلية، ولن يناقش القضايا السياسية، ويركز على الدعم الاقتصادي بوجه عام، لكن هناك دعما غير مباشر سيكون من نصيب الحكومة، يُجبر أطراف المرحلة الانتقالية على ترتيب البيت الداخلي أولا تمهيدا للحصول على الاستثمارات الأجنبية، وهو ما يصب في صالح فكرة دعم التحول الديمقراطي في البلاد.
وأضاف في تصريح لـ“العرب” أن المجتمع المدني السوداني أكبر المستفيدين من انعقاد المؤتمر، والذي يعد رأس الحربة في عملية جذب الاستثمار، لأن غالبية المشروعات ستكون بالشراكة بين القطاعين الخاص والعام، إلى جانب أن الحكومة هي التي تستقبل المساعدات والإعانات التي يقدمها المجتمع الدولي، وعليها تحسين أوضاع الاستثمار وإقرار قوانين مشجعة لإقناع المستثمرين الأجانب.
ويدعم المؤتمر آليات الحكومة المدنية لفك عزلة السودان الدولية، وهي إحدى دعائم تصحيح المسار التي تعززت بالاستجابة الكبيرة لانعقاد مؤتمر باريس على أن يسير السودان في الطريق السليم بما يجعل الطرفين، المدني والعسكري، أكثر حرصا على توسيع قواعد التعاون مع المجتمع الدولي. وأوضحت الحكومة أن مؤتمر باريس يهدف إلى تأكيد عودة السودان القوية والمستحقة للمجتمع الدولي، لافتة إلى إعداد مشروعات في مجالات عديدة لعرضها على المؤتمر، تشمل قطاعات عدة، بينها الطاقة والبنى التحتية والنقل والاتصالات والثروة الحيوانية.
واعتبر وزير المالية جبريل إبراهيم أن المؤتمر فرصة للقاء الدائنين من نادي باريس والأطراف الأخرى الدائنة للسودان والمؤسسات المالية الدولية، وهو خطوة لإعفاء ديون السودان التي تقدر بـ60 مليار دولار.
وكشف القيادي بقوى الحرية والتغيير إبراهيم الأمين، أن الحكومة السودانية استعدت جيدا للاستفادة من حجم المشاركة الدولية الواسعة، ووضعت خططها على مدار الأشهر الماضية وتتعامل مع المؤتمر كخطوة تمهيدية تفتح الطريق أمام دعم الحكم المدني وتثبيت ركائزه من خلال تحسين الأوضاع الاقتصادية.
وأشار في تصريح لـ“العرب” إلى أن طبيعة التكوين السياسي والثقافي والإثني في السودان تدعم الحكم الديمقراطي، وأن جميع التجارب السابقة أثبتت فشل الحكم الشمولي-العسكري، وهناك إدراك دولي بأن تخطي السودان المرحلة الحالية لا بد أن يكون من خلال حكم غير مركزي لتثبيت السلام في ولايات الهامش، ودعم فكرة النظام المدني الذي يملك مشروعا وطنيا.
وقلل الأمين من تأثير ما يتردد حول وجود خلافات متجذرة بين القوى المدنية على الدعم الدولي المنتظر، معتبرا أن فترات الانتقال قد تكون أصعب من الثورات نفسها، لأن الأبواب مفتوحة أمام الجميع وكل طرف لديه حزمة أهداف يسعى لتحقيقها، وأن الوصول إلى حكم ديمقراطي عبر الناخبين يتطلب دعما دوليا لتحقيقه.
وتتخوف بعض الدوائر السودانية من أن تؤدي التباينات السياسية بين المدنيين أنفسهم، أو بين المكونين المدني والعسكري، إلى تفويت فرصة الاستفادة من الدعم الدولي، حيث تبعث برسائل سلبية بشأن تماسك المرحلة الانتقالية، ما يقلل الدعم الدولي لها.
وما يزيد المخاوف العامة أن استحقاقات المرحلة المقبلة صعبة، وعلى رأسها الإسراع بالإعلان عن نتائج التحقيق في ملف فض اعتصام القيادة العامة وتشكيل المجلس التشريعي واستكمال مسارات السلام، وكلها تشكل مطبات سياسية يحتاج تمريرها إلى مرونة كبيرة في ظل الغليان الجارف في الشارع بسبب الأوضاع المعيشية المتدهورة.