ماذا وراء إلغاء الوثيقة الدستورية في السودان؟

76
ماذا وراء إلغاء الوثيقة الدستورية في السودان؟
ماذا وراء إلغاء الوثيقة الدستورية في السودان؟

أحمد جبارة

أفريقيا برس – السودان. في تصريحات مفاجئة، أعلن الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للجيش السوداني وعضو المجلس السيادي بأنه سيلغي الوثيقة الدستورية وسيتم استبدالها بوثيقة دستورية جديدة وسيتم تعيين رئيس وزراء مستقل، فيما يتمدد السؤال بشأن توقيت إلغاء الوثيقة الدستورية، وما وراء الإلغاء، وماذا بعد إلغاءها

والوثيقة الدستورية؛ اتفاق جرى التوصل إليه في 5 يوليو/تموز 2019 بعد الوساطة الأفريقية – الإثيوبية بين المجلس العسكري الانتقالي و”قوى إعلان الحرية والتغيير”.

وعقب إنقلاب البرهان في أكتوبر 2021، أعلن الجيش حالة الطوارئ في البلاد، وحلّ مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وتعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية الموقعة بين العسكريين والمدنيين التي تحكم الفترة الانتقالية الحالية.

قرار متوقع

في الصدد، يقول المحلل السياسي الفاتح محجوب لموقع “أفريقيا برس” إن “قرار إلغاء الوثيقة الدستورية كان متوقعا منذ بدء الحرب لأسباب دستورية وسياسية وعسكرية”. وأضاف إن “الوثيقة الدستورية الحالية هي نتاج تحالف بين قحت والجيش والدعم السريع ولاحقا تم ضم الحركات الدارفورية للتحالف عبر مراسيم دستورية أضيفت للوثيقة الدستورية، وبما أن الحرب قد مزقت التحالف الذي كون الوثيقة الدستورية فمن الطبيعي أن يتم الإعلان عن وثيقة دستورية جديدة تعبر عن الوضع الراهن وما يرغب فيه مستقبلا قادة الجيش وحلفائهم من الحركات الدارفورية”. وتابع محجوب “أما اختيار التوقيت فهو يتعلق بقرار الجيش في تكوين حكومة مدنية بقيادة رئيس وزراء مستقل وهو إجراء يستحيل تنفيذه بدون إلغاء الوثيقة الدستورية الحالية التي تجعل قحت الوحيدة المخولة باقتراح اسم رئيس مجلس الوزراء ومن قحت يتم إختيار الوزراء”.

قرار طبيعي

وفي هذا الصدد قال المحلل السياسي مجدي عبدالقيوم “كنب” لموقع “أفريقيا برس” إن “إلغاء الوثيقة الدستورية أمر طبيعي على اعتبار أن السياق التاريخي والتطورات التي حدثت بعد الحرب تجعل هنالك تغيير في الدستور”. وأضاف عبدالقيوم “الوثيقة الدستورية أساسا نظمت الفترة الانتقالية التي تأسست على شراكة بين المدنيين والمؤسسة العسكرية وقننت العلاقة بينهما وحددت السلطات والصلاحيات وحيث أنه لم تعد هناك شراكة بعد التطورات المعلومة فيما يتصل بالحرب وسيادة حالة الطوارئ وما تستلزمه، فمن الطبيعي أن تكون هناك مرجعية دستورية تنظم هذه الفترة التي تتداخل فيها مهام الانتقال بمهام الحكم وإدارة الدولة في ظروف استثنائية سواء كانت تلك المرجعية وثيقة دستورية أو دستور اتتقالي”. ويرى مجدي أنه وبالنظر لحالة الحرب فمن الطبيعي أن يتم تقييد بعض الحقوق حتى تقتضيه طبيعة وظروف الحرب والحالة الأمنية.

وبشأن توقيت تغيير الوثيقة الدستورية، قال عبدالقيوم “ما يتصل بالتوقيت فهذا مرده في تقديري لعوامل داخلية متصلة بالوضع الميداني من جانب والتطورات المتسارعة في المسرح السياسي على المستوى العالمي وانعكاساته الإقليمية والتي تلقي بظلالها علي الوضع داخليا من جانب آخر”.

ويقول عبدالقوم “العالم الآن يشهد تحولات كبيرة جدا وبالتالي لابد لأي دولة من أخذ ذلك في الاعتبار سيما أن المنطقة العربية تشكل بؤرة ملتهبة تمتد في مناطق كبيرة”.

ديدن الطغاة

ولكن القيادي بالقوى المدنية الديمقراطية “تقدم”، عروة الصادق لديه رؤية مختلفة عن الأحاديث السابقة، إذ يقول لموقع “أفريقيا برس” إن “إلغاء الوثيقة الدستورية هو ديدن الطغاة والدكتاتوريين ودأب كل المتسلطين والمخادعين والمتعطشين للسلطة، إنهم دائمًا يخطئون ومن ثم يخططون لإصلاح أخطائهم بارتكاب المزيد من الجرائم والفظاعات، وهدفهم هو التشبث والسيطرة من جديد بمقاليد السلطة وبسط هيمنتهم”.

ويرى الصادق إن ” الهدف من إلغاء الوثيقة الدستورية يكمن في خدمة مصالح العسكر ولقمع الآخرين”. كما قال عروة إن “إلغاء الوثيقة يعد تجاهلا لكافة الأنظمة المحلية والإقليمية والدولية المتماشية مع الحريات العامة وحقوق الإنسان لأن الأمر كله يتعلق بالحفاظ على قبضتهم على السلطة والهيمنة على مقاليد الحكم، لذلك يبدو الأمر كما لو أن أحدهم يقول: “مرحبًا، أنا المسؤول الأوحد الآن، ولا أهتم بما يظنه الآخرون”، وهذا يوضح بحسب عروة أنهم “لا يستطيعون الحصول على ما يكفي من تلك القوة والسلطة والنفوذ من خلال الوثيقة الدستورية التي مرجعيتها الثورة السودانية لذلك لجأوا لدسترة جديدة مرجعيتها انقلاب أكتوبر 2021 وحرب أبريل 2023”.

وأضاف الصادق إن “الإلغاء تم بواسطة مستشاري وخبراء وقانونيي الانقلاب وهذا يعني العودة إلى دستور 2005 أو سن تشريع دستوري جديد يتواءم مع التطلع الآحادي الدكتاتوري ليحققوا بذلك سلطة شمولية لا تحققها الوثيقة الدستورية تُعمّد نظاما سلطويا وتعتمد منهجا شموليا”.

وبشأن سناريوهات ما بعد إلغاء الوثيقة الدستورية، يقول الصادق “من المتوقع بعد أن يقوم هؤلاء الحكام النهمون بتحطيم الدستور القديم ووضع دستورهم الجديد، وسيصبح الأمر أكثر قُبحًا مما هو عليه الآن، وسنشهد فظاعات وانتهاكات أسوأ من تلك التي حدثت بعد الانقلاب وبعد الحرب لأنهم سوف يستخدمون تلك القوانين الجديدة لسحق أي معارضة لإبقاء أنفسهم في السلطة، ولن يبقَ أمام الشعب خيار سوى الإذعان وقبول حكمهم المتسلط أو الفرار، وهذا ما فعله البشير ومن قبله النميري، ظنا منهم أنه المقاومة ستكون عديمة الجدوى في ظل تشريعات وقوانين القمع والكبت”.

وأعرب الصادق عن أسفه لما ستؤول إليه الأوضاع بعد إلغاء الوثيقة الدستورية، حيث قال “ستكون هناك فوضى كبيرة في حال اعتمدت هذه الاستراتيجية الأحادية وستستمر إراقة الدماء، لأن الأمر كله يتعلق بالحفاظ على السيطرة والتأكد من عدم الإطاحة بهم، وفي ذلك لن يدخروا جهدا لجز رؤوس معارضيهم أو الزج بهم في السجون والمعتقلات التي تم تشريع قانون يفتح بيوت أشباحها”.

وبشأن توقيت الإلغاء قال الصادق “العسكر الدكتاتوريون اختاروا هذا التوقيت المثالي في ظروف فوضى الحرب الحالية، لإعادة صياغة الوضع الدستوري لأنها فرصة مثالية للتلاعب بالوضع وفرض سيطرتهم، ولسان حالهم يقول (أنا أقاتل من أجل البلد، فمن الأفضل أن تدعمني وإلا فأنت خائن سيطالك القانون)، وهم يعرفون كيف يلعبون هذه اللعبة التي ظلوا يمارسونها على مر العقود، ولن يتوقفوا عن فعل أي شيء للحصول على كل شيء”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here