ما وراء خطاب البرهان عن “الدعم السريع”؟

139
ما وراء خطاب البرهان عن
ما وراء خطاب البرهان عن "الدعم السريع"؟

أحمد جبارة

أفريقيا برس – السودان. لأول مرة يضع رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ، نفسه في مواجهة حقيقية مع نائبه الفريق محمد حمدان حميدتي، وذلك عندما قال في خطاب بمنطقة “الزاكياب” بنهر النيل ، إن دعم الجيش للإتفاق الإطاري رهين بتنفيذ بند دمج قوات الدعم السريع في صفوف الجيش ، وهو الامر الذي اعتبره الكثيرين بالخطاب الذي يعبر عن تطلعات الشعب السوداني لجهة إن دمج الدعم السريع في الجيش يعد من شعارات الثورة. كما قال البعض ، إن الخطاب يؤكد بأن هنالك بوادر أزمة تلوح في الافق بين الرجلين.. فماهي دلالات الخطاب؟ وهل خلافات البرهان وحميدتي خرجت للعلن؟ أم يريد البرهان أن يحمل حميدتي مسؤولية عدم انتقال السلطة للمدنيين؟

هدف إستراتيجي

ولا يرى المحلل السياسي مجدي عبدالقيوم كنب ، أن حديث البرهان فيه جديدا يتطلب إثارة و كل هذه الضجة، فالاتفاق الاطاري يقول كنب ، نص بوضوح على دمج كل الفصائل المسلحة في الجيش وهذا طبيعي جدا وينبغي أن يكون هدفا استراتيجيا للقوى المدنية ، فلا يوجد سياسي او حتى المواطن العادي يمكن أن يتحدث عن استدامة نظام ديمقراطي في ظل وجود جيوش متعددة ولا أن يقبل ميليشيات موازية للجيش تحت اي ذريعة ويجب أن تحتكر الدولة أدوات العنف وهذه ابجديات ، لذلك في نظره ليس هنالك خلافات فحديث البرهان يتفق عليه حميدتي والذي صرح في عدد من المناسبات بأنه جاهز لدمج الدعم السريع في الجيش.

ويرى عبدالقيوم في حديثه لـ “أفريقيا برس” أن البرهان يشير إلى الخطأ الذى ارتكبته قوى المجلس المركزي حين غضت الطرف عن الاشارة الى شركات الدعم السريع وضرورة تصفيتها وايلولتها لولاية وزارة المالية كما فعلت مع شركات الجيش. وأضاف، ايضا اعتبارها الدعم قوات رسمية إلى جانب الجيش والشرطة وجهاز الأمن والسبب معلوم حيث يقول كنب أن المجلس المركزي وفي إطار تحالفه مع الدعم السريع وحلفاءه من دول الخليج في سياق مشروعه للعودة للحكم ارتكب خطأ فادح لا يمكن أن يقبل به سياسي مبتدىء دعك عن الجيش علاوة على أنه لا يتسق مع الاستراتيجى الدولي ، ويبين أن قادة المركزى لا يدركون أبعاد الصراع الدولي وتقاطعاته، لذلك كنب لا يعتقد ان البرهان يريد أن يتراجع عن التزام الجيش بالخروج من العملية السياسية ، وتابع ، لا اعتقد ايضا أن تصريحه ياتي في سياق الخلافات فهذا ما ينبغي أن يكون اي دمج كل الفصائل بلا استثناء فى القوات المسلحة قبل الانسحاب من المشهد السياسي. وبشأن الحديث المكرر عن الجيش لا يخلو من المزايدة السياسية ، يقول كنب الجيش في النهاية مؤسسة رسمية تمثل رمزية سيادة الدولة يمكن أن تخضع للمراجعة والتقييم والتطوير والتحديث بشكل روتيني وطبيعي، وأضاف ، إذا كانت الفصائل المسلحة بلا استثناء تريد ممارسة السياسة فعليها أن تتحول إلى قوى مدنية.

خلط أوراق

أما القيادي بقوى الحرية والتغيير عروة الصادق يقول لموقع “أفريقيا برس” إن البرهان يتعمد خلط الأوراق كلما أحرزت العملية السياسية تقدما، فهو يعلم أن التوجه الآن بعد استكمال مؤتمرات التفكيك والسلام والشرق سيكون نحو ملفي العدالة الانتقالية وإصلاح الأجهزة الأمنية، ويعلم أن قضية دمج الدعم السريع والمليشيات والحركات أمر متوافق عليه من الجميع وقد تم النص على ذلك في الاتفاق الإطاري، وأبدى هو ونائبه قائد الدعم السريع رغبتهما الأكيدة في الوصول لجيش مهني قومي موحد تحت قيادة مدنية، ونبه عروة إلى أن إطلاق مثل هذه التصريحات منه ومن الجنرال كباشي يوضح بجلاء أنهما يقرءان من لوح غير الذي يقرأ منه الجميع، مؤكدا أن هناك ترتيب وتدبير لأمر ما، ولايستبعد عروة أن يكون محاولة لكسب الوقت أو فتح باب لعناصر يريد البرهان إلحاقها بالإطاري أو محاولة حثيثة وجادة وأخيرة لاستكمال عملية انقلاب 25 أكتوبر وتسليم مفاصل الدولة والجيش للتنظيم المحلول والحركة الإخوانية، وهذه الأخيرة بحسب عروة تبدت علاماتها وقرائن أحوالها.

ويقول عروة إن العبرة ليست في حديث البرهان بل في طريقته وزمانه ومكانه ووضعه كإشتراط لم يكن موجودا، وهو ما يعني أن التصورات لإدماج وتسريح القوات ليست أمور متفق عليها حتى في البيت العسكري، وهو أمر محل نقاشه مؤتمر إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية، ويضيف، لا أستطيع التكهن بخفايا يضمرها البرهان ولكن هناك تحركات عسكرية وأمنية كثيفة خاصة للفلول وواجهات الحزب المحلول تتزامن مع هذه التصريحات وهو مدعاة للتساؤل عن القادم الذي ربما لن يكون كما نرى من سلاسة وسير في العملية السياسية.

صلات حميمة

ويرى الخبير العسكري العميد ياسر أحمد الخزين إن خطاب البرهان ناتج عن تصاعد الحملة الإعلامية بين الدعم السريع وبعض قيادات الجيش لتباين في الرؤى واختلاف في المواقف، ويقول إن هذا التصعيد ظهر على السطح بعد أن كان مخفيا عن العلن، وأرجع الخزين سبب التصعيد إلى الضغط الدولي لتنفيذ الإتفاق الإطاري المرحب به من قبل الدعم السريع ودعمه من قبل حميدتي شخصيا والمجاهرة به بعد تماهيه مع “قحت” ورفضه من قبل الجيش صراحة من الكباشي وضمنيا من البرهان وذلك خلال سياق حديثه منذ لقاء الفاشر أولا وأخيرا بلقاء “الزاكياب”، منوها إلى أن الخطاب حدد رؤية مستقبلية لقيادة الجيش، كما لفت إلى أن البرهان قال أن الإطاري بصورته الحالية لن يمضي للأمام خطوة ليقينه بأن القوى السياسية ستحدث ربكة وتخلط الأوراق كما فعل من قبل ترك بإغلاق الشرق ولايزال عند رفضه حتى بعد ورشة القاهرة والكيانات الجديدة والإدارات الأهلية ونداء أهل السودان..إلخ ، وأضاف ، كذلك لن يمضي الاتفاق الإطاري لإختلاف قحت فيما بينها حوله وتشدد تيارها المختطف للثورة وتبني حكومتي مابعد الثورة كحاضنة لهم ، وأكد أن دمج الدعم السريع في الجيش كشرط لتمضية الإطاري فهذا الدمج يقول الخزين يحتاج لميزانية لو توفرت لأخرجت البلاد من أزمتها، فبند الترتيبات الأمنية لسلام جوبا بحسب الخزين لم يبارح مكانه بسبب عجز التمويل فكيف بدمج الدعم السريع عليه ، وقال الخزين إن الإطاري ودمج الدعم السريع كقضيب سكة الحديد وستجد القوة الرافضة لإدخال مكونات جديدة فيه مجبرة على فتحه أو أن يتم إلغاؤه وتكوين حكومة تصريف أعمال إضطرارا أو الإنتخابات المبكرة.

ولا يرى الخزين ثمة خلاف بين البرهان وحميدتي ، إذ يقول لـ “أفريقيا برس” إن سيناريو عدم إنتقال الحكم للمدنيين هو الأقرب على اعتبار أن البرهان وحميدتي مصيرهما واحد وتربطهما صلات حميمة منذ أن كان البرهان محافظا لنيرتتي ثم هندسته لعاصفة الحزم مع ميل حميدتي لقحت مؤخرا بعد أن جاهر بالعداء للإسلاميين ، فتنفيذ الإطاري يقول الخزين رهنه البرهان بدمج الدعم السريع وهو ما أقرته مسودة الإطاري ، وأردف ” الجيش يقول عاوزين ننفذ الإطاري أدمجوا الدعم ودي حدوته ألف ليلة وليلة لن تنتهي ولن تصل لنهاية وكقصة الحليب عند البقر والبقر عاوز حشيش والحشيش تحت الجبل إلخ ..”.

ثمة من يقول ، إن حديث البرهان بشأن دمج الدعم السريع في الجيش حديث للإستهلاك السياسي وفرقعة إعلام وهو خطاب حماسي للجنود ، وأستدرك محدثي ، ولكن البرهان لن يتجرأ أن يواجه حميدتي وجهاً لوجه ويلزمه بالدمج ، مستدلين بأن البرهان قد اعتاد على إطلاق مثل هذه التصريحات ولم يطبقها فعليا على أرض الواقع.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here